احتفاء بذكرى مرور 20 عاماً على تأسيس أكاديمية “آيب تو زد” Ayp to Zed الفنية، ومن تنسيق دزوفيغ أرنيليان وزياد جريج، أقيم في غاليري “إسباس دادور” (جل الديب)، وتحت عنوان “عقدان وألف قصة”، معرضاً فنياً تشكيلياً جماعياً يضم أعمالاً تعود إلى 46 فنانا وفنانة من أعمار واتجاهات مختلفة، وقد شارك كل من الفنانين بلوحتين تمثلان، قدر الإمكان، النهج الذي يسير عليه صاحبهما.

أراد صاحبا الأكاديمية، مارال وجيرار نانوسيان، من خلال هذا المعرض، تكريم الخريجين الذين تلقوا دروساً في الرسم والتصوير بين جدران الأكاديمية. تشكّل هذه الظاهرة مناسبة للتعرّف على المواهب والإمكانات التي تعكسها الأعمال المعروضة، كما توفر فرصة للاطلاع على الجهد المبذول من قبل المؤسسة. هذا الأمر دفع جيرار بانوسيان إلى القول إنه، وخلال ممارسته مهنة التعليم منذ ما يقرب من خمسة عقود، كان يُفاجأ دائماً بالمواهب الشبابية، وما يتصل بها من أفكار وخيال واسع، بحيث أن نتاج الفنانين المراهقين والشباب تجاوز أحياناً ما هو متوقع.

 

نيللي فخري

وكما هي الحال، عادة، في المعارض الجماعية، فإن الأعمال الحاضرة تشهد تفاوتاً نسبياً من حيث المستوى التقني، إضافة إلى الأمر الآخر البديهي، وهو أن الأساليب تختلف من عمل من إلى آخر. وفي استعراض لبعض ما نشاهده في هذا المعرض، نلاحظ أن أحد العملين اللذين تعرضهما ناتاشا توباكيان، وهو عبارة عن بورتريه، ذو طابع تمثيلي واقعي، في حين أن العمل الآخر، ورغم عناصره الواقعية، يسير في نهج واقعي وسوريالي في الوقت نفسه، علماً أن رمزية اللوحة واضحة للعيان: كرسي فارغ وستارة يحرّكها الهواء بعنف، ولوحات متطايرة. أما الطابع الرمزي فواضح من حيث الإشارة إلى معان معينة تدور في ذهن الفنانة. هذا الأسلوب الواقعي نلحظه أيضاً لدى تيريزا ماريا بشوتي. في إحدى لوحاتها، تمثل نفسها إلى جانب أعمالها التشكيلية. مقاربة كنا رأيناها لدى فنانين كثر. العمل جيد من حيث الفكرة والتأليف، لكننا توقعنا أن يكون أكبر حجماً، نظراً إلى العناصر التي يتضمّنها، والتي قد تتطلّب مساحة أكبر ولو في الشكل، وذلك بعد اطلاعنا على مقاسات اللوحة الحقيقية.

 

ريتا بوسنويان كورين استيفان

 

لوحتا سيفاك در غارابتيان أقرب إلى تصوّرات خيالية. “ستائر” من القامات النسائية تسبح بخفة في فضاء أثيري، يغلب على إحداها الأزرق والأبيض. ثمة ما يذكّر بأسلوب “النبيين” Nabis، وهو المصطلح الذي يعكس السعي الروحي نحو التجديد الجمالي، انطلاقًا من العودة إلى الخيال والذاتية. وفي حين تنساب القامات عمودياً، لا ينسى غاربتيان أن “يكسر” تلك الخطوط، في مكان ما، من خلال يد إحدى القامات التي تمتد أفقياً من أجل تحقيق هذا الهدف المذكور.  يمكن القول الشيء نفسه عن واحدة من لوحات كورين إستيفان، في ما يخص ناحية الاستعانة بالخيال، لكن مع نزعة نحو فضاء روحي. إلى ذلك، تسعى إستيفان إلى ما يشبه رواية قصة تتداخل فيها العناصر، التي شاءت حشدها في العمل الفني، مع سعي، أيضاً، إلى تسليط الضوء على نقطة محددة أرادتها مركزاً، من دون أن تحتل حكماً وسط اللوحة، وفي ذلك أيضاً إشارة مرمزة إلى العاطفة والحب، من خلال راحتَين تحتضنان ضوءاً.

 

ماريا تيريزا بشوتي

ريتا بوسنويان عرضت لوحتين لا قاسم مشتركاً بينهما من حيث الأسلوب. تحت مسمّى “إلهام الفنان” رسمت منظراً طبيعياً لبنانياً كخلفية للوحتها، في حين احتلت المقدمة طاولة عليها أدوات فنية. الإشارة إلى الطبيعة اللبنانية والعمارات التراثية كمصدر للإلهام، واضحة، وممكنة بالطبع. أما “زهرة الحب العائلي”، فكما اللوحة الأولى، ذات طابع مباشر من حيث مضمونها، ومن دون تعقيد ظاهر. المنحى الفطري، من حيث الأسلوب، شبه واضح، وهو يضفي على العملين صفة البساطة المحببة. من ناحية أخرى، لا ترابط مبدئياً بين الأعمال التي عرضتها نيللي فخري، وهذا ليس من الشروط المطلوبة في المعارض الجماعية. اللوحتان اللونيتان المعروضتان تعتمدان نمطاً تجريديا تنقيطياً، أما اللوحة الأخرى فترسم قامات بشرية على نحو شكلي، ومن دون تفاصيل، وتتجه جميعها في اتجاه قامة رئيسية دينية، نخمّن أنها قامة المسيح، في تعبير عن الحب اللامشروط تجاه صاحب القامة.

 

 سافاك در كارابتيان ناتاشا توباكيان

 

نهاية، ومن خلال هذا الاستعراض الجزئي، نظراً لصعوبة الحديث عن كامل الأعمال المعروضة، يمكن القول أن الفنانين المشاركين في المعرض تعاملوا جميعهم بجديّة مع مهماتهم، ومع أهدافهم التشكيلية. وإذا كان هناك ما يجمع بينهم، فهي تلك الاستعانة بالخيال، وببعض الشِّعر والروحانية، وهذه المفردات من شأنها أن توفر للعمل الفني مساحة كافية للغوص في محيطاته الغنية، وذلك بحسب القدر والتمكن الأسلوبي، المختلف من فنان إلى آخر.