Article Information
تحتفل مصر بمرور مئة عام على فن القصص المصورة (الكوميكس)، أحد أكثر الفنون شعبية، حيث تمتلك مصر ذاكرة طويلة من القصص المصورة منذ بدايات القرن الماضي، ذاكرة تطورت عدة مرات حتى وصلت إلى الشكل الحالي للقصص المصورة.
وخصصت النسخة العاشرة من مهرجان “كايروكوميكس” – وهو تجمع سنوي لرسامي القصص المصورة من حول العالم – المعرض الرئيسي للمهرجان، لعرض تطور تاريخ القصص المصورة في مصر.
التعليق على الصورة، شهدت النسخة العاشرة من مهرجان كايروكوميكس إقبالا كبيرا من الزائرين.
فن يعود لآلاف السنين
يؤرخ لمجلة الأولاد الصادرة عام 1923 كأول كوميكس مصري بشكلها الحالي، صورة مرسوم وتحتها سطور قليلة تحكي القصة، وقبل الأولاد، كانت مجلة “اللطائف المصورة” الصادرة عام 1917 ملحقا للأطفال، اعتبرها البعض هي “أم الأولاد”.
لكن البعض يرجع تاريخ القصص المصورة في مصر إلى آلاف السنين، منذ كان المصريون القدماء يرسمون على الجدران والبرديات، ويدونون تفاصيل حياتهم وأخبارهم.
في حديث مع بي بي سي، يقول رسام الكوميكس المصري محمد وهبه “بالنسبة للمصريين، يعود فن الكوميكس إلى آلاف السنين، بداية من حياة الفراعنة، لكن الفن اتخذ أشكالا عديدة مع الزمن حتى وصل إلى الشكل الموجود حاليا، من وقت الفراعنة حتى الرومان والأقباط والعرب، فالعرب رسموا المنمنمات وهو فن يعتبر من الفنون التأسيسية للكوميكس”.
التعليق على الصورة، نسخة من عرض مجلة الأولاد خلال مهرجان كايروكوميكس.
الفن التاسع “المحبوب”
يطلق على الكوميكس اسم الفن التاسع، لأنها تجمع بين الفنون، العمارة والنحت والرسم والموسيقى والأدب، والمسرح، والسينما، والتلفزيون.
ويعتبر الكوميكس من أكثر الفنون المحبوبة في مصر، فهو يعتبر كأنه “فيلم مرسوم” بتعبير وهبه، حيث يجعل الشخص يعيش تطور القصة ويعيش مع أشخاصها الأحداث التي يمرون بها من البداية وحتى النهاية، وهو “فن في متناول الناس، يعبر عنهم وعن مدنهم”.
ويضيف وهبة “الدليل على حب الناس لهذا الفن هو استمرار مهرجان الكوميكس والإقبال الكبير من الناس عليه”.
طفرة في القرن الماضي
منذ انتشار مجلة الأولاد، شهدت الكوميكس في مصر تطورا كبيرا في بدايات القرن الماضي. وتوالت المجلات الاستثنائية، حيث صدرت مجلة “سندباد” عام 1952 وأسسها الأديب محمد سعيد العريان، وكان يرسمها الفنان حسين بيكار.
لاقت هذه المجلة انتشارا كبيرا في الدول العربية، وكانت شخصيتها الأساسية “سندباد” مستوحاة من قصص ألف ليلة وليلة، حيث شملت سلسلة من المغامرات خلال رحلة بحث سندباد عن أبيه التاجر المفقود.
التعليق على الصورة، استوحت شخصيات مجلة سندباد من قصص ألف ليلة وليلة.
المجلة التالية التي شكلت طفرة في الكوميكس المصرية، كانت مجلة سمير التي صدر أول عدد منها في عام 1956، وخلالها قُدمت الكثير من أعمال الكوميكس العالمية إلى القارئ العربي، أشهرها حكايات “تان تان”، وشخصيات والت ديزني مثل ميكي ماوس، ثم استقلت شخصيات ديزني في مجلة ميكي الشهيرة عام 1958.
استمرت الكوميكس في الانتشار في مصر، ولم تعد مقتصرة على مجلات الأطفال فقط، بل توسعت لمناقشة قضايا سياسية واجتماعية، واشتهر بعض الفنانين مثل محيي الدين اللباد (1940- 2010) الذي اشتهر بتوثيق التراث الشعبي عبر الرسم،
وفي عام 2008، كانت الكوميكس المصرية على موعد مع طفرة جديدة بصدور رواية “مترو” للفنان مجدي الشافعي، والتي ناقشت قضايا الفقر والفساد في مصر، لكن الرقابة في مصر صادرتها، ،ومُنعت من الأسواق بدعوى أنها “خادشة للحياء”.
وفي عام 2011 صدرت مجلة توك توك، وهي مجلة مستقلة يحررها خمسة رسامين، لاقت شهرة واسعة بعد أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير، حيث ناقشت في إطار فني ساخر ومميز القضايا السياسية، وتعاطي الناس مع التغيرات التي كانت تشهدها مصر في هذا الوقت.

تحديات لا تنتهي
يواجه فن القصص المصورة تحديات عديدة في الوقت الحاضر، لا تقتصر على مصر بحسب مدير مهرجان كايرو كوميكس شناوي، الذي قال في حديث مع بي بي سي إن العمل بالقصص المصورة هو “عمل شاق، ويستغرق الكثير من الوقت، دون مقابل مادي مناسب في الكثير من الأحيان”.
ويضيف شناوي “أحيانا ينعزل الرسام لنحو عام أو عامين للعمل على كتاب كبير، أو حين ينشر في مجلة يظل أسبوعين يعمل على قصة تُقرأ في خمس دقائق، أيضا توزيع الكتب في الوقت الحالي، عادة ما تكون كتب ثقيلة ولها جمهور خاص”.
من الورق إلى الذكاء الاصطناعي
تطور فن القصص المصورة واتخذ أشكالا عديدة على مر السنين، كما تطورت الأدوات المستخدمة في الرسم، من الرسم على الورق إلى الأجهزة الرقمية واستخدام الذكاء الاصطناعي.
يقول الرسام سامح عرفة لبي بي سي، “حاليا نرسم كل شيء تقريبا بالأجهزة الرقمية، لأنه أسرع وأرخص، بدون تكلفة تقريبا، لأن الرسام يشتري الجهاز اللوحي مرة واحدة، ويرسم عدد المرات التي يريدها، دون الحاجة إلى شراء أوراق وأقلام وأدوات للرسم في كل مرة”.
ويضيف عرفة “أيضا دخول الذكاء الاصطناعي ساهم كثيرا في تطوير رسم الكوميكس، لأنه يقلل من المجهود اليدوي والذهني، أفكر مع الذكاء الاصطناعي وأرسم معه كأني اعمل مع اثنين من الرسامين المساعدين”.
أما مدير مهرجان كايروكوميكس، فيقول “سواء الورق أو الرسم الرقمي أو الذكاء الاصطناعي، كلها أدوات، ما يهم فعلا هو الفكرة التي يعمل عليها الرسام، وما يريد إيصاله من الرسم، وهذه أمور لا يستطيع الذكاء الاصطناعي فعلها إلى الآن”.
