
50 عاماً على رحيل شوشو مؤسس المسرح الوطني اللبناني ونحن نردد «أخر يا بلدنا»
بيروت ـ «القدس العربي»: محدودة جداً كانت الحياة الفنية لشوشو. حسن علاء الدين ولد في 26 شباط/فبراير من عام 1939 في بلدة جون – جبل لبنان، وتوفي في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1975. بعد تجارب متعددة في التمثيل في الإذاعة والتلفزيون برعاية محمد شامل، ومن ثم محمد كريم، أسس شوشو المسرح الوطني اللبناني في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1965. مسرح يومي لأول مرّة بتاريخ بيروت استمرّ حتى رحيله.
في ذكرى رحيله الـ50 اجتمع محبون كُثُر لشوشو في مسرح المونو، عاشوا معه وتحدثوا عنه لساعة من الزمن. سمعوا أغنية «شحادين يا بلدنا» وقارنوا بين الأمس واليوم.
ذكريات كثيرة رويت من قبل من عايشوا شوشو، من إبن البلد الممثل أحمد الزين، والناقد الصحافي هنري الكيك، والكاتب المسرحي فارس يواكيم الذي كتب لشوشو 12 مسرحية، واحدة فقط لم تُعرض لأن شوشو بكّر الرحيل.
عندما رحل شوشو كانت المدينة في طريقها للإنحدار على مستويات عدة. فارس يواكيم يروي بعضاً من تلك الأيام، ويستعيد شوشو كموهبة لم تتكرر حتى الآن.
الحوار مع الكاتب فارس يواكيم:
○ في خمسينية رحيل شوشو ماذا يتبادر إلى ذهنك سريعاً من دون كثير بحث عن جواب؟
• في تذكرنا لرحيل شوشو شعرت به معنا بكل معنى الكلمة، خاصة بوجود ابنته نوّار وإثنين من أحفاده. في تلك اللحظة كان حياً أمامي. مرّت بخاطري لحظة اللقاء الأول بشوشو، وتوالى شريط ذكرياتي الطويلة معه. شاهدته «يمصمص» شفتيه قائلاً: «قلنا أخ يا بلدنا شو صار تصار بلدنا ألعن؟»
○ شوشو شخصية طغت على كل من حوله ومعه وبعد 50 سنة للإسم هالته الكبيرة. ما هي الأسباب؟
• الأسباب متعددة، أولها الموهبة الكبيرة التي تمتع بها، نعمة إلهية كانت له، ميّزته بقبوله من قبل الناس، وبمحبتهم المطلقة لحضوره. كان ممثلا قديراً ونجماً كوميدياً، طوّر أداءه كثيراً، وبات متمكناً جداً في لعب هذا النوع من المسرح. الناس تحب الكوميديا والضحك، وهذا النوع من المسرح ترافق مع ازدهار في مدينة بيروت، انعكس ازدهاراً على مسرح شوشو. حقق شوشو سابقة لم تتكرر بعده وتمثّلت بالمسرح اليومي في مدينة بيروت. ومنذ رحيله سنة 1975 لم يعد لبيروت مسرح يومي. مسرحياته عُرضت على الخشبة نفسها ولستة أيام في الأسبوع، وكانت تستمر لأشهر متواصلة وتجمع 450 متفرجاً كل ليلة. وسبت وأحد عرضان «ماتينه وسواريه». بعض مسرحيات شوشو استمرّت عروضها لموسم كامل كما «أخ يا بلدنا». واضعف مسرحياته كانت تعرض لثلاثة أشهر.
○ تعاونت مع شوشو في مسرحيات متعددة أي منها عاشت مع الناس واستعادوا محطات منها؟
• في مسرح شوشو وفي غيره من المسارح كانت مسرحية «أخ يا بلدنا» محطة مفصلية في المسرح اللبناني. بكل تواضع «أخ يا بلدنا» محطة في تاريخ المسرح. كتبتها وأخرجها روجيه عسّاف، ونسّقت الملابس بابو لحّود. مسرحية جمعت حشداً من الممثلين من فرقة شوشو منهم سميرة بارودي، أحمد الزين، آمال عفيش، هند طاهر، الياس الياس، ماجد أفيوني، شفيق حسن، آماليا أبي صالح، وزياد مكوك. كتب أغنيات المسرحية ميشال طعمة ولحّنها الياس الرحباني. هذه المسرحية استمرّت لتسعة أشهر بمقاعد ممتلئة كلّ حفل. «أخ يا بلدنا» افتتحت في خريف سنة 1973 وامتدّت إلى صيف 1974. وهذا ما شكّل ولا يزال حتى الآن علامة فارقة في المسرح اللبناني. إنها من المحطات التي يجب أن تُخلّد لشوشو، وكانت ظاهرة في مدينة بيروت ولبنان. كانت لغير شوشو مسرحيات في تلك المرحلة، لكنها لم تلامس النجاح الشعبي لمسرحياته. فرقة شوشو كانت فرقة ثابتة بالممثلات والممثلين ذاتهم، بالكاد كان يتغير أحد ممثليها، وكان له تقليد دائم باستقبال ضيوف شرف في مسرحياته، مثل بديعة مصابني وعصام رجي ونيللي وهالة فاخر وحسن مصطفى ونبيه أبو الحسن.
