يعتبر أحمد قعبور صوتاً بارزاً في الذاكرة الموسيقية (فيسبوك)

في أمسية استثنائية حملت الكثير من المحبة والامتنان، نظّم نادي الموسيقى تجمعنا، الخميس، بادرةً لتكريم المغني والموسيقي اللبناني أحمد قعبور، الصوت الذي شكّل جزءاً من ذاكرة لبنان والوجدان العربي. تأسّس هذا النادي في الجنوب بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان العام الماضي، ليكون مساحة للمقاومة الثقافية وحفظ التراث الموسيقي، ولتأكيد أنّ الموسيقى والفن يمكن أن يكونا فعل حياة ومقاومة في آن معاً.

كان الاحتفال مقرّراً في صور، لكن الظروف الصحية لقعبور استدعت نقل اللقاء إلى مكتبة برزخ في شارع الحمرا في بيروت. هناك، غصّت القاعة بالحضور من مختلف الأعمار، جاؤوا بشغف لا يضعف مع الزمن، حاملين معهم حباً ووفاءً لفنانٍ ظل حاضراً في وجدانهم لعقود.

افتتحت ضحى جعفر اللقاء بكلمة دافئة عن نشأة النادي ومساره في صون الذاكرة الموسيقية، ثم قدّم الدكتور علي النسر الأمسية بأسلوب أنيق يمزج بين الرصانة والدفء، قبل أن يلقي الدكتور أحمد الدهيني والدكتور عباس مزهر شهادتين متكاملتين: الأولى أكاديمية تناولت تجربة أحمد قعبور الموسيقية، والثانية وجدانية استرجعت أثر أغانيه في حياة الناس اليومية.

مع فتح باب الكلام للجمهور، انفجر المكان بشهادات ومحبة متدفقة. كان الحضور متعطشاً للقاء، متأثراً بحضور الفنان الذي رافقهم صوته في أفراحهم وأحزانهم، ليغمروا قعبور بسيل من الحب ويذكّروه بأنّ صوته، رغم مرور الزمن، لا يزال حاضراً في ذاكرة الجماعة.

وفي ذروة الاحتفال، قدّم الشاعر عباس بيضون درع التكريم للفنان، وكتب عبر صفحته على “فيسبوك” شهادة مؤثرة جاء فيها: “في بادرة تكريمٍ لأحمد قعبور في مكتبة برزخ، بدعوة من نادي الموسيقى في صور، أُتيح لي أن أسمع أحمد يغنّي بصوته مباشرة. كان ذلك مؤثّراً جداً، وخصوصاً أنّ الغناء جاء شبه منفرد، من دون موسيقى تقريباً. لكن أكثر ما استوقفني كانت كلمات الأغنيات التي ألّفها أحمد. فهو شاعر بقدر ما هو موسيقي؛ تمتاز كلماته بأسلوب خاص، يحوّل المفردات البسيطة إلى صور وإيقاعات تبني دلالات بعيدة وتلامس الشعر في أكثر لحظاته صدقاً”.

أحمد قعبور المولود في بيروت عام 1955 صوتٌ بارزٌ في الذاكرة الموسيقية والسياسية للبنان والعالم العربي. منذ بداياته، اختار أن يكون صوته فعلاً سياسياً وإنسانياً، فكانت أغنياته مرآة لوجع الناس وأحلامهم، ومرافئ للمقاومة والثقافة الوطنية. كما أن بداياته في مسرح الأطفال وعشقه الأوّل للموسيقى صقلت حسّه الفني، فيما أظهرت أغنيات مثل “حبات الرمان” قدرته الاستثنائية على مزج الشعر والموسيقى، وتحويل التجربة الشخصية إلى لغة جماعية تصل إلى الجمهور من كل الأعمار.

ولكل أغنية من أغاني أحمد قعبور حكاية مبنية على نبض الناس، على المآسي، على البيوت التي تهدمت، وعلى الأرواح التي صمدت. فصوته ليس مجرد غناء، بل نص شعري يتحرك مع ذاكرة الجماعة ويعيد تشكيلها كلما التقى بها.