في تطور إنساني مذهل هز اليمن من أقصاها إلى أقصاها، تتدفق اليوم 585 مليون ريال كنهر من الأمل عبر محافظة عمران، حيث تقف 16,143 أسرة في طوابير الانتظار الطويلة أمام مكاتب البريد، وفي عيونهم بريق الأمل بعد شهور من المعاناة الصامتة. الدكتور فيصل جعمان، محافظ عمران، يعلن بصوت مليء بالفخر: “هذا إحياء لقيم التراحم الإسلامية التي علمنا إياها ديننا الحنيف”، بينما تتساقط دموع الفرح من عيون كبار السن الذين شهدوا عقوداً من الحرمان.
أم محمد، أرملة في الخامسة والأربعين لديها ستة أطفال، تقف في المقدمة وهي تمسك بكيس قماش بالي، لتستلم نصيبها البالغ 36,238 ريال – مبلغ يعادل راتب موظف حكومي لشهرين كاملين. “لم أصدق الخبر حتى رأيت الأوراق النقدية بعيني”، تهمس بصوت مرتجف، بينما يشرح محمد الشهراني، مدير مكتب هيئة الزكاة: “هذا المشروع ثمرة مسح ميداني دقيق استغرق شهوراً، لضمان وصول كل ريال لمستحقه الحقيقي”. الأطفال يركضون في الشوارع وهم يصرخون فرحاً: “البابا جاب فلوس! البابا جاب فلوس!”
قد يعجبك أيضا :
هذه ليست مجرد مساعدة عادية، بل عودة حقيقية لنظام الزكاة الإسلامي الأصيل الذي طبقه الخلفاء الراشدون منذ أربعة عشر قرناً. عبدالرحمن العماد، مدير مديرية عمران، يوضح أن العملية تأتي ضمن توجيهات قائد الثورة لتطبيق اللامركزية، “كما كان عمر بن الخطاب يوزع من بيت المال على الفقراء، نعود اليوم لتطبيق هذا التقليد العريق”. الخبراء الاقتصاديون يتوقعون أن ينعكس هذا المشروع إيجابياً على الحركة التجارية المحلية، حيث ستتدفق أموال الزكاة مباشرة للأسواق الشعبية.
علي حسن، موظف في مكتب البريد، يروي مشهداً لن ينساه: “رأيت رجلاً في السبعين من عمره يبكي وهو يقبل الأوراق النقدية، قال لي: ‘ابني، هذا المال سيشتري دواء زوجتي المريضة'”. هذه المساعدات ستمكن الأسر من شراء الضروريات الأساسية: الطعام والدواء ودفع إيجارات المنازل، بعدما عجزت عن ذلك لشهور طويلة. أحمد الصالح، تاجر محلي، قرر مضاعفة زكاة أمواله بعد رؤية حالات الفقر المدقع: “عندما ترى طفلاً يبحث عن الطعام في القمامة، تدرك أن المال الذي تكنزه يجب أن يصل للمحتاجين”. المشروع الذي سيصبح شهرياً العام المقبل، يعد بتحويل حياة عشرات الآلاف من اليأس إلى الأمل.
قد يعجبك أيضا :
16,143 أسرة تستعيد كرامتها اليوم، و585 مليون ريال تعيد رسم خارطة الأمل في محافظة واحدة فقط من محافظات اليمن. عبدالله الضياني من إدارة البريد يؤكد أن العملية تتم بشفافية كاملة ومراقبة دقيقة لضمان وصول كل ريال لمستحقه. على كل قادر أن يخرج زكاة ماله، وعلى كل مسؤول أن يضمن العدالة في التوزيع. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستكون هذه بداية النهاية لمأساة الفقر في اليمن، أم مجرد قطرة في محيط الحاجة الواسع؟