○ هل كنت موجوعاً من حالنا حين كتبت «أخ يا بلدنا»؟
• في سيرة «أخ يا بلدنا» أنها مستوحاة من مسرحية ألمانية عنوانها «اوبرا القروش الثلاثة» للكاتب الألماني بريشت، وهو بالأصل استوحاها من مسرحية إنكليزية. مسرحية تتناول حرامية وشحّادين في مجتمع استهلاكي لا إنتاج فيه. مجتمع يضم طبقة محتكرين وشحادين وحرامية، وكل منهم أكثر سوءاً من الآخر. ولأن المجتمع غير سليم يلجأ من لا يملك المال للسرقة والتسوّل. إذاً هي مقتبسة من فكرة لبريشت، أعددتها بأسلوب «شوشوي». نصٌ مسّ بقوة حال لبنان في ذلك الحين. فيما الحال الآن أكثر سوءاً مما سبق.
○ ماذا عن إقبال السياسيين على مسرح شوشو؟
• لم يكن أحدهم يفوّت له عرضاً. في ظل رئاسة صبري حمادة لمجلس النواب افتقد المجلس نصابه. فقال رئيس المجلس: اتصلوا بمسرح شوشو واطلبوهم لحضور الجلسة. هذه ليست مزحة بل قصة واقعية. بدون استثناء معظم النواب حضر كافة العروض تقريباً وكذلك الوزراء، لكن حضور الأدباء والشعراء كان مميزاً، منهم نزار قباني، وسعيد عقل وغيرهم من اللبنانيين الذين كان حضورهم دائماً في مسرح شوشو.
○ وماذا عن الفنانين؟
• كافة النجوم العرب الذين كانوا يزورون بيروت كانوا يحرصون على حضور مسرح شوشو، أذكر منهم عادل امام، وسعيد صالح، ودريد لحّام. وأذكر افتتاح مسرحية «اللعب ع الحبلين» في 28 أيلول/سبتمبر 1970، كان من بين الحضور رشدي أباظة وتحية كريوكا. يومها انتبهنا في الفصل الثاني أنّ ثمة وشوشات بين الجمهور وبعضهم بدأ بمغادرة المسرح. في تلك اللحظة لم يكن شوشو على الخشبة وتوجّست عليه، أسرعت إلى حيث هو لإستطلاع الأمر، وفي طريقي لحظت وجود الكاتب وجيه رضوان فسألته ما الخطب؟ فردّ: اصمت.. عبد الناصر مات وبيروت «مولعة»، والناس تسرع للوصول إلى بيوتها. أكملت طريقي نحو الكواليس فتفاجأت بتحية كاريوكا ملقية على الأرض تبكي، وكذلك فعل رشدي أباظة بقربها.
○ هل عرض شوشو في الدول العربية؟
• عرض في الأردن مسرحيتين من أعماله وجرى تصويرهما للتلفزيون، وكان ذلك قبل وفاته بأسبوع. لكن لم تخلُ مسرحية من حضور عربي وخاصة النجوم المصريين والمخرجين أمثال حسن الإمام، عاطف سالم، فطين عبد الوهاب وصلاح أبو سيف. رشدي أباظة وفريد شوقي حضرا الكثير من مسرحيات شوشو لأنهما عاشا لسنوات في بيروت، شمس البارودي وناديا الجندي مثّلتا مع شوشو في السينما، ومثلت في مسرحه نيللي، وحسن مصطفى، وهالة فاخر.
○ وماذا عن علاقة شوشو بالسياسيين؟
• على صعيده الشخصي لم يكن ملتزماً برأي أي من السياسيين، لكن جميعهم كان يقصد الكواليس للتحية، وحينها تقتصر العلاقة على البروتوكول والاحترام.
○ صنّفت شوشو بأبي المسرح اليومي. هل رحل ذاك المسرح معه؟ ألم يُنجز جورج خبّاز مسرحاً يومياً؟
• بل كان جورج خبّاز الأقرب للمسرح اليومي. والسبب أنه كان يعرض في المكان نفسه ولأشهر طويلة. برأيي جورج خبّاز ظاهرة حديثة.
○ ما هي شروط المسرح اليومي ليحقق نجاحاً كما مسرح شوشو؟
• المسرح اليومي يحتاج للنجم المسرحي، ويحتاج لبلد يمتاز بحالة جيدة اقتصادياً، فجمهور المسرح هو من الطبقة الوسطى، فيما يتجه ذوق الأغنياء إلى الكاباريه والراقصة والكأس. ويحب الفقراء المسرح جداً، لكنهم يعجزون عن تأمين بدل التذكرة. إذاً تبقى الطبقة الوسطى هي عماد المسرح وجمهوره. تصعب حال المسرح في ظل طبقة وسطى منهكة اقتصادياً. جيد أن جورج خبّاز كان يعرض لستة أشهر مع انعدام وجود الطبقة الوسطى. هو رقم قياسي في بلد كبلدنا.
