وكتبت الصحيفة الألمانية أن المواطن الإيراني، جاويد نواري، المقيم في مدينة فايمار، ما إن تلقّى رسالة على “واتساب” من شخص يحمل رقمًا يبدأ بمفتاح إيران، حتى أدرك على الفور أنه يتعامل مع جهاز استخبارات تابع لنظام طهران.
وكتب الشخص، الذي قدّم نفسه باسم “مهدي” في الرسالة: “أمس تحدثتُ مع عمّك”.
وكان ذلك بداية محاولة النظام الإيراني لإجبار نواري على إرسال معلومات من داخل ألمانيا.
وبحسب “فلت”، فإن هذا الأسلوب بات معروفًا جيدًا لدى العديد من الإيرانيين في المنفى، لأن النظام الإيراني يسعى بجرأة وشدة أكبر إلى ترهيب المعارضين المحتملين خارج البلاد، واستقطاب بعضهم للعمل لصالحه.
وقد تواصلت “فلت” مع عدد من ضحايا هذه العمليات، ودرست وتحقّقت مما لا يقل عن 12 حالة مشابهة لمحاولات تجنيد أو تهديد لإيرانيين مقيمين في الخارج.
وتُظهر نتائج هذا التحقيق أن نظام طهران يستخدم أساليب تجسس واسعة ومنخفضة التكلفة للتغلغل بين الإيرانيين في الخارج.
وبحسب بعض الضحايا، فقد ازداد مستوى هذه الأنشطة خلال الأشهر الأخيرة بشكل غير مسبوق.
وأكّد مكتب حماية الدستور الاتحادي في ألمانيا، ردًا على سؤال من “فلت”، أن عدد البلاغات والمؤشرات المتعلقة بمثل هذه الأنشطة قد ازداد في السنوات الأخيرة، وهو حاليًا “عند مستوى عالٍ ومستقر”.
وكانت السلطات الألمانية قد أكدت، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أيضًا أن الإيرانيين المقيمين في البلاد يتعرضون لمستوى متزايد من المضايقات من قِبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام الإيراني.
وفي 30 نوفمبر الماضي أعلنت وزارة العدل الإيرانية أن 1.8 في المائة من الإيرانيين خارج البلاد لديهم “ملفات سياسية أو أمنية”.
ماذا أراد عنصر النظام من نواري؟
أفاد تقرير “فلت”، بأنه لم يمضِ بعد عام كامل على وصول عائلة جاويد نواري إلى ألمانيا. هذا المعلّم البالغ من العمر 48 عامًا من شيراز، وبعد سنوات من الضغط والتهديد من قبل النظام الإيراني، توجّه إلى ألمانيا برفقة زوجته، التي كانت تعمل معمارية في إيران وما زالت آثار تعذيب النظام على جسدها، إضافة إلى ولديه المراهقين، وقدّموا جميعًا طلبات للجوء.
كان نواري يعتقد أنه نجح أخيرًا في إنقاذ عائلته من سطوة الأجهزة الأمنية الإيرانية، لكن بعد فترة قصيرة، بددت رسائل مهدي هذا الشعور، وبدأت مرحلة جديدة من الضغط والتهديد.
وكتبت الصحيفة أن الشخص المُسمى مهدي ضايق نواري بأسئلة متتابعة، وأرسل له صورًا ليقوم بتحديد هوية الأشخاص الظاهرين فيها؛ وهي صور لمظاهرات وتجمعات للإيرانيين في ألمانيا ودول أوروبية أخرى.
وسعى عنصر الاستخبارات الإيرانية لمعرفة من هم هؤلاء الأشخاص، وكيف تواصل معهم نواري، وكم مرة شارك هو بنفسه في هذه التجمعات.
وكانت إجابات نواري “قصيرة ومهذبة”، دون أن يكشف عن أي شيء.
وجاءت التهديدات الأولى من مهدي بلهجة ظاهرها “النصح والشفقة”. قال إنه يعلم أن نواري شارك في الاحتجاجات ضد النظام الإيراني في ألمانيا فقط لتحسين ملف لجوئه هناك: “كانت رسالته واضحة: إذا تعاونت معنا وقدّمت معلومات، سنتغاضى عن هذه الأنشطة”.
