شهدت الأيام الماضية أول اهتزاز علني داخل التحالف بين حزب الله وحركة أمل، بعدما انتقد نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، قرارا اتُّخذ بتنسيق مباشر مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.

فقد رفض قاسم بشدّة تعيين شخصية مدنية لترؤس الوفد اللبناني في لجنة مراقبة وقف إطلاق النار مع إسرائيل، ووصف اختيار السفير السابق سيمون كرم بأنه “سقطة إضافية” تلي ما اعتبره “خطيئة” قرار الخامس من أغسطس، حين شرعت الحكومة بمسار رسمي لتنظيم سلاح الحزب.

هذا الموقف، الصادر بوضوح غير مألوف في العلاقة بين الطرفين، وضع التباينات الداخلية تحت الضوء، وكشف حجم الاحتكاك بين قيادتيهما في لحظة سياسية حرجة.

أزمة عميقة؟

يقول المحلل السياسي جورج العاقوري إن التباين بين قاسم وبري يكشف “عمق الأزمة التي يواجهها الثنائي الشيعي وحجم الضغط الذي قد ينهي لعبة توزيع الأدوار بينهما”. ويوضح أن “المخاطر المتزايدة… تجعل المسؤولية تقع أكثر فأكثر على عاتق بري”، مشيرا إلى أن جمهور الطرفين “يشعر بالامتعاض تجاه الآخر”.

ورغم موافقته على تعيين كرم، حاول بري، وفق العاقوري، الظهور بموقف ضبابي عبر الإيحاء بأنه لم يُستشر، مع أن الرئاستين أكدتا العكس. ويرى العاقوري أن هذا الأسلوب “حيلة قد لا تنطلي حتى على جمهور الثنائي نفسه”.

ويرى الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب أن موافقة بري عكست “تباينا واضحا بين موقفه وموقف قاسم”، موضحا أن بري “لم يعترض على مبدأ مشاركة شخصية مدنية… بل على الاسم المحدّد”.

ويضيف في حديث مع “الحرة” أن قرار حصر السلاح الذي وصفه قاسم سابقا بأنه “سقطة” يُطبّق فعلياً جنوب الليطاني. لكن هذا التباين في المواقف لا يشير، وبرأي ملاعب، إلى توتر داخلي أو تغييرات مرتقبة، كما أنه “ليس تكتيكياً”.

ويرى ملاعب أن بري يملك “رؤية واضحة”، فهو من فاوض المبعوث الأميركي آموس هوكستين وأنتج التفاهم الذي أوقف إطلاق النار بعد موافقة الحزب.

في المقابل، يقلّل رئيس تحرير موقع “جنوبية”، علي الأمين، من دلالات هذا التباين. فبرأيه، مشاركة شخصية مدنية في المفاوضات لا تُعدّ شرخاً بين حزب الله وحركة أمل، مؤكداً أنه “لا يمكن فصل موافقة بري عن تنسيق مسبق مع الحزب”.

ويقول الأمين لـ”الحرة” إن رفض حزب الله إشراك شخصية مدنية في لجنة “المكانيزم” كان “موقفاً مبدئياً أكثر منه إعلان مواجهة مع خيار المفاوضات مع إسرائيل”، لافتاً إلى أنه “لم تظهر أي مؤشرات على اعتراض فعلي، لا على الأرض ولا على المستوى السياسي”.

ومع ذلك، يرى أن “التطورات المرتبطة بمستوى المفاوضات، والتحولات في ميزان القوى الإقليمي والدولي وانعكاساتها على لبنان، قد تدفع إلى بروز تباينات بين الطرفين بفعل تضارب المصالح. وتحديدا في ملف حصرية السلاح وإنهاء الوجود العسكري للحزب وفي دخول العامل العربي والذي سيحل إلى حد ما مكان تراجع النفوذ الإيراني”.

خلاف قديم.. يتجدد

لم تكن العلاقة بين حركة أمل وحزب الله  خالية تماما من التوتر. فالحزب الذي وُلد عام 1982 من رحم حركة أمل، التي أسسها الإمام موسى الصدر عام 1974 وتولّى قيادتها لاحقا نبيه بري، سرعان ما تحول إلى قوة صاعدة تنافس الحركة على النفوذ داخل الساحة الشيعية. هذا التنافس تجلّى في مواجهات مسلّحة خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990).

