أطلقت «هيئة الأدب والنشر والترجمة» السعودية، الخميس، فعاليات النسخة الخامسة من «ملتقى الترجمة الدولي 2025»، الذي يستضيفه مركز الملك فهد الثقافي في الرياض خلال الفترة بين 6 و8 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، بمشاركة ما يزيد على 30 جهة محلية ودولية، و70 خبيراً ومتحدثاً من 22 دولة حول العالم.
وأوضح الدكتور عبد اللطيف الواصل، الرئيس التنفيذي للهيئة، أن الملتقى يُشكِّل فضاءً مفتوحاً للحوار وتلاقي الثقافات، وتُبنى من خلاله رؤى جديدة لمستقبل الترجمة بوصفها أداة لصناعة الفهم المشترك بين الشعوب.
30 جهة محلية ودولية تشارك بـ«ملتقى الترجمة الدولي 2025» في الرياض (واس)
منصة عالمية لالتقاء المترجمين
وأكد الواصل سعي الهيئة من خلال هذه النسخة لأن يكون الملتقى منصة عالمية لالتقاء المترجمين والمهتمين في المجال، تُسهم في تطوير بيئة الترجمة، وتوسيع أثرها في صناعة المحتوى والمعرفة.
ويأتي الملتقى تحت شعار «من السعودية… نترجم المستقبل» ليؤكد مكانة البلاد بصفتها مركزاً ثقافياً مؤثراً في دعم صناعة الترجمة، وتعزيز التواصل المعرفي والحضاري بين الشعوب، بما يتماشى مع مستهدفات «رؤية 2030» في ترسيخ الحضور الثقافي العالمي للمملكة.
يُقدِّم «ملتقى الترجمة الدولي 2025» برنامجاً ثرياً يجمع بين النظرية والتطبيق (واس)
برنامج ثري ومسارات تفاعلية
ويُقدِّم الملتقى برنامجاً ثرياً يجمع بين النظرية والتطبيق عبر سبعة مسارات رئيسية تشمل جلسات حوارية تناقش قضايا الترجمة الحديثة، وتحتفي بالعام الثقافي السعودي الصيني، وورش عمل تدريبية متخصصة في تقنيات الترجمة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
كما يتضمن حلقات نقاش بحثية ينظمها المرصد العربي للترجمة، ومسارات تفاعلية مثل «قابل الخبراء» و«حكايا ترجمية» و«تجربة التقنية التفاعلية»، كذلك تشارك الأندية الطلابية باستعراض مشروعات طلاب الترجمة في الجامعات السعودية.
يستعرض الملتقى مشروعات طلاب الترجمة في الجامعات السعودية (واس)
تأهيل المترجمين لمواجهة الأزمات
استعرض أكاديميون وخبراء من جامعات محلية ودولية، خلال أولى جلسات الملتقى، التجارب الأكاديمية والميدانية في تدريب المترجمين على الاستجابة اللغوية والإنسانية خلال الأزمات والكوارث، مؤكدين أهمية إعداد مترجمين قادرين على أداء أدوارهم الحيوية في المواقف الحرجة التي تتطلب سرعة، ودقة، ومسؤولية أخلاقية عالية.
وأوضح المتحدثون في الجلسة أن مهنة الترجمة تجاوزت حدود القاعات الأكاديمية والمكاتب التقليدية، لتصبح عنصراً أساسياً في الميدان خلال الأزمات الصحية والإنسانية والطبيعية، إذ يؤدي المترجم دوراً محورياً في إنقاذ الأرواح، وتيسير عمليات الإغاثة، وتمكين التواصل الفعّال بين الشعوب والجهات الدولية، مضيفين أن تطوير برامج التأهيل الأكاديمي والميداني يسهم في إعداد مترجمين قادرين على أداء مهامهم بكفاءة عالية في المواقف الطارئة، والتعامل باحترافية مع التحديات اللغوية والثقافية المصاحبة لها.
وتطرقت الجلسة إلى أبرز المهارات المطلوبة لمترجمي الأزمات، ومن بينها الترجمة الفورية السريعة، وإدارة المحتوى الإعلامي في البيئات المتوترة، إضافة إلى التعامل مع المصطلحات المتخصصة في قطاعات الصحة والأمن والإغاثة، مؤكدة أهمية تكامل الأدوار بين الجامعات ومؤسسات التدريب والجهات الحكومية لتطوير برامج متخصصة تواكب طبيعة العمل الإنساني في أوقات الأزمات العالمية.
