الكاتب والباحث والناقد شارلي سميا
ضربت مدينة دبي موعداً مع التاريخ نهار السبت الفائت حين استقبلت قوافل “رحبانيات” قادمةً من لبنان، في ليلة فنية متنوعة ومميزة، صاخبة الأجواء ومولّعة للجماهير المنتظرة على أحرّ من الجمر وبفارغ الصبر قدوم “رحبانيات” إليها بعد صولاتها وجولاتها في العالم، وآخرها تمثيل لبنان في الولايات المتحدة أفضل تمثيل وأكثر تأثير.
هذه القوافل ضمّت غسان الرحباني حامل شعلة “رحبانيات”، المدير والقائد الأمين والمؤتمن على إرث أبيه الياس، جيلبير جلخ، رانيا غصن الحاج، والأوركسترا.
بعد التدريبات المُكثفة في بيروت خلال ساعات الليل الطويلة، صاغ غسان برنامجاً متنوعاً ومتجدداً لمدينة دبي. اللافت فيه كان تحية لزياد الرحباني وخاصةً مقدّمة موسيقى مسرحية “ميسم الريم” الأولى، حيث حافظ غسان على أصالتها واضعاً بصماته الخاصة عبر مقدمة صغيرة كان قد أعدّها واستوحاها من مجمل أعمال زياد الرحباني الفنية والمتنوعة بحبكة عكست عبقريته الفنية.
قدمت قوافل “رحبانيات” أثمن المجوهرات الفنية في الحفل وهي أعمال الياس الرحباني. هذه التحف الفنية التي أبدعها الياس ويحملها اللبناني في فكره وقلبه وروحه أينما كان وأينما وُجد. والعرب أيضاً فيهم من بصمات أعمال الياس الرحباني بشكل كبير، فهم كما اللبنانيين يحفظونها عن ظهر قلب ويتفاعلون معها.
هذه الأغاني والمقطوعات الموسيقية هي الأثمن على قلوب الحضور. كل يوم تبث عبر الإذاعات، التلفزيونات، المطارات، الطائرات. هي كالماء والخبز والهواء حيث لا يستطيع أحد العيش من دونهم. فما أن ينتهي كل حفل حتى يعود السامع والمشجع لسماع أعمال الياس دون ملل أو تأفف بشكل دوري ويومي.
دائماً أسأل نفسي: ما السر الدفين في إستحواذ الياس الرحباني على أكبر عدد من الأعمال الناجحة والمحبوبة؟. الحقيقة أن الياس لم يُنجز أعمال بل واحات لا حدود لها. يمشي كل يوم السامع محطة، ويستكملها بمحطة أخرى في اليوم التالي.لكل جزء من هذه الواحة مناظره وألوانه الخاصة. يرى السامع، يتأمل، ويشاهد مناظر مختلفة، فيتابع المشوار فيها باحثاً وسعيداً. موسيقى الياس الرحباني تجعل السامع يسافر إلى بلد ليرى المناظر الجميلة والجديدة دون حاجته إلى السفر الفعلي.
الياس كان وجودياً بالمعنى الفكري والفلسفي. مواضيعه تناولت الإنسان بكل أبعاده الفكرية والجسدية والروحية، وبجوانبه الإجتماعية والسياسية والإقتصادية. لهذا تمتلك ثقلاً كبيراً وتأثيراً هائلاً على الجمهور. فهي لكل عصر، كل زمان ومكان، تلمس وتُشعر الإنسان بإنسانيته. تُبكيه، تفرحه، تعالجه وتنميّه. فهي مرآته التي تعكس واقع حياته.
أدّى الحفل جيلبير جلخ ورانيا غصن الحاج وهما يتحليان بالأمانة في الأداء لإيصال المحتوى الأصلي والفعلي للأعمال، والقول أنهما يشبهان هذه الأعمال هو حقيقة، لأنهما نقلا بالإحساس اليقين والفن السليم، لإنجاز الحفل على أكمل وجه.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا
