سينوغرافيا غير متكلفة قوامها مكتبان وكنبة تتوسط المسرح، ومؤثرات صوتية وضوئية تنقلنا إلى أجواء عاصفة وممطرة، ندخل معها عرض «ليلة مقتل تشيخوف» الذي قدّمته «آرت بوكس غروب» في اليوم الرابع من مهرجان دبي لمسرح الشباب، الذي يُنظم تحت مظلة مهرجان الفنون الأدائية الشبابية في دبي، يدخل الممثلون إلى الغرفة، وينطلق العمل وفق إيقاع هادئ، مخبئاً دهشة حقيقية في النص، وفي الأداء الذي تفوّق على جميع عناصر العمل.
عاطفة مربكة يُقدّمها المشهد الأول، حيث يأخذنا إلى الممثل المغرور باسيلي، الذي يعيش أمجاد شهرة مضت ومعلقة بالذاكرة، ونيكيتا المدرب العجوز الذي يُلقّنه الأدوار ويهتم بأموره ويلاحقه بالوهم، إلى أن نكتشف إصابة الممثل بالزهايمر، وأن ذاكرته لا تقوى على تكرار جملة واحدة في دور تمثيلي، هذا المشهد المقدّم بواقع نفسي قوي ومحكم، يظن معه المشاهد أنه على عتبة عرض إنساني ثقيل، لكن الانتقال المفاجئ يقلب بنية العمل المسرحي برمته، حينما نكتشف أن هذا المشهد كان مجرد بروفة بين كاتبين يعملان في شركة إنتاج، ويبذلان جهوداً من أجل كتابة نص مسرحي، وهما غير قادرَين على إكماله، يتحول المشهد الأول من حقيقة مسرحية إلى محاولة للكتابة، وندخل لعبة المسرح داخل المسرح، ونص يحاول أن يكتب نفسه على الخشبة.
يدخل سيف صاحب شركة الإنتاج إلى المكتب – وقام بدوره جاسم البلوشي – لتنقلب أجواء العمل إلى الكوميديا، فهذه الشخصية تبحث عما تريده السوق، وتطالب الكتّاب بإنجاز نص واحد وفق معايير «الترند»، فهو يبحث عن نص ينتشر فحسب، كوميديا فائقة الذكاء وغير سطحية بدأت بتحريك العمل مع دخول المنتج، هي الكوميديا الناجمة عن صراع بين كاتب يبحث عن لقمة عيشه، وهو عبده، وقام بدوره محمد قايد، والكاتب حمادة الباحث عن نص يعيش، وقام بدوره مدحت مصطفى، ويعملان مع منتج يبحث عن العائد، هو صراع بين اللغة المسرحية الموزونة، ولغة العصر السريعة.
يتحايل الممثلون على مشكلة عميقة نعايشها، بأسلوب خفيف، مع الابتعاد عن الطرح الثقيل، فالحوار واقعي وساخر، ويتأرجح بين الجد والهزل، يعيد الكاتبان المشهد الأول، يقلبان الأدوار، يترددان، تعلو أصواتهما، يصرخان، كل هذا على إيقاع طبلة المنتج الذي لا يرى في النص إلا سلعة، نجح أداء الممثلين في التفوق على النص والإخراج، فالأداء فرض نفسه في محاكاته لواقع الفن وما يعانيه من أزمة، ليس في الخيال والكتابة، وإنما بالقيود التي تُفرض وتُحدّد الذائقة.
ذروة العمل تأتي في المشهد الأخير، الذي كتبه مدحت مصطفى، حيث يتكثف كل العرض، في مواجهة بين الكاتبين، وفي الوسط المنتج الذي يحمل الطبلة ويعزف عليها، مواجهة تبدو كما لو أن المسرح يقف أمام نفسه، فأحد الكتاب يستسلم لإيقاع العصر ويغني أغاني «المهرجانات» وصرخات الشوارع المزدحمة، والآخر يقاوم هذه الموجة من خلال جملة مسرحية عالية، جملة تشبه أنفاس تشيخوف الأخيرة، بينما الطبلة تجسد كل معاني الفوضى الاجتماعية والثقافية التي نعيشها، يجسد العمل الكوميدي الصراع المسيطر على لغة العصر بين الفن والترفيه السطحي في واقع مازال يعيد تشكيل نفسه، ويترك النهاية مفتوحة على كثير من الأسئلة، من الذي قُتل فعلاً في «ليلة مقتل تشيخوف؟»، هل قُتل تشيخوف كرمز؟ أم المسرح نفسه عندما بات استهلاكياً؟ أم أنها ذاكرتنا التي تفقد البوصلة تماماً كالمصاب بالزهايمر، وتحدث مخرج العمل والممثل محمد قايد، لـ«الإمارات اليوم»، قائلاً: «حاولنا من خلال العمل الإضاءة على الكتابة وما تعانيه من ضعف في السوق، وقد تعمدنا طرح وجهة النظر الخاصة بالباحثين عن الفن الحقيقي، وما يلقى الانتشار السريع، وقد تعمدنا أن نقدّم هذه الرسالة في قالب كوميدي»، وأضاف: «تعتبر الكوميديا من الأعمال الصعبة، لكنني أعشق هذا النمط، لاسيما أن الناس يحبون أن تأتي إلى المسرح من أجل الضحك والاستمتاع، فالمتعة لا تأتي من التراجيديا طوال الوقت، وعامل المتعة هو الذي يحافظ على أهمية وقيمة المسرح»، ولفت إلى أن الشركة الإنتاجية قدّمت العديد من الأعمال الكوميدية التي غالباً ما تؤدي رسالة، مشدداً على أن المسرح يعاني قلة النصوص الجيدة، وأثنى على الكوميديا التي لا تتجه إلى الإسفاف ويمكن أن يشاهدها كل أفراد العائلة.
وأشار الممثل جاسم البلوشي إلى أن هذه المشاركة هي الأولى له في مهرجان دبي لمسرح الشباب، قائلاً: «التجربة كانت ممتعة كثيراً، وشكلت فرصة لي من أجل الاقتراب من الجمهور، ووجدت في المهرجان فرصة لتطوير واستكشاف المهارات»، ولفت إلى أن التحضير للعمل استغرق نحو شهر، وكانت فترة محمّلة بالمتعة، لأن العرض قريب من الناس وما يعيشونه في حياتهم اليومية.
أجواء إبداعية

يشارك في مهرجان الفنون الأدائية الشبابية بدبي العديد من المواهب الشابة في مجال الموسيقى والغناء، وقدّمت، أول من أمس، كرسينس فرانشسكا، البالغة 16 عاماً، فقرة غنائية باللغة الإنجليزية. وتحدثت عن مشاركتها بالقول: «كنت أغني منذ طفولتي، لكنني بدأت تلقي التدريبات الموسيقية للغناء بشكل احترافي منذ سنتين، وهي المرة الأولى التي أشارك فيها في هذا المهرجان، وقد وجدتها فرصة مميزة لتقديم موهبتي للجمهور، كما أن الأجواء التي يحملها متميزة، ومفعمة بالإيجابية والإبداع في مختلف المجالات سواء في العزف أو الغناء».
![]()
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
Share
فيسبوك
تويتر
لينكدين
Pin Interest
Whats App
