بقلم:&nbspClara Nabaa&nbsp&&nbspيورونيوز

نشرت في
08/12/2025 – 17:30 GMT+1

احتضن لبنان أعدادًا كبيرة من النازحين السوريين منذ اندلاع الأزمة السورية في العام 2011. واليوم، تتواصل الجهود لتنظيم “العودة الطوعية” إلى سوريا. خلال الأسبوع الماضي، انطلقت الدفعة الثانية عشرة من برنامج “العودة الآمنة والطوعية” من بيروت، وفق خطة الحكومة اللبنانية، بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة والصليب الأحمر اللبناني، عبر معبر المصنع، وبالتنسيق مع السلطات السورية.

تكشف بيانات المفوضية عن صورة واسعة لحركة العودة، سواء من حيث أعداد الذين غادروا بالفعل أو أولئك الذين بدأوا بإعادة تقييم خياراتهم في ضوء المتغيرات الأمنية والاقتصادية داخل سوريا.

في المقابل، تكشف شهادات السوريين أن العودة إلى سوريا تصطدم بمجموعة من العقبات اليومية والهيكلية، فالخدمات الأساسية ما تزال شبه منهارة، وفرص العمل محدودة، فيما ترتفع تكاليف إعادة الإعمار إلى مستويات تفوق قدرة الأسر على الاحتمال. يضاف إلى ذلك شعور بالغربة داخل مدن تغيّرت ملامحها، في حين أن مستوى الأمن لا يزال هشًا ويتأثر بالانقسامات الطائفية وبالتهديدات المتزايدة، ما يجعل العودة صعبة بالنسبة لكثيرين، خصوصًا الأقليات التي تواجه بيئات غير آمنة تحدّ من قدرتها على اتخاذ قرار العودة.

من هنا، تبرز الحاجة إلى قراءة معمّقة للاتجاهات الفعلية لدى النازحين أنفسهم، خصوصًا بعد عام على سقوط النظام.

تحولات في الرغبة بالعودة

تشير المعطيات التي شاركتها المتحدثة الرسمية باسم المفوضية في لبنان، تيريزا فريحة، في مقابلة مع “يورونيوز”، إلى أن المفوضية أغلقت ملفات قرابة 379 ألف نازح سوري ضمن قاعدة بياناتها في عام 2025، بناءً على عودتهم المؤكدة أو المرجّحة، في حين يُقدَّر عدد السوريين الذين ما زالوا في لبنان بأكثر من مليون، على أن تُعلَن تقديرات محدثة خلال الأسابيع المقبلة مع انتهاء عمليات التحقق الجارية.

وترجّح فريحة أن يصل عدد العائدين من لبنان إلى سوريا إلى نحو 400 ألف شخص بحلول نهاية عام 2025، بمن فيهم الذين حصلوا على دعم لتسهيل عودتهم، وتعتبر أن “العودة الطوعية والآمنة والكريمة هي الحل الأمثل لأي أزمة لجوء”، وأنها محور أساسي في عملها. وبحسب المفوضية، عبّر عدد متزايد من اللاجئين للمفوضية عن رغبتهم في العودة منذ سقوط النظام، سواء الآن أو في المستقبل القريب.

وبحسب فريحة، يؤكد السوريون في لبنان أن قرار العودة مرتبط بعوامل أساسية تشمل توفر فرص العمل، وإمكانية استعادة الممتلكات أو الحصول على سكن بديل، إلى جانب تحسّن الوضع الأمني داخل مناطقهم. هذه المعايير تشكّل بالنسبة للكثيرين شرطًا لاتخاذ قرار نهائي بالعودة.

تحديات أمام السوريين

توضح فريحة أن الوضع في سوريا يشهد تحولًا جوهريًا، لكن مستوى السلامة والأمن يبقى متقلبًا ويتطور بسرعة. وبرأي المفوضية، يشكل السياق الحالي فرصة أكثر إيجابية لعودة أعداد متزايدة، أو على الأقل للتفكير الجدي في العودة بصورة واقعية ومستدامة. ومع ارتفاع عدد الذين يباشرون التخطيط للعودة، رفعت المفوضية مستوى دعمها لضمان أن تتم العودة بصورة طوعية وآمنة وكريمة. ويتضمن هذا الدعم توفير وسائل النقل، والمساعدات النقدية داخل لبنان وداخل سوريا.