أكدت إحدى الجلسات أهمية إعداد مترجمين قادرين على أداء أدوارهم الحيوية في المواقف الحرجة (واس)
وشدد المتحدثون على أن المترجم يجب أن يتعلم التعامل مع الاختلافات الثقافية، وأن يُدرَّب على إنتاج الترجمات بأسلوب مهني يجمع بين الدقة والابتكار، مؤكدين أهمية وجود برنامج وطني لتأهيل المترجمين في السعودية بإشراف خبراء عالميين لضمان أعلى مستويات الجودة. وأشاروا إلى أن أحد أبرز التحديات يتمثل في حجم المحتوى المعرفي الهائل الذي يجب أن يطّلع عليه المترجم لضمان جودة عمله، داعين لعقد مؤتمر علمي يجمع الأكاديميين والممارسين لتبادل الخبرات، مع إدراج مناهج تدريبية متخصصة في مهارات إعداد الترجمات المتقدمة.
وأوصت الجلسة بإنشاء برامج مهنية متقدمة تمكّن المترجمين في السعودية من تطوير مهاراتهم ومواكبة تقنيات الترجمة الآلية الحديثة، بحيث لا يكون الهدف الاستغناء عن المترجم البشري، بل تعزيز كفاءته ورفع مستوى المهنة بما يواكب متطلبات السوق المحلية والعالمية.
الترجمة الطبية… لغة الحياة
استعرضت جلسة حوارية أبرز الممارسات المهنية بمجال الترجمة الطبية، ودور المترجمين في دعم جودة الخدمات الصحية، وتعزيز التواصل بين المرضى والكوادر الطبية، حيث ناقش المتحدثون واقع الترجمة الطبية في المؤسسات الصحية، مؤكدين أن المترجم الطبي يمثل عنصراً أساسياً في المنظومة العلاجية، من خلال ضمان دقة التواصل بين الطبيب والمريض، ونقل المعلومات الطبية بما يحافظ على سلامة المريض ويعزز فاعلية التشخيص والعلاج.
استعرض الملتقى دور الترجمة الطبية بوصفها جسر تواصل إنساني في المنشآت الصحية (واس)
وأشاروا إلى أن الترجمة الطبية تتجاوز كونها عملية لغوية إلى كونها جسراً إنسانياً يعزز الثقة والتفاهم بين المريض والفريق الطبي، إذ يؤدي المترجم دوراً محورياً في نقل المشاعر والمعاني الدقيقة، وضمان أن تصل المعلومة بلغة تراعي الفروق الثقافية والإنسانية، بما ينعكس إيجاباً على جودة الرعاية الصحية المقدّمة.
وأكد المشاركون ضرورة تطوير برامج تعليمية متخصصة في الجامعات والمؤسسات التدريبية لتأهيل مترجمين قادرين على مواكبة التطورات بالقطاع الصحي، واستخدام التقنيات الحديثة في الترجمة بما يتماشى مع التحول الرقمي في الخدمات الطبية، لافتين إلى أن العالم يشهد اليوم ثورة معرفية وصناعية متسارعة يقودها الذكاء الاصطناعي، ما يجعل المترجمين في حاجة مستمرة لاكتساب مهارات جديدة، وتطوير أدواتهم المهنية لمواكبة هذا التحول.
وشددوا على أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه أن يحلّ محلّ المترجم البشري، إذ يظل المترجم الإنساني هو القادر على نقل المعنى الدقيق وفهم السياق الثقافي والعاطفي للنصوص، في حين تفتقر الآلة إلى تلك الحساسية الإنسانية التي تضمن جودة التواصل وسلامة المعنى.
أكد الخبراء أن الترجمة تُمثِّل جسراً إنسانياً يعزز الثقة والتفاهم بين المريض والفريق الطبي (واس)
وأوضحوا أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون شريكاً للمترجم لا بديلاً عنه، إذا أُحسن توظيفه لتعزيز الدقة والسرعة في العمل، داعين إلى تصميم برامج تدريبية تُمكّن المترجمين من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بوعيٍ ومسؤولية، وتطوير منهجيات تجمع بين الخبرة الإنسانية والابتكار التقني في الممارسة المهنية.
