في صدمة حقيقية هزت أسواق العاصمة عدن، سجلت أسعار الأسماك أرقاماً قياسية جديدة تفوق كل التوقعات، حيث وصل سعر كيلو الديرك إلى 24 ألف ريال – رقم يفوق راتب موظف حكومي ليومين كاملين! في مشهد مذهل لم تشهده الأسواق منذ عقود، أصبح كيلو السمك أغلى من كيلو اللحم الأحمر، مما يهدد الأمن الغذائي لآلاف الأسر اليمنية التي تعتمد على السمك كمصدر أساسي للبروتين.
شهدت أسواق عدن يوم الجمعة الماضي حالة من الذهول التام عندما أعلن التجار قائمة أسعار جديدة تحبس الأنفاس: السخلة بـ16 ألف ريال للكيلو – ضعف سعر الثمد والبياض اللذين استقرا عند 8 آلاف ريال. “هذه أسعار لم نشهدها منذ 20 عاماً” قال علي المهدي، تاجر السمك المخضرم في سوق المعلا، وهو يشاهد الزبائن يفرون من أكشاكه صدمة من الأرقام المكتوبة. أم سالم، ربة بيت من المعلا، تقف أمام أحد الأكشاك بعيون مليئة بالحسرة: “توقفت عن شراء السمك منذ شهرين… راتب زوجي لا يكفي حتى لكيلو واحد من السخلة”.
قد يعجبك أيضا :
وراء هذا الارتفاع الصاروخي تقف عدة عوامل معقدة، أبرزها تراجع كميات الصيد بسبب التقلبات الجوية الحادة في البحر الأحمر وارتفاع أسعار الوقود التي ضاعفت تكاليف رحلات الصيد. الكابتن محمد الصياد، الذي يعمل في المهنة منذ 30 عاماً، يؤكد أن “التيارات البحرية تغيرت والأسماك هاجرت لمناطق أعمق”. هذه الأزمة تذكرنا بموجة أسعار مشابهة حدثت في 2019، لكن الخبراء يؤكدون أن الوضع الحالي أشد وطأة وأطول أمداً.
التأثير الأكبر يقع على الأسر اليمنية التي تضطر الآن لإعادة تخطيط قوائم طعامها بالكامل. في البيوت، تبحث ربات البيوت عن بدائل أرخص مثل البيض والدجاج، بينما تحول المطاعم الشعبية لتقديم أطباق السمك كوجبات “فاخرة” بأسعار مضاعفة. د. أحمد الحكيمي، الخبير الاقتصادي، يحذر من خطر حقيقي: “نتجه نحو تحويل السمك من غذاء شعبي أساسي إلى سلعة ترفيهية للطبقة الثرية فقط”. الصيادون من ناحية أخرى يحققون أرباحاً استثنائية لم يحلموا بها، مما دفع البعض للعمل ساعات إضافية رغم المخاطر البحرية المتزايدة.
قد يعجبك أيضا :
مع دخول موسم الشتاء وتوقع مزيد من التقلبات الجوية، يتوقع الخبراء استمرار هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار حتى فبراير القادم على أقل تقدير. الأمر يتطلب تدخلاً عاجلاً من الجهات المسؤولة لحماية المستهلكين من هذا الاستغلال، سواء من خلال دعم أسعار السمك أو تسهيل استيراد البدائل المجمدة بأسعار مقبولة. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل سيصبح السمك – في بلد يطل على أغنى البحار في العالم – حكراً على الأغنياء فقط؟