○ كم مسرحية كتبت لشوشو؟
• 26 هي مجمل مسرحيات شوشو. 12 منها كتبها نزار ميقاتي، وكتب ريمون جبارة ووجيه رضوان ومحمد شامل مسرحية لكل منهم. كتبت بدوري 11 مسرحية عُرضت، فيما لم تُعرض المسرحية رقم 12. مسرحية «زوجة الفرّان» كانت جاهزة للعرض بعد إنجاز التمارين والديكور والملابس، وإذ بالمسرح يحترق، وإذ بالموت يفاجئ شوشو، ومعه ماتت المدينة.
○ في المسرحيات التي كتبتها هل كنت تتدخل باختيار الممثلين؟
• فرقة شوشو ثابتة، وفيها يتستقبل ضيف شرف أو إثنين. فمن صفات المسرح اليومي أن تكون الفرقة المسرحية ثابتة.
○ يعني أنك كنت تكتب أدواراً لممثلين تعرفهم أو على مقاسهم؟
• نعم.
○ بحسب ما سردته سابقاً من أسماء كانت الخشبة غنية بالممثلين؟
• طبعاً. حينها كانت الظروف الإنتاجية تسمح بذلك، بعكس الآن. لهذا نلاحظ العروض المسرحية مقتصرة على ممثل أو إثنين، ونادراً ثلاثة أو أربعة. السعي دائم لتخفيض تكاليف الإنتاج تبعاً للظروف.
○ في وضع بلدنا كم نحتاج لشوشو جديد؟
• الحاجة أكيدة إنما الإمكانية على درجة عالية من الصعوبة. نحتاج أولاً لنجم لديه القبول، ونحتاج لواقع يساعد على حضور يومي للجمهور ودفع بدل بطاقة المسرح.
○ فارس يواكيم الذي عايش المرحلة الثقافية والوطنية المزدهرة ألست مصاباً بالإنكماش إن لم نقل الإحباط؟ وكم أنت متأثر نفسياً؟
• نعم تأثرت، لهذا لجأت لتأليف الكتب ونشرها. فتأليف الكتاب يحتاجني وحدي فقط، بعكس متطلبات المسرح.
○ مقارنة المسرح السائد حالياً مع مسرح شوشو يقول بأننا مع عروض فقيرة أليس كذلك؟
• ليست فقيرة، بل هو البحث عن مخارج إنتاجية. طُلب مني إعادة إنتاج «أخ يا بلدنا». مسرحية كُتبت لـ14 ممثلا إلى جانب الديكورات، من سيتبنى هذه التكاليف؟ ومن يؤكد أن جمهوراً وفيراً سوف يحضرها؟ ومن يضمن أن البلد لن يتعرّض لحدث ما يقفل المسرح، فتلازم الناس منازلها؟ مع ممثلين فقط المخاطرة ممكنة. حتى جورج خبّاز مع شعبيته الكبيرة اقتصر عرضه الأخير «خيال صحرا» عليه مع عادل كرم. المسرح المزدهر تنتجه مدينة مزدهرة.
○ تميزت لحظات تذكّر شوشو في مسرح المونو بالكثير من الحميمة إنما شهادة ناجي شامل فيها وجع شعرت شخصياً وكأن شوشو مات «فقع»؟
• عانى شوشو من أمراض قلبية كما أن ظروف الحياة كانت قاسية عليه ولم تُسعفه للاحتمال.
○ حكى ناجي شامل عن المرابين ونعرف أن المسرح كان مزدهراً فلماذا الديون على عاتق شوشو؟
• عندما حوّل شوشو سينما شهرزاد إلى مسرح وطني لم يكن يملك ليرة، كان يحتاج للمال والمصارف لا تدين شخصاً مفلساً. لجأ للمرابين الذين سلخوه بفائدة 5 في المئة في الشهر، أي 60 في المئة في السنة. ربحه من المسرح كان يغطي الفائدة، ويبقى الدين ديناً.
○ في الحياة اليومية شوشو حزين أم فرح؟
• ليس بحزين بل كان منزعجاً جداً من الظروف العامة. هو مرح جداً بعلاقاته مع الناس.
○ وماذا عن جلساتكما؟
• كنت دائماً معه من الثالثة بعد الظهر حتى آخر الليل.
○ هل شاهدت كافة العروض؟
• طبعاً. في البدء شاهدت مسرح شوشو كصحافي وكتبت عن مسرحياته. ومن العمل الصحافي بدأت معرفتي به. حضرت كافة المسرحيات التي كتبها نزار ميقاتي. وقبل مباشرة تعاوني في النصوص مع شوشو كنا معاً نسهر يومياً في الروشة. حضوري لمسرح شوشو كان شبه يومي.
