الناصرة- “القدس العربي”: في ظل تصاعد نذر الحرب من جديد على الجبهة الشمالية وتزايد الهجمات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، يدعو الباحث والمحاضر الإسرائيلي الخبير بالشؤون اللبنانية الجنرال في الاحتياط كوبي ماروم إسرائيل إلى القيام بحملة برية لمنع “حزب الله” من إعادة بناء نفسه من جديد، مشدداً على أنه من دون ذلك فإنها تكون قد فشلت في تحقيق أهدافها في لبنان.
ماروم: هناك (في الجيش اللبناني) نحو 30% من المقاتلين والضباط ينتمون إلى الطائفة الشيعية، ما يخلق إشكالية في مواجهة “حزب الله”
ويقول ماروم، ضمن مقال نشره موقع القناة 12 العبرية: “نشهد في الأيام الأخيرة تصاعُداً ملحوظاً على الحدود الشمالية، يتمثل أساساً في ارتفاع الخروق ومحاولات حزب الله إعادة بناء وجوده في الجنوب اللبناني وفي أنحاء البلد، وكذلك في ارتفاع وتيرة هجمات الجيش الإسرائيلي على الجنوب وبقية المناطق اللبنانية”.
ويزعم الجنرال الإسرائيلي أنه، وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي وُقِّع في كانون الأول/ديسمبر 2024، من المفترض أن يتخذ الجيش اللبناني خطوات لتفكيك “حزب الله” في جنوب نهر الليطاني، وأنه على خلفية ذلك، اتخذت الحكومة اللبنانية، قبل بضعة أسابيع، قراراً يقضي بتفكيك “حزب الله”، وبأن يكون الجيش اللبناني القوة العسكرية الوحيدة في البلد.
ويعتبر أن دلالة هذا القرار هي تفكيك البنى التحتية وقدرات “حزب الله” على الأراضي اللبنانية بالكامل، مع تخصيص مهلة لتنفيذ المهمة حتى نهاية العام الجاري. ويمضي في مزاعمه: “ومع ذلك، ثمة فجوة كبيرة بين قرارات وتصريحات القيادة اللبنانية وبين التطبيق الميداني من طرف الجيش اللبناني”.
ويقول ماروم إن “حزب الله” تلقى فعلاً ضربة قاسية من الجيش الإسرائيلي، سواء باغتيال قيادته أو بالمس الشديد بقدراته، لكن لا يزال لدى الحزب نحو 40 ألف مقاتل وعشرات الآلاف من الصواريخ والقذائف التي تشكّل تهديداً لشمال البلد.
كما يشير إلى معاناة “حزب الله” من مشكلة حادّة في الميزانية، فالإيرانيون لم يتمكنوا من تحويل الاعتمادات السنوية، كما كانت الحال قبل الحرب، فضلاً عن الأذى الكبير الذي أصاب مكانته السياسية والاجتماعية على الساحة اللبنانية الداخلية.
“حزب الله” يخرق الاتفاق ويعيد ترميم قدراته
ويقول أيضاً إنه، وفقاً للاتفاق، من المفترض أن ينهي الجيش اللبناني، بحلول كانون الأول/ديسمبر هذا العام، أي خلال نحو شهرين، تفكيك بنى “حزب الله” التحتية كلها جنوبي الليطاني، لافتاً إلى أنه يعمل فعلياً، في الأشهر الأخيرة، على تدمير بنى تحتية وأنفاق وملاجئ في الجنوب اللبناني، وينفّذ أيضاً نشاطات داخل مخيمات اللاجئين ضد بنى تحتية فلسطينية، لكنه لا يوقف عناصر “حزب الله” ولا يصادر أسلحتهم، وهذا بمثابة خرق للاتفاق وعدم الامتثال له.
ويقول إن أسباب غياب الحزم في نشاط الجيش اللبناني ضد بنى “حزب الله” تعود إلى كونه جيشاً ضعيفاً محدود القدرات، مع تعبئة صغيرة مقارنة بالمهمات الملقاة عليه.
علاوة على ذلك، يدّعي ماروم أن هناك نحو 30% من المقاتلين والضباط ينتمون إلى الطائفة الشيعية، ما يخلق إشكالية في مواجهة “حزب الله”، وفي هذه المرحلة لا توجد رغبة قوية في خوض مواجهة مباشرة مع الحزب.
ويقول أيضاً إن الضغط الإسرائيلي والمطلب الحازم من الولايات المتحدة على الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية لاتخاذ مزيد من الإجراءات، وفق الاتفاق، نابعان من الارتفاع الدراماتيكي في الأسابيع الأخيرة في جهود “حزب الله” لاستعادة قدراته.
ويزعم أن هذا يشمل الجنوب اللبناني، وخصوصاً مركز الثقل الجديد في البقاع، بما في ذلك محاولات استمرار تهريب الأسلحة من سوريا، مع استغلال حالة عدم سيطرة الرئيس أحمد الشرع الكاملة على جميع أنحاء سوريا.