وأضافت “فلت” أن عنصر الاستخبارات ذكّر نواري بلهجة تبدو ودّية بأن إقامته في ألمانيا “غير مضمونة”، وقد يُجبر يومًا ما على العودة إلى إيران: “سأله: إذا قالوا لك يجب أن تعود، ماذا ستفعل حينها؟”.
وطلب مهدي من نواري أن يحافظ على علاقاته مع معارضي النظام في الخارج، وأن يرسل له تقارير بشكل منتظم. وحذّره مهدي من أن أحدًا يجب ألا يعلم بهذه العلاقة، وإلا فقد يفقد فرصة الحصول على الإقامة في ألمانيا.
النموذج المتكرر للأجهزة الأمنية الإيرانية
أشارت “فلت”، في تقريرها، إلى أن طريقة تعامل مهدي مع نواري جزء من نموذج متكرر تستخدمه الأجهزة الأمنية التابعة للنظام؛ للإيقاع بالإيرانيين في الخارج.
وفي البداية، تضغط الأجهزة الأمنية في الداخل على عائلاتهم لإجبار الضحايا على التواصل. وهذه المحادثات القصيرة عبر تطبيقات المراسلة تكفي لتتمكن الأجهزة من تنفيذ الخطوة التالية: خلق خوف لدى الضحايا من أن يُتّهموا بالتجسس لصالح النظام وفقدان حق الإقامة أو اللجوء في ألمانيا.
وبحسب “فلت”، فإن كثيرين ممن يتعرضون لضغط النظام الإيراني لا يجرؤون حتى على إبلاغ الشرطة خوفًا من العواقب.
ويعيش حاليًا نحو 320 ألف إيراني في المنفى داخل ألمانيا.
وقد أكد مكتب حماية الدستور الاتحادي في ألمانيا وجود أنشطة استخباراتية واسعة للنظام الإيراني داخل الأراضي الألمانية، لكنه امتنع عن نشر أرقام أو تفاصيل تتعلق بهذه الأنشطة.
وقال المكتب ردًا على سؤال صحيفة “فلت”: “يمكن التأكد من أن أجهزة الاستخبارات الإيرانية تعمل الآن وستستمر مستقبلاً بكامل طاقتها، وحتى عبر استخدام أساليب الإرهاب الحكومي، لتحقيق مصالح النظام”.
وبحسب تقييم المكتب، فإن جميع أطياف معارضي النظام الإيراني في الخارج معرّضون لتهديدات أجهزته الاستخباراتية.
وجاء في تقرير “فلت” أن عمليات خارج الحدود، التي ينفذها جهاز الاستخبارات التابع للنظام الإيراني تأتي في الوقت الذي تصاعد فيه القمع الداخلي بشكل غير مسبوق.
فقد شهدت إيران، خلال الأشهر الأخيرة، موجة واسعة من الإعدامات، مما يعكس مستوى جديدًا من العنف الحكومي.
وحكمت السلطة القضائية الإيرانية في الأيام الأخيرة فقط بالإعدام على سبعة سجناء سياسيين.
مستشار عقارات أم عنصر استخبارات؟
واصلت صحيفة “فلت”، في تقريرها: “إن رقم واتساب الذي استخدمه مهدي جرى التعرف عليه في خمسة ملفات مستقلة، وفي كل مرة بهوية واسم مختلفين. ووصلت تهديداته لدرجة شملت التهديد بالعنف الجنسي أيضًا”.
وتمكنت الصحيفة من تحديد عدد من الحسابات في شبكات التواصل الاجتماعي كان هذا العنصر التابع للنظام الإيراني يستخدمها للتواصل مع معارضي النظام في المنفى.
وفي هذه الحسابات، كان يقدم نفسه على أنه “مستشار عقارات”.
وذكرت “فلت” أن عناصر النظام في بعض الحالات يستخدمون أرقامًا أوروبية للتواصل مع الإيرانيين في المنفى.