ومع انتهاء الحرب الأهلية وتوقيع وثيقة الوفاق الوطني في الطائف، أنجزت مصالحة بين الطرفين اللذين كان يشار إليهما حينها بـ”الإخوة الأعداء”، في تسوية رعتها سوريا وإيران ووصفت بـ”زواج الضرورة”. ومنذ ذلك الحين، باتا يعرفان باسم “الثنائي الشيعي”.

يذكّر العاقوري أن العلاقة بين الطرفين “لم تُبنَ في الأساس على مشروع سياسي مشترك، بل على تقاطع مصالح بين إيران وسوريا في التسعينيات والذي أوقف “حرب الإخوة” الدموية بينهما، ومن ثم أصبح ما يجمعهما لاحقاً هو المصلحة المشتركة لكل طرف، سواء على المستوى الشخصي لقادته أو لمصلحة المكوّن الذي يمثلونه”.

وفي قراءة لموقع النفوذ داخل الساحة الشيعية، يعتبر مراقبون أن دور بري بدأ يتراجع تدريجيا منذ ارتبطت سياساته بسياسات حزب الله، خصوصاً بعد توسّع نفوذ الحزب الإقليمي عقب حرب 2006 وتدخّله في الحرب السورية. هذا التحوّل جعل شريحة واسعة من اللبنانيين ترى في بري “ملحقا سياسيا” بالحزب.

ومع اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، عاد بري ليبرز كمرجعية سياسية أساسية للطائفة الشيعية، خصوصاً بعد تكليفه من قبل الأمين العام، نعيم قاسم، بقيادة جهود التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

واليوم “يعلم بري جيداً أن التمسك بسياسة الحزب سيؤدي باللبنانيين وخصوصاً المكوّن الشيعي إلى الهاوية”، وفق ما يقوله العاقوري.

مواقف بلا أثر؟

بعد تعيين كرم، عقد لبنان وإسرائيل اجتماعا مباشرا ضمن اللجنة المكلفة بمراقبة وقف إطلاق النار، في خطوة وصفتها الرئاسة اللبنانية بالضرورية لتفادي أي مواجهة عسكرية جديدة. وأكد الرئيس جوزاف عون أن “لغة التفاوض لا تعني التنازل عن السيادة”، في حين سبق أن حذر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس من أن بلاده “لن تتردد في العمل بقوة في لبنان مجددا” إذا لم يتخل حزب الله عن سلاحه قبل نهاية العام.

العاقوري يعتبر تكليف كرم “يتجاوز الإطار التقني”، مشيرا إلى أنه “سياسي مخضرم معروف بمواقفه السيادية الصلبة”، وأن تصريحات قاسم “ثرثرة سياسية” تهدف لإرضاء جمهور الحزب دون القدرة على التأثير في مجريات الأحداث.

بدوره يشير ملاعب إلى “ليونة أميركية متزايدة” بعد تكليف كرم، لافتا إلى أن المبعوث الأميركي توم برّاك الذي كان يصف لبنان سابقا بأنه “دولة فاشلة”، “غيّر خطابه بعد بيان قيادة الجيش حول عمليات حصر السلاح في الجنوب.

وكانت الحكومة اللبنانية قد وضعت مهلة لإنجاز عمليات حصر السلاح جنوب الليطاني قبل نهاية العام، على أن تستكمل المراحل لاحقا، في حين يرفض حزب الله أي نقاش حول سلاحه شمال النهر.

ويضيف ملاعب أن برّاك نفسه أقرّ بأن “إسرائيل غير قادرة على القضاء على سلاح حزب الله، ما يجعل مرحلة استيعاب السلاح كما أشار رئيس الحكومة نواف سلام، أو منع استخدامه، هي المسار الذي تدفع نحوه الجهات الدولية”، مشدداً على أن مواقف قاسم “لن تؤثر في هذا السياق، ولن تغيّر شيئاً في الواقع السياسي أو الأمني”.