في مشهد يعكس عمق المأساة الاقتصادية في اليمن، يقف أبو أحمد أمام كشك الخضروات في سوق عدن الشعبي حاملاً ثمانية آلاف ريال يمني لشراء كيلو واحد من البصل – مبلغ كان يكفي لشراء كيس كامل من الخضروات قبل سنوات. هذا الرقم الصادم يحكي قصة شعب كامل يواجه تحدي البقاء، حيث أصبحت السلطة الخضروات البسيطة تحتاج راتب أسبوع كامل للموظف اليمني العادي.

تكشف أرقام السوق اليومية في عدن حقائق مؤلمة تتجاوز مجرد أسعار الخضروات. فبينما يبلغ سعر كيلو البطاطس والطماطم ألف ريال لكل منهما، يقفز البصل إلى ثمانية أضعاف هذا السعر، مسجلاً فجوة سعرية تصل إلى 700% بين أرخص وأغلى الخضروات. أم سعاد، ربة بيت تقف حائرة أمام الأكشاك، تروي معاناتها: “كنت أشتري كيلو البصل بـ500 ريال قبل الحرب، اليوم أصبح شراؤه حلماً بعيد المنال، وأطفالي يسألونني لماذا لا نطبخ كما كنا من قبل؟”

قد يعجبك أيضا :

تمتد جذور هذه الأزمة إلى سنوات الحرب الطويلة التي دمرت البنية التحتية وسلاسل التوريد في اليمن منذ 2015. انهيار الريال اليمني وارتفاع تكاليف النقل بسبب نقص الوقود وانقطاع الطرق، حول عملية استيراد الخضروات إلى مغامرة مكلفة يدفع ثمنها المواطن البسيط. الخبير الاقتصادي د. محمد الحميري يؤكد أن “الأسعار الحالية تفوق ما كانت عليه قبل الحرب بـ15 ضعفاً، والاستقرار النسبي الذي تتحدث عنه التقارير لا يعني أسعاراً معقولة في ظل انهيار اقتصادي شامل.”

في بيوت عدن اليوم، تعيد العائلات ترتيب أولوياتها بشكل جذري. فاطمة علي، أم لثلاثة أطفال، تحكي كيف أصبحت تقسم حبة البصل الواحدة على عدة وجبات، بينما تستبدل الفواكه المفضلة لأطفالها بالموز الذي يعتبر الأرخص بألف ريال للكيلو. التأثير يمتد إلى الحالة التغذوية، حيث تحذر منظمات إنسانية من تراجع محتمل في تغذية الأطفال والحوامل بسبب عدم القدرة على شراء الخضروات الضرورية للنمو الصحي.

قد يعجبك أيضا :

بينما يحاول التجار مثل أبو سعد بيع منتجاتهم بأقل هامش ربح ممكن قائلاً “نحن نعاني مثل الناس، لكن تكاليف النقل والاستيراد خارجة عن سيطرتنا”، تبقى الحاجة ملحة لحلول عاجلة تتضمن دعم الإنتاج المحلي وتحسين طرق التجارة. السؤال المؤلم يبقى معلقاً في سماء عدن: كم من الوقت يمكن لشعب أن يصمد عندما تصبح حبة البصل حلماً بعيد المنال؟