ففي عامٍ تمتزج فيه المودّة بالهوية، ويتكامل فيه العطاء مع المسؤولية، تؤكد دولة الإمارات العربية المتحدة أن القلب هو نقطة البداية، وأنَّ الأسرة هي الوطن في صورته الأولى، والأساس الذي تُبنى عليه الحياة وتُصان به القَيَم.
وحين أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أن عام 2026 سيكون عام الأسرة، لم يكن يُعلن عن مبادرة جديدة فحسب، بل كان يفتح باباً دافئاً نحو الأصل، نحو المسار الصحيح الذي يسبق كل نهضة، وقد أكّد صاحب السمو رئيس الدولة – حفظه الله –أنَّ «نموّ الأسرة الإماراتية يرتبط بوجودنا وهويتنا ومستقبل وطننا»، وهي عبارة تختصر فلسفةَ دولةٍ ترى أن استقرار الأسرة هو الحصن الأول للهوية الوطنية، وأنَّ ترابط البيت يعني صلابة الوطن، فالأسرة هي أول مدرسةٍ يتعلّمُ فيها الأبناء معنى الرحمة والعطاء، وأول وطنٍ يسكنه الإنسان قبل أن يعرف حدود الخارطة.
ولنا في السيرة النبوية العَطِرة أروع مثال لبناء الأسرة، ففي الحديث الذي رواه الترمذي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي»، فتعامله عليه الصلاة والسلام مع أهله يؤكد لنا أنَّ الخير يبدأ من داخل البيت، ثم يمتدّ إلى المجتمع، فصلاح الأسرة هو الأساس في بناء الأوطان.
إنَّ “عام الأسرة 2026” فرصةٌ وطنيةٌ لإعادة التوازن بين العمل والحياة، وفتح الأبواب للحوار والحنان، ومنح الأبناء وقتاً للتنمية في مختلف مجالاتها، كما أنه فرصة لنزرع المحبة في بيوتنا كما نزرع الأشجار في أرض الوطن.
ويتحقق ذلك من خلال تعزيز برامج التثقيف الأسري قبل الزواج لبناء وعيٍ مشترك بين الأزواج، وتطبيق سياسات عملٍ مرنة تراعي الأسرة وتمنح الوالدين وقتاً كافياً لأبنائهم دون الإخلال بميزان العطاء المهني، إلى جانب توسيع خدمات الدعم والإرشاد الأسري المجاني لتكون في متناول الجميع.
كما يُعَدُّ ترسيخُ مفهوم «البيت المُربّي» عبر المناهج التعليمية الرسمية، والإعلامِ الوطنيِّ ركيزةً أساسيةً في غرسِ حبِّ الوطن وقِيَمِهِ الأصيلةِ في نفوسِ أفرادِ الأسرةِ الإماراتية.
لقد جعل الإسلامُ الأسرةَ لَبِنةَ الحياة ومصدرَ السكينة، وجعل حُسن المعاملة فيها معياراً للفضل والإيمان، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: 21)، ومن هذا الأفق الإيماني العميق، تنبثق مبادرة «عام الأسرة» لتُؤكد أن الرحمة ليست ضعفاً، بل قوّةً تصنع الإنسان وتُبقي الوطن نابضاً بالمحبة والتكافل، فحين تزدهر الأسرة يزدهر الوطن، وعندما تتعانق القلوب داخل البيوت؛ تتوحّد الإمارات في أسمى معانيها: الرحمة، والانتماء، والإنسانية، والعطاء.
