في تطور صادم يهز أركان الاقتصاد اليمني، كشفت أسعار الصرف اليوم عن فجوة مدمرة تتجاوز 1083 ريالاً يمنياً بين عدن وصنعاء للدولار الواحد، في مشهد يعكس تمزقاً اقتصادياً لم تشهده المنطقة من قبل. هذه الفجوة الصاعقة تعني أن المواطن اليمني يخسر أكثر من ثلثي قيمة أمواله عند التحويل بين المدينتين، في كارثة صامتة تطحن جيوب الملايين.

الأرقام تحكي مأساة حقيقية: الدولار الواحد يُباع بـ 1633 ريالاً في عدن مقابل 540 ريالاً فقط في صنعاء، أي بفجوة تتجاوز 200%. أحمد المحمدي، موظف في صنعاء يحاول تحويل راتبه لعائلته في عدن، يروي معاناته: “شاهدت نصف راتبي يتبخر أمام عيني، كيف أطعم أطفالي بهذا الظلم؟” وفي المقابل، تستغل فاطمة الحضرمي، التاجرة الذكية، هذه الفروق لتوسيع تجارتها، مؤكدة أن “السوق أصبح غابة، والأذكى هو من يبقى”.

قد يعجبك أيضا :

خلف هذه الأرقام المرعبة قصة حرب طويلة مزقت اليمن منذ 2014، وحولته إلى اقتصادين منفصلين تماماً. انقسام البنك المركزي بين عدن وصنعاء، مع سيطرة سلطات مختلفة على كل منطقة، خلق واقعاً يشبه ألمانيا المنقسمة خلال الحرب الباردة. د. محمد الشرعبي، الخبير الاقتصادي، يحذر قائلاً: “هذه ليست مجرد أزمة عملة، بل تدمير منهجي للنسيج الاقتصادي اليمني، ونحن أمام انهيار محتمل لكامل النظام المالي”.

في طوابير الصرافة الطويلة، حيث تختلط رائحة الأوراق النقدية المتآكلة مع أصوات المساومات اليائسة، يعيش 30 مليون يمني كابوساً يومياً. العائلات المنقسمة جغرافياً تواجه استحالة التخطيط المالي، والمرضى يعجزون عن شراء الأدوية، والتجار يترقبون انهياراً أشمل قد يحول اليمن إلى اقتصاد نقدي بالدولار فقط. علي الصنعاني، محول عملة، يصف المشهد: “نرى يومياً عائلات تبكي عند معرفة قيمة تحويلاتهم الحقيقية، وكأننا نشاهد سرقة في وضح النهار”.

قد يعجبك أيضا :

مع استمرار هذا التمزق الاقتصادي، والتحذيرات من انهيار كامل يلوح في الأفق، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: إلى متى سيتحمل الشعب اليمني هذا الظلم الاقتصادي؟ وهل من طريق للعودة إلى اقتصاد موحد قبل أن تتحول هذه الفجوة الصادمة إلى هاوية تبتلع ما تبقى من الحلم اليمني؟ الوقت ينفد، والحلول تتطلب تحركاً دولياً عاجلاً قبل فوات الأوان.