رحل قبل أيام النجم الهندي البوليوودي دهارا مندرا عن عمر ناهز التسعين، وقد أنجز في مسيرته نحو ثلاثمئة فيلم، وأنجب “نجمين”، وتزوّج مرتين. اضطرّته زوجته الثانية إلى تغيير دينه إلى الإسلام. تنتج بوليوود في السنة نحو ألفي فيلم، وإنتاجها أكثر من إنتاج هوليوود. النجم السينمائي في الهند غير النجم في أميركا أو سائر الدول؛ فهو نجم معبود، له معابد يُعبد فيها، وتقدّم له النذور والقرابين زلفى. ومن الطرائف أن هنديا بنى معبدا للأشقر ترامب!

النجم الأميركي بطل يجندل الأعداء، وتقع في حبه الحسناء، لكنه لا يغنّي. أما بطل الفيلم الهندي فيرقص كالفراشة، ويقبل كالنحلة، ويغرّد كالشحرور، وهو يغني في الفيلم لعدة مطربين؛ يغلّظ صوته حيناً، ويرقّ حيناً وينعّم، ويندى ويرخّم، من غير أن يحاسب المشاهد الكريم المخرج. بل يباهي المغني الهندي بأنه غنّى للنجم فلان. بل إن “يوتيوب” يقدم أغاني الأفلام كأنها أغاني الممثل لا المطرب، مع أنه يحرّك شفتيه فقط.

وقد تكون أسباب رقص البطل مع الممثلة للإيهام بأن الصوت صوته لا صوت غيره؛ فالحُسن مقدّم على الصوت عند الهنود، مع أن السينما الهندية انتشرت عبر الأصوات، فالصوت يخدم الجمال، و”الحسن مكرّم” كما قالت العرب، وذلك لندرة الجمال. فالغناء في الهند مثل الشعر عند العرب.

قال المخرج ساتيا جيت راي: نحن مليار (آنذاك)، وتهبنا الهند سبعين جميلة في السنة، يصبحن من حصّة السينما؛ الجميلات جدّاً نجمات، والأقل جمالاً وصيفات للنجمة.

يختلف التمثيل الهندي عن التمثيل العربي أو الأميركي؛ فهو ينحو نحو المبالغة. أما المغنّون الهنود فمبدعون حقا؛ فالمغنية لاتا منغيشكار غنت ثلاثة وعشرين ألف أغنية وبثلاث وعشرين لغة، في حين أن أغاني صاحبة “غنّي لي شوي شوي، غنّي لي وخود عيني” لا تتجاوز ثلاثمئة أغنية!

قد ينتحر النجم الغربي (روبن ويليامز، جون بيلهام، لي باكستر…)، لكني لم أسمع عن انتحار نجوم هنود، لأنهم يؤمنون بالتناسخ، فلا معنى للانتحار. والمسلمون منهم يحرّمونه. يغيب المنطق في السينما الهندية، لكن المنطق السينمائي حاضر في الفيلم الأميركي.

قد يشاهد الأميركي السينما الهندية، لكن الهنود لا يحبّون غيرها. وهي منتشرة في العالم كله، فهي قوتهم الناعمة، وما سبب ذلك إلا لرقّة أغانيهم، وعذوبة موسيقاهم، وبراعة رقصاتهم.

يطلب المخرج من مغنّين إنشاد أغانٍ للفيلم فيبدعونها بسهولة، وتصبح شائعةً على كل لسان، مثل أغاني فيلم راقص الديسكو أو التوأمان. بل إن مؤلف القصة الهندي ناضل طويلا حتى يكتب اسمه على الملصق؛ صنّاع الفيلم جميعاً في خدمة النجم الإله. أما العرب فيصنعون للمغني فيلما يناسب أغانيه المشهورة، مثل فيلم “الغجرية العاشقة” الذي دُسّت فيه أغنيات سميرة توفيق (يا عود الخيزران مثلا)، أو نغم في حياتي “لوحيد زمانه” فريد الأطرش.

وتساءلت من غير أن تنوشني الرماح عن أسباب براعة الهنود في صناعة الأغنية. حاولتُ تفسير ذلك بكثرة البلابل والعنادل في الهند، ثم وجدتُ الجواب في أمريْن: إما بسبب ركنية الموسيقا في المعابد تقربا للآلهة، أو أن الهنود يغنّون لأن الغناء لغة جامعة لشعب متعدد اللغات في شبه القارة.

يجتمع للبطل القسيم ما لا يجتمع لرئيس الدولة أو رئيس الوزراء من أمجاد. وقد يعبد الهنود المعاقين والمشوهين أيضا؛ فهم قوم يؤمنون بعقيدة الحلول. وتعد صورة مع نجم أمنية كل هندي. وفي فيلم “المليونير المتشرّد” يبيع الطفل صورته مع أميتاب باتشان، ويأكل بها سكرا.

تجاوزت السينما العربية البطل القسيم الجميل، مع عادل إمام ومحمد سعد ومحمد هنيدي، وانتهى الحليوة أسامة خلقي (ممثل سوري لم يشفع له حسنه) مهاجراً في أميركا، لكن الهند لن تتجاوز شرط الجمال. فالمَرء بأصغريه عند العرب.

زرتُ الهند في التسعينيات، والتقيتُ مصادفة قوما يصوّرون فيلما. وبينما كنت أحظى بلقاء مع الحسناء بطلة الفيلم تحت الجميزة، والبطل ينظر إلي شزراً، وجدت من يقول لي في موقع التصوير: هل تسمح لي بصورة معك؟

فسألته عن سبب الطلب، وعندهم نجم هندي، فقال شيئا بالهندية ترجمته بتصرف:

– صوّرني شوي شوي… صورني وخود عيني.

وابتسمت علشان تطلع الصورة حلوة.