
خاص – Defense Arabia
تسعى مصر منذ سنوات إلى تحديث قوتها الجوية لمواكبة التوازنات الإقليمية المتسارعة في الشرق الأوسط، ولا سيما مع توسّع برامج التسلح في إسرائيل وتركيا وإيران. وبينما تدور النقاشات حول الخيار الأمثل لمقاتلة الجيل الجديد في سلاح الجو المصري، تتصدر ثلاث طائرات الواجهة: الأميركية F-15EX “إيغل 2”، الصينية J-10C، والروسية Su-35.
ويشير تقرير تحليلي صادر عن موقع Army Recognition إلى أنّ اختيار مصر المقبل لن يكون تقنيًا فحسب، بل استراتيجيًا بامتياز، لما يحمله من انعكاسات على التموضع السياسي والعسكري للقاهرة في العقد المقبل.

تعزّز الولايات المتحدة هيمنتها عبر F-15EX
تُجسّد المقاتلة الأميركية F-15EX ذروة التطوير في عائلة “إيغل”، إذ تجمع بين الحمولة الهائلة، وأنظمة الاستشعار المتقدمة، والبنية المفتوحة التي تسمح بتحديثها باستمرار.
تحمل الطائرة أكثر من 13 طنًا من الذخائر، وتعمل برادار من طراز AESA AN/APG-82(V)1 قادر على تتبّع عشرات الأهداف في آن واحد. كما يوفّر نظام EPAWSS للحرب الإلكترونية مستوى حماية متقدم ضد الرادارات والصواريخ الموجّهة.
تعزّز هذه المميزات قدرة مصر على تنفيذ عمليات بعيدة المدى، سواء لضرب أهداف استراتيجية أو لحماية المجال الجوي في عمق البحر الأحمر والبحر المتوسط. ومع ذلك، يظل العائق الأكبر أمام القاهرة هو الكلفة المرتفعة، ليس فقط في الشراء بل في التشغيل والصيانة والتدريب، إضافةً إلى القيود السياسية التي تفرضها واشنطن على صادرات السلاح المتطور.

تراهن الصين على J-10C: القوة بسعر أقل
تقدّم بكين بدورها مقاتلتها J-10C كخيار متوازن يجمع بين التكنولوجيا الحديثة والتكلفة المقبولة.
تعمل الطائرة برادار AESA مماثل لتلك المستخدمة في المقاتلات الغربية، وتدعم منظومة قيادة رقمية Fly-by-wire وشاشة عرض على الخوذة تتيح للطيّار التفاعل المباشر مع الأسلحة.
ووفقًا لموقع Military Update، تُعدّ النسخة التصديرية J-10CE قادرة على حمل صواريخ جو-جو من طراز PL-15 بمدى يفوق 200 كيلومتر، ما يجعلها منافسًا جادًا في معارك ما وراء مدى الرؤية (BVR).
غير أنّ اعتمادها على سلسلة توريد صينية قد يطرح تحديات لوجستية لمصر التي تشغّل أسطولًا متنوعًا من الطائرات الأميركية والفرنسية والروسية. كما أنّ التكامل بين الأنظمة الغربية والصينية لا يزال محدودًا، ما قد يعقّد عمليات الصيانة والتدريب. ومع ذلك، تبقى J-10C خيارًا مغريًا من حيث الكلفة والمرونة السياسية في حال رغبت القاهرة في تنويع مصادر تسليحها بعيدًا عن واشنطن وموسكو.
مقاتلة Su-35
تسعى موسكو لإنعاش صادراتها عبر Su-35
تُعدّ Su-35 “فلانكر-إي” إحدى أبرز مقاتلات الجيل الرابع++ الروسية، وتتميّز بمحركاتها الموجهة الدفع التي تمنحها قدرة عالية على المناورة في الاشتباكات القريبة.
تستطيع المقاتلة حمل تشكيلة واسعة من الأسلحة يصل وزنها إلى ثمانية أطنان، وتؤدي مهام متعددة من التفوق الجوي إلى الهجوم الأرضي البعيد.
لكن وفقًا لتحليل نشره موقع War Wings Daily، تُظهر تجربة هذه الطائرة في الحرب الأوكرانية أن تفوّقها الحركي لا يكفي في غياب أنظمة استشعار وشبكات بيانات متطورة تضاهي تلك الغربية.
تواجه القاهرة كذلك مخاطر العقوبات الغربية على مشتريات الأسلحة الروسية، إلى جانب احتمال تأثّر عمليات الصيانة والإمداد بسبب الحرب والعزلة الاقتصادية التي تعانيها موسكو.
ورغم أن روسيا قد تعرض شروطًا مالية مرنة، إلا أن الاعتماد على معدات روسية في ظل انقطاع سلاسل التوريد يجعل هذا الخيار أقل جاذبية على المدى الطويل.
أي مقاتلة تخدم القوات الجوية المصرية بشكل أكبر؟
تمتلك مصر اليوم مزيجًا متنوعًا من المقاتلات: F-16 الأميركية، رافال الفرنسية، وMiG-29 الروسية، ما يمنحها خبرة تشغيلية متعددة لكنها في الوقت نفسه يزيد من عبء الصيانة وتكاليف التشغيل.
اختيار المقاتلة المقبلة يجب أن يعزّز التفوق النوعي دون الإخلال بالتوازن اللوجستي والسياسي.
من الناحية التقنية، تتفوّق F-15EX في المدى، والحمولة، وقدرات الشبكات المتقدمة، ما يجعلها الأنسب للردع الإقليمي وتنفيذ ضربات استراتيجية بعيدة.
من ناحية الكلفة والتعددية، تبرز J-10C كخيار عملي يوفر تكنولوجيا حديثة بسعر معقول، خصوصًا إذا تزايدت القيود الأميركية.
أما Su-35، فتبقى مقاتلة الأكثر قدرة على المناورة جويًا، لكنها تواجه تحديات سياسية وتقنية تقلل من جدواها المستقبلية لمصر.
قوة الردع أولًا
تفرض البيئة الأمنية في الشرق الأوسط على مصر امتلاك مقاتلة قادرة على تحقيق التفوق في الجو والدفاع في العمق، مع ضمان استمرارية الدعم الفني والتسليحي.
وبناءً على المقارنة بين الأداء، والجاهزية، والعلاقات السياسية، تبدو المقاتلة الأمريكية الخيار الأكثر انسجامًا مع العقيدة الجوية المصرية التي تقوم على الردع الإقليمي، والسيطرة الجوية، والاعتماد على حلفاء غربيين موثوقين.
لكن القاهرة مطالَبة أيضًا بموازنة الكلفة السياسية والمالية، وعدم إغفال فرص التنويع مع الصين لتفادي الاحتكار الأميركي الكامل.
تفوق تقني أم استقلالية استراتيجية
يختزل القرار المصري بين هذه الطائرات الثلاث سؤالًا أكبر:
هل تبحث القاهرة عن تفوق تقني مهما بلغت الكلفة، أم عن استقلالية استراتيجية تتيح لها حرية القرار في التسليح؟
الإجابة عن هذا السؤال ستحدد ملامح القوة الجوية المصرية في العقود القادمة، وتكشف أيّ طريق ستسلكه مصر بين واشنطن وبكين وموسكو.