وتُجري المفوضية، في هذا الإطار، تقييمات فردية للراغبين بالعودة، وتقدم لهم معلومات تفصيلية حول الوثائق المطلوبة مثل شهادات الولادة والإفادات المدرسية. أما الذين يقررون العودة، فتحصل كل عائلة على دعم نقدي بقيمة 100 دولار أمريكي لكل فرد داخل لبنان، وقد تكون مؤهلة أيضًا للحصول على 600 دولار أمريكي داخل سوريا للعائلات الأكثر عرضة للضعف، فور وصولها.

لكن التحديات داخل البلاد لا تزال كبيرة وفق فريحة: الوضع الإنساني صعب، والملايين بحاجة إلى مساعدات تشمل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والخدمات الأساسية. ولهذا، لا يزال جزء واسع من اللاجئين مترددًا بشأن العودة بسبب عدم الاستقرار، وصعوبات الوصول إلى التعليم والعمل، وقضايا السكن والأراضي والممتلكات، إضافة إلى توافر المساعدات بعد العودة. وتشدد المفوضية على ضرورة أن يكثّف المجتمع الدولي جهوده لدعم المتطلبات الإنسانية العاجلة، وتعزيز برامج التعافي والتنمية الطويلة الأمد داخل سوريا، بما يتيح ظروفًا ملائمة لعودة طوعية ومستدامة.

العودة إلى سوريا “طوعية”؟

في موازاة الأرقام التي تشاركها المفوضية واتجاهات اللاجئين التي تغيرت منذ سقوط النظام، يقدّم الخبير القانوني في شؤون اللاجئين، دومينيك طعمة، مقاربة حول المعايير الدولية وشروط العودة.

يؤكد طعمة أن المفوضية تتحقق دائمًا من طوعية قرار العودة عبر مقابلات فردية تُطرح خلالها أسئلة واضحة للتثبت من أن الخيار شخصي بالكامل ومن دون أي ضغوط خارجية. ويشير إلى أن الظروف الحالية في سوريا لا تتيح للمفوضية تشجيع العودة كما يحدث في دول أخرى حول العالم، إذ يتم تشجيع العودة فقط عندما يتحقق مستوى واضح من الاستقرار والأمان. أما اليوم، فالمفوضية فقط تيسّر العودة للأشخاص الذين يبدون رغبة طوعية في اتخاذ هذا الخيار.

ويتحدث طعمة لـ”يورونيوز” عن واقع ميداني ما زال معقدًا، معتبرًا أن الوضع السياسي في سوريا غير مستتب، وأن مناطق واسعة تعاني من تحديات أمنية واضحة، رغم وجود مناطق أخرى باتت أكثر استقرارًا، ما يفسّر عودة مئات الآلاف خلال هذا العام.

ويشير كذلك إلى الضغوط الهائلة على البنى التحتية السورية جرّاء سنوات الحرب وما خلفته من دمار في المنازل والمستشفيات والمدارس، وهو ما دفع السلطات السورية إلى إبداء رغبتها في عودة اللاجئين شرط مراعاة واقع القدرة الاستيعابية الحالية، وعودة الناس على مراحل.

ويشدد طعمة على أن استعادة الزخم السياسي في سوريا يُعدّ العامل الأول في تشجيع العودة، إذ يرتبط مستقبل عملية العودة بمدى قدرة الدولة على بسط سيطرتها ضمن تفاهمات تشمل مكونات المجتمع كافة وتأخذ مطالبها المحقة بعين الاعتبار. أما العامل الثاني فهو اقتصادي بامتياز، ويتصل ببدء إعادة الإعمار وعودة الدورة الاقتصادية إلى الحركة، وهي شروط قد تتطلب سنوات قبل انعكاسها على حياة الناس.

وبحسب طعمة، ثمّة سوريون عادوا بالفعل، وكثيرون أعادوا أفراد عائلاتهم فيما بقوا هم في لبنان حيث تتوفر لهم فرص عمل. وما قد يدفع هؤلاء إلى العودة النهائية هو بوادر واضحة لتحسن سياسي واقتصادي في سوريا، إذ “سوريا بحاجة إلى جميع أبنائها للمشاركة في إعادة الإعمار والنهوض بالبلد من جديد”.