Published On 2/12/20252/12/2025
|
آخر تحديث: 19:28 (توقيت مكة)آخر تحديث: 19:28 (توقيت مكة)
انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي
share2
عام 2016 عُرض فيلم رسوم متحركة أحدث ثورة حقيقية في عالم أفلام التحريك، وهو “زوتوبيا” (Zootopia)، الذي استخدم شخصيات حيوانية تمثل البشر، وقدم قصة ممتعة وحبكة ذكية تتناول قضايا مهمة مثل التحيز والتمييز الاجتماعي. ولم يكن الفيلم موجها للأطفال فحسب، بل قدم نقدا اجتماعيا ذكيا، وحقق نجاحا نقديا وجماهيريا كبيرا، وفاز بأوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة.
وبعد نحو 9 سنوات يأتي الجزء الثاني “زوتوبيا 2” (Zootopia2) ليواصل النجاح نفسه، وربما يتفوق عليه أيضا، فالقصة لا تزال مسلية ومليئة بالمفاجآت، والشخصيات المحبوبة مثل الأرنبة جودي هوبس والثعلب نيك وايلد تعود من جديد. لكن ما يميز هذا الجزء هو أنه لا يقدم مغامرة جديدة فقط، بل يتناول كذلك قضايا اجتماعية واقتصادية واقعية تشبه كثيرا ما نعيشه اليوم.
اقرأ أيضا list of 2 itemsend of list
فيلم “زوتوبيا 2” من إنتاج أستوديو والت ديزني للرسوم المتحركة، ويشارك في إخراجه جاريد بوش وبايرون هوارد، والسيناريو من تأليف جاريد بوش. ويضم العمل مجموعة من أبرز الأصوات التي شاركت في الجزء الأول إلى جانب شخصيات جديدة، من بينهم جينيفر جودوين في دور جودي هوبس، وجيسون بيتمان في دور نيك وايلد، وكي هوي كوان الذي يقدم صوت شخصية جديدة في عالم زوتوبيا.
بين زوتوبيا المبهرة والواقعية القاسية
يبدأ “زوتوبيا 2” بعد فترة قصيرة من انتهاء أحداث الجزء الأول، حيث يصبح كل من الثعلب نيك وايلد والأرنبة جودي هوبس فريقا واحدا. وبينما تتحمس الأخيرة للمغامرات القادمة التي سيخوضانها معا، يقعان في فخ البيروقراطية الحكومية، ويطلب منهما رئيس الشرطة القيام بأعمال روتينية لا تحقق طموح جودي.
خلال مطاردة تقوم بها جودي ويتورط فيها نيك خلافا للأوامر، تكتشف وجود زاحف داخل زوتوبيا، وتحديدا ثعبان، وهو أمر ممنوع بموجب قوانين المدينة التي تأسست قبل مائة عام على يد عائلة لينكسلي المنتمية إلى حيوان الوشق. وقد جرى إقصاء كل الزواحف، وهو قرار بدا منطقيا في حينه، قبل أن تتبع جودي خيوط الحقيقة لتكشف معلومات تقلب موازين المدينة.
وفي حين استعرض الجزء الأول تفاصيل مدينة زوتوبيا التي تجمع كل أنواع الكائنات، فإن الجزء الثاني يأخذنا في رحلة زمنية وجغرافية مختلفة. فهو يعود إلى الماضي لاستكشاف جذور تأسيس المدينة وأسرارها، كما يفتح أبواب مناطق وأحياء جديدة -حتى بالنسبة لجودي- تلك التي تعيش فيها الطبقات الأدنى من التراتبية الاجتماعية لزوتوبيا.
تكتشف جودي أن زوتوبيا، وهي تحريف لكلمة “يوتوبيا”، مثل أي مدينة فاضلة أخرى عبر التاريخ، ليست إلا خيالا قائما على محو ضحايا لضمان السعادة لقلة مختارة تمتلك رأس المال والنفوذ والسلطة، وبالتالي تملك القدرة على تحريف الحقائق وإعادة كتابة سجل الوقائع.
هنا تدخل شخصية الثعبان غاري (كي هوي كوان)، الذي يعرّف جودي على العالم السفلي للمدينة، وعلى الفئات التي قرر النظام تهميشها ووضعها خارج حدود زوتوبيا، تلك الحدود التي تتآكل يوما بعد يوم لتتحول منازل سكانها المطرودين إلى أساس لمجمعات سكنية جديدة يسكنها الأغنياء.
لا يمكن فصل قصة الفيلم، التي قد تبدو خيالية، عن الواقع المعاش اليوم، الواقع الذي يفرض نفسه على الأعمال السينمائية حتى تلك الموجهة للأطفال.. واقع توحش فيه رأس المال بصورة أشد مما كان عليه قبل عقود قليلة، وفيه تفقد الحقيقة ملامحها وسط زحام الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، ويُهمش أصحاب الحقوق بين ضجيج صليل المال وسلطة الخطاب العام.
تسلية للكبار والصغار
في الجزء الأول قدم فيلم “زوتوبيا” مدينة مثالية نابضة بالحياة من الناحية البصرية، يوتوبيا تتحقق فيها المساواة والتنوع بين كل المخلوقات، وتتجاور فيها الأنواع المختلفة بلا صراع في الظاهر. غير أن الأحداث كشفت طبقات أخرى خلف السطح: الأرانب المحكومة بالبقاء في المزارع، والثعالب المنبوذة، وصراع التراتبية غير المرئي، وينتهي الفيلم الأول بتصالح جودي ونيك، ليعود بريق المدينة المثالية من جديد.
أما الجزء الثاني فيزيح الستار عن طبقات لم تُكشف من قبل، ويعرض واقعا أكثر قسوة وتعقيدا، فخلف الشوارع النظيفة هناك أحياء منسية تعيش فيها الفئات الأدنى التي لا تراها السلطة ولا يعترف بها سكان المركز، مما يسهل محوها من الواقع ومن ثم التاريخ، وإذا كان الجزء الأول قد احتفى بفكرة التنوع، فإن الجزء الثاني يذكر بأن هذا التنوع قد يخفي في داخله آليات إقصاء قديمة، وأن المدينة الفاضلة لا تكون كذلك إلا من منظور من يملكون السلطة لرواية قصتها.
يقدم الفيلم طبقات متعددة من الدلالات بذكاء يسمح لكل فئة عمرية بأن تستمتع بتجربة خاصة، فالطفل يرى في “زوتوبيا 2” مغامرة ممتعة مليئة بالشخصيات اللطيفة والمطاردات السريعة والدروس البسيطة عن الشجاعة والصداقة وقبول الآخر.
أما المشاهد البالغ فيقرأ ما وراء الحبكة، ويلتقط إشارات أعمق حول السلطة والخوف وتشكيل الخطاب العام، وكيف تُصنع الصور النمطية في المجتمعات الحديثة، وتُعاد صياغة الطبقية في المدن الكبرى اليوم، وهكذا ينجح الفيلم في أن يكون مرحا وسهل التلقي للصغار، وفي الوقت نفسه عملا ثريا يفتح أبوابا متعددة للتأويل لدى الكبار، دون أن يشعر أي طرف بأنه خارج معادلة صُناع العمل.
يعد “زوتوبيا 2” من أبرز المرشحين لجائزة أوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة هذا العام، فهو يجمع بين الإبهار البصري والصياغة المحكمة، ويقدّم تسلية مضمونة لكل متفرج أيا كانت فئته العمرية.
