مراسلو الجزيرة نت

Published On 16/11/202516/11/2025

|

آخر تحديث: 20:43 (توقيت مكة)آخر تحديث: 20:43 (توقيت مكة)

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

طهران- بعد مرور نحو شهر على تداول وسائل إعلام عربية وأجنبية خبرا بشأن استهداف ناقلة نفط إيرانية من قبل غواصة أميركية في خليج عدن، أعلن الحرس الثوري الإيراني، أمس السبت، احتجاز ناقلة النفط “تالارا” التي ترفع علم جزر مارشال قرب مضيق هرمز الإستراتيجي، ما أثار تساؤلات عن دوافع وخلفيات الحادث.

وفي سياق التوتر المتصاعد في منطقة الشرق الأوسط بين إيران وحلفائها فيما يسمى “محور المقاومة” من جهة والجانب الإسرائيلي ومن ورائه الولايات المتحدة من جهة أخرى، سبق أن فندت إيران أن الحادث في مياه خليج عدن لا يمت بصلة إلى أسطولها البحري، بيد أن اقتياد الناقلة “تالارا” إلى الشواطئ الإيرانية رسم علامة استفهام عن الصلة بين الحادثين.

وفي مسعى لتسليط الضوء على الإطار القانوني ومبرراته لتنفيذ العملية، أعلن الحرس الثوري في بيان رسمي على منصة “إكس” أن عملية توقيف الناقلة جاءت “بناء على أمر من السلطات القضائية في إطار حماية مصالح الشعب الإيراني وموارده”، لكن مراقبين بطهران قرؤوا في تغريدته أن الخلفيات الكامنة تتجاوز السبب الرسمي المعلن.

سياسة قديمة

وتزامنا مع الإعلان عن تحويل مسار الناقلة “تالارا” إلى المياه الإقليمية الإيرانية، نشرت صفحة منسوبة للحرس الثوري على منصة إكس، جزءا من الآية القرآنية في سورة البقرة “فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ”، وهذا دفع شريحة من المراقبين إلى الربط بين الحادثين في خليج عدن والمياه الخليجية، وأن الحادث الأخير يأتي في سياق سياسة متبعة سابقا من قبل طهران.

وسبق أن لجأت طهران إلى توقيف سفن تجارية أجنبية كرد فعل على توقيف سفنها بذريعة العقوبات الدولية، مع التأكيد في كل مرة أن هذه التوقيفات تأتي بسبب ارتكاب السفن مخالفات وأنشطة غير قانونية.

من ناحيته، كتب الباحث المختص في النزاعات الإقليمية مصطفى نجفي، في قناته على منصة “تليغرام” أن ‌احتجاز ناقلة النفط “تالارا” من قبل إيران قد يكون ردا محدودا وتحذيريا على الهجوم على السابق على ناقلة “إم في فالكون” قرب سواحل اليمن في الشهر الماضي.

الحرس الثوري يقول إن بارجة أبو مهدي المهندس قادرة على التخفي عن الرادارات 1 (الصحافة الإيرانية)الحرس الثوري أكد أن عملية توقيف الناقلة جاءت “في إطار حماية مصالح الشعب الإيراني” (الصحافة الإيرانية)تطورات دولية

في المقابل، تؤكد الباحثة السياسية برستو بهرامي راد أن توقيف الناقلة تالارا لم يكن مجرد عملية روتينية، بل يحمل في طياته رسائل متعددة الأبعاد، لا بد من تناولها في سياق مستجدات الملف الإيراني لدى الأوساط الأممية.

وفي حديثها للجزيرة نت، تشير الباحثة إلى تفعيل الترويكا الأوروبية آلية الزناد في الاتفاق النووي لعام 2015، والذي ينص على عودة جميع العقوبات الأممية دفعة واحدة على طهران، إذ إنها كانت تتوقع اتخاذ بلادها خطوات تحذيرية وردعية إثر عزم الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية طرح مشروع قرار ضد طهران خلال اجتماع هذا الأسبوع لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وتوقعت بهرامي راد تكرار خطوات مشابهة من قبل طهران خلال الفترة المقبلة كلما شددت الأطراف الغربية ضغوطها على الجمهورية الإسلامية، مؤكدة أن رد الفعل الإيراني سيكون متناسبا مع شدة الخطوات الإيذائية التي قد تقدم عليها الأطراف الغربية ضد إيران.

وعليه يثير توقيف ناقلة النفط تالارا هواجس شريحة من الإيرانيين من دخول التوتر بين طهران والقوى الغربية مرحلة جديدة في إطار الصراع المستعر بينهما، في وقت تواصل فيه واشنطن حملة الضغط الأقصى، ساعية إلى تجفيف أهم مصادر الدخل الإيرانية عبر تقييد مبيعات النفط.

سوق الطاقة

وعلى الرغم من أن تقارير الشركات المعنية بتتبع شحنات النفط تشير إلى زيادة في مبيعات النفط الإيرانية تزامنا مع تفعيل آلية الزناد، يعتقد طيف من المراقبين الإيرانيين بأن ضغوط العقوبات الأممية لم تأخذ مفعولها بعد، وأن طهران قد بدأت تواجه صعوبات في صادراتها النفطية، ما دفعها لاستخدام الأدوات البحرية لضمان مصالحها الاقتصادية.

في غضون ذلك، يعتقد الباحث عبد الله باباخاني أن توقيف الناقلة تالارا يتجاوز كونه مجرد حادث أمني معزول، ليكشف عن توتر أعمق يهز سوق الطاقة إثر تراجع الحصة السوقية للنفط الإيراني في الصين، والغزو الروسي لنفس السوق بالنفط المخفض السعر.

وفي تحليل نشره على حسابه بمنصة “إكس” كتب الباحث أنه في مواجهة الضغوط التجارية، تلجأ طهران تقليديا إلى الاستعراض البحري كأداة للضغط والردع، وأن توقيف “تالارا” يأتي في إطار هذه الإستراتيجية، إذ تحمل هذه الخطوة رسالة مفادها أن “أي تراجع في صادرات إيران النفطية سينعكس حتما على ارتفاع تكلفة أمن الطاقة”.

وتابع باباخاني، أن العقوبات الغربية على روسيا أعادت رسم خريطة تدفقات النفط إلى الصين، إذ ضخت موسكو ملايين البراميل بأسعار مخفضة، مستحوذة على جزء كبير من السوق الذي كانت تحتله إيران سابقا، مضيفا أن هذه المنافسة المباشرة تدفع طهران لتعويض خسائرها الاقتصادية عبر رفع سقف التوتر الجيوسياسي في بحر عُمان.

ويمكن قراءة الحادثة كرسالة غير مباشرة للتذكير بأن أمن الإمدادات النفطية سيبقى رهنا بالممرات البحرية التي تسيطر عليها إيران -وفقا للباحث الإيراني- وفي ذلك إشارة واضحة بأن طهران، حتى لو اضطرت للتراجع في السوق التجاري، فإنها لن تتراجع عن حماية مصالحها في الممرات المائية الحيوية.

ويرى الباحث أن الحادثة ليست عشوائية، بل هي حلقة في صراع طاقة أكبر وتعكس تحول إيران نحو استخدام أكثر فعالية لأوراق القوة البحرية لمواجهة تداعيات التنافس على الطاقة، وإرسال تحذيرات متعددة المستويات إلى جميع الأطراف الفاعلة في المعادلة الإقليمية والدولية.