بعد 3,287 يوماً من الانتظار القاسي، استيقظ مئات الآلاف من الموظفين في صنعاء على خبر صادم: سيحصلون أخيراً على راتب، ولكن نصف راتب فقط. في اليمن، نشأ جيل كامل من الأطفال دون أن يروا آباءهم يتلقون راتباً منذ عام 2016، وها هي اللحظة التاريخية تحل أخيراً. لكن السؤال الذي يؤرق الجميع: هل ستكون هذه بداية النهاية لأطول أزمة رواتب في التاريخ الحديث، أم مجرد مسكن مؤقت لجرح غائر؟
في مشهد مؤثر، تجمع آلاف الموظفين أمام فروع بنك التسليف والبريد، وعلى وجوههم خليط من الفرحة المختلطة بالحذر. أحمد المحمدي، المعلم الذي لم يتلق راتباً منذ 9 سنوات، وقف في الطابور وهو يرتجف: “لا أصدق أنني سأمسك بالمال مرة أخرى، حتى لو كان النصف فقط.” الحكومة أكدت التزامها بصرف 50% من الراتب شهرياً ضمن آلية استثنائية جديدة، لكن الخبراء يحذرون من أن هذا الحل قد يكون أكثر هشاشة من بيت العنكبوت.
قد يعجبك أيضا :
تمتد جذور هذه الأزمة إلى عام 2016، عندما تم نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، مما أدى إلى انهيار نظام الرواتب بالكامل. منذ ذلك الحين، تحولت حياة أكثر من مليون موظف حكومي إلى كابوس يومي من البحث عن لقمة العيش. د. محمد الحضرمي، الخبير الاقتصادي، يشبه الوضع بـ”محاولة إطفاء حريق بكوب من الماء”، محذراً من أن مصادر التمويل المحلية قد لا تكون كافية لاستمرار هذه الآلية طويلاً. الحرب والحصار الاقتصادي حولا اليمن إلى أرض قاحلة اقتصادياً، حيث تراجعت عائدات النفط وانهارت العملة المحلية.
قد يعجبك أيضا :
بالنسبة لفاطمة الزهراني، الموظفة في وزارة الصحة، فإن استلام نصف الراتب يعني إمكانية شراء الدواء لابنتها المريضة ودفع جزء من الإيجار المتراكم منذ شهور. “نصف راتب أفضل من لا شيء، لكننا نتساءل: كم من الوقت سيستمر هذا؟” تقول وهي تمسك بالأوراق النقدية المتهالكة بحذر شديد. السوق المحلي شهد حركة غير مسبوقة خلال الأيام الأولى من الصرف، مما يشير إلى التأثير الفوري للقرار، لكن خبراء التنمية يحذرون من أن التحسن المؤقت قد يتبعه انتكاسة أكبر إذا لم تتم معالجة الأسباب الجذرية للأزمة.
قد يعجبك أيضا :
الواقع المرير يشير إلى أن هذا الحل مجرد قطرة في بحر المعاناة اليمنية. رغم الفرحة المؤقتة، تبقى الأسئلة الكبيرة معلقة: هل ستصمد مصادر التمويل المحلية؟ ومتى سيحصل الموظفون على رواتبهم كاملة؟ وهل ستتمكن هذه الآلية من إنهاء معاناة استمرت لما يقارب العقد من الزمن؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستحدد مصير ملايين اليمنيين الذين ينتظرون بفارغ الصبر نهاية هذا الكابوس الاقتصادي.