توسيع جسور التفاهم الثقافي
سلّطت جلسة حوارية الضوء على واقع الترجمة المتخصصة في القطاعين الرياضي والسياحي، ودورها في إبراز الهوية الثقافية وتعزيز التواصل الدولي، إذ أكد المشاركون أن بيئة الحوار العالمي تُسهم في كسر الحواجز بين الثقافات، وتُبرز دور اللغة كجسر للتفاهم والتقارب بين الشعوب، مشيرين إلى أن المترجم لا يقتصر دوره على نقل الكلمات فحسب، وإنما يمتد ليكون وسيطاً حضارياً يبني جسور التواصل بين الأمم، بما يضمن وصول المعنى بروحه الثقافية والإنسانية.
وتناولت الجلسة الدور المتنامي للمترجمين المتخصصين في المجالات الرياضية، وشدد المتحدثون على أهمية المعرفة الداخلية والتأهيل التخصصي في هذا المجال لتقديم ترجمة دقيقة للمصطلحات الرياضية، مشيرين إلى أن المترجم المحترف لا يكتفي بإتقان اللغة، بل يحتاج إلى إدراك الرموز الثقافية والأخلاقيات المهنية، إلى جانب مهارات التعبير والتفاعل مع الجمهور لنقل روح المنافسة والإثارة بدقة واحترافية، كما ناقشت محور الترجمة السياحية وأهميتها في تعزيز الصورة الذهنية للمملكة عالمياً، إذ أوضح المشاركون أن المترجم السياحي يمثل واجهة ثقافية تسهم في إبراز مقومات السياحة السعودية، من خلال إيصال المعلومات للزوار بأسلوب مهني يعكس الضيافة السعودية الأصيلة.
عدَّ الخبراء الترجمة الرياضية والسياحية ركيزة لتعزيز الحضور العالمي للمملكة (واس)
وأشارت الجلسة إلى أهمية تأهيل المترجمين في القطاع السياحي، وتمكينهم من تفسير رموز الثقافة والإعلام المحلي للزوّار من الداخل والخارج، مؤكدين أن المترجم في هذا المجال يؤدي دوراً مهماً في نقل الانطباعات الإيجابية عن السعودية، والإسهام في بناء تجربة سياحية متكاملة.
وبيَّن المتحدثون أن المترجم الناجح هو من يعيش بين ثقافات متعددة ويوازن بوعي بين اختلاف اللهجات والفروقات الأخلاقية والمعيارية، بما يضمن ترجمة دقيقة تراعي الخصوصية الثقافية، وتحترم اختلاف الجمهور المستهدف، لافتين إلى أن الترجمتين الرياضية والسياحية تمثلان ركيزة أساسية في تعزيز حضور السعودية العالمي، وتوسيع جسور التفاهم الثقافي مع مختلف شعوب العالم.
الترجمة الفورية في المؤتمرات
تناولت جلسة حوارية أبعاد التحول التقني الذي يشهده قطاع الترجمة الفورية، وأثره في تطوير تجربة المؤتمرات والفعاليات الدولية عبر أدوات ذكية تعزز الكفاءة والدقة في نقل الخطاب إلى جمهور متعدد اللغات، حيث ناقش المشاركون البنية التشغيلية لأنظمة الترجمة الفورية، ودور الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل بيئة العمل اللغوي في المؤتمرات الحديثة.
جانب من الجلسة الحوارية حول الترجمة الفورية في المؤتمرات (واس)
وأشار المتحدثون إلى أن الترجمة الفورية لم تعد نشاطاً لغوياً تقليدياً، وإنما أصبحت منظومة تشغيلية متكاملة تجمع بين الكفاءة البشرية والتقنيات الرقمية، التي تمتد من البنية الصوتية والبصرية في قاعات المؤتمرات إلى منصات البث الفوري وتطبيقات الاتصال الافتراضي.
وأكد المشاركون أن مستقبل الترجمة الفورية يرتكز على التكامل بين العنصر البشري والتقنيات الذكية في إدارة الصوت والنص والمزامنة اللحظية، مع ضرورة وضع معايير تشغيلية تضمن جودة الترجمة ودقتها في الفعاليات الدولية، حيث إن الكفاءة اللغوية كانت المطلب الوحيد لتظهر اليوم جوانب أخرى كالإلمام بالمهارات التقنية والأنظمة السحابية، كما استعرضوا نماذج لتطبيقات تقنية حديثة تُسهم في تحسين تجربة الحضور، وتسهيل التواصل المتعدد اللغات ضمن المؤتمرات الكبرى.
ويُمثِّل الملتقى منصة عالمية لتبادل الخبرات واستشراف مستقبل الترجمة، وتأكيد التزام الهيئة بتطوير القطاع، وتمكين المترجمين، وتعزيز حضور اللغة العربية في الحراك الثقافي والمعرفي العالمي.