“سوار النار”
ويتّبنّى ماروم الرواية الإسرائيلية الرسمية قائلاً: “تُلاحَظ في منطقة البقاع، التي أصبحت مركز ثقل لحزب الله، محاولات لاستئناف إنتاج الصواريخ والطائرات المسيّرة وقدرات إضافية، وهو ما يخلق تحدّياً استخباراتياً وعملياً كبيراً للجيش الإسرائيلي”.
كذلك يقول إنه لا بد من الإشارة إلى أنه حتى بعد نحو عام على وقف إطلاق النار في الشمال، ثمة تصاعُد في التدخل الإيراني في لبنان، فالقيادة الإيرانية لم تتخلّ عن “جوهرة التاج” “حزب الله”، وتسعى لإحياء وبناء رؤية سليماني لـ”سوار النار” المحيطة بإسرائيل، إذ يشكّل “حزب الله” ركيزة مركزية في بناء هذه القدرة.
هل الهجوم الإسرائيلي الواسع النطاق على لبنان مسألة حتمية؟
يتساءل ماروم، ويجيب بالقول: “إن المطلب الحازم والواضح من إسرائيل والولايات المتحدة هو أن يفكك الجيش اللبناني مزيداً من بنى “حزب الله” التحتية، وهذا قد يولّد احتكاكاً مباشراً، وربما يؤدي إلى تدهورٍ يمكن أن يقود إلى حرب أهلية داخل لبنان”.
ويضيف: “إن خط الفصل هنا هو الانتخابات النيابية المقررة في أيار/مايو 2026، والتي ستكون اختباراً مهماً بشأن ما إذا كان الشعب اللبناني سيدعم الرئيس جوزف عون وحكومته التي تقود خطاً ضد “حزب الله”، بما في ذلك الدعم الكامل لتفكيكه وإضعاف وجوده في مجلس النواب، الأمر الذي يتيح تفكيكه ويدفع نحو اتفاق بين إسرائيل ودولة لبنان”.
ويقول أيضاً إن المعضلة في إسرائيل، بعد الضغط الدبلوماسي، وفي حال عدم نجاحه، هي ما إذا كان يجب العمل بشكل واسع وعدواني ضد بنى “حزب الله” التحتية، وخصوصاً في البقاع، مع تحمّل مخاطر التصعيد ورد “حزب الله” باستهداف الأراضي الإسرائيلية، في ظل عودة سكان الشمال حديثاً إلى بيوتهم ومحاولتهم إعادة بناء حياتهم ومجتمعاتهم الحدودية، بينما لا تزال صدمة النزوح حاضرة.
الباحث: الجيش اللبناني يعمل فعلياً على تدمير بنى تحتية وأنفاق وملاجئ في الجنوب، وينفّذ نشاطات داخل مخيمات اللاجئين ضد بنى تحتية فلسطينية، لكنه لا يوقف عناصر “حزب الله” ولا يصادر أسلحتهم
ولذلك، يرى ماروم أن الاستجابة الإسرائيلية الواسعة من هذا النوع قد تؤدي إلى أيام من القتال بهدف إحباط التهديد من جديد، ولا سيما في البقاع الذي يتحوّل إلى مركز ثقل للحزب.
“فرصة إستراتيجية نادرة”
ويخلص ماروم إلى القول إن الجيش الإسرائيلي يهاجم يومياً تقريباً، لكن الهجمات تبقى بمقدار محسوب، ومن المؤكد أنها ليست متناظرة مع محاولات “حزب الله” استعادة قدراته، مع خرق واضح لاتفاق وقف إطلاق النار في أنحاء لبنان.
ويعتبر أن إعادة الإعمار الاقتصادي للبنان، التي يُفترض أن يقودها الأمريكيون والسعوديون، مشروطة بقدرة الدولة والجيش اللبناني على تفكيك سلاح “حزب الله” في كامل أنحاء البلد، وهي رافعة مهمة جداً لبلد يعاني وضعاً اقتصادياً بالغ السوء حتى كاد يعلن الإفلاس.
ويصف ذلك بأنه تحدٍّ كبير للقيادة اللبنانية، وبصفة خاصة للرئيس عون ورئيس الحكومة نواف سلام، اللذين يقفان في موقع هجومي من أجل مصلحة الدولة، ويواجهان “حزب الله” وقدراته وموقعه على الساحة الداخلية اللبنانية.
ويضيف: “هناك فرصة إستراتيجية نادرة ماثلة أمامنا، ولا سيما في أعقاب خسارة المحور الإيراني لسوريا، والأضرار الجسيمة في أجزائه الأخرى. وبسياسة حكيمة وحازمة، وبالتنسيق التام مع الولايات المتحدة، يمكن إيجاد واقع مختلف تماماً في لبنان في المديين المتوسط والبعيد، مع واقع أمني أفضل كثيراً لسكان الحدود الشمالية”.
ويختم بالقول: “في رأيي، هناك شك في أن يحدث ذلك من دون هجوم إسرائيلي واسع على بنى حزب الله التحتية في لبنان، إذا لم تفلح التهديدات والبيانات في تحقيق أهدافها، وذلك من أجل الإيضاح أن سياسة إسرائيل بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 لن تتسامح مع نشوء تهديد جديد، وهي رسالة ذات أهمية بالغة للمنطقة بأسرها”.
