نزع سلاح حزب الله، ليس هو الهدف الأعلى، وإن كان الأولى، ولا هو الهدف النهائي المنشود في لبنان من قبل الولايات المتحدة الأميركية و”إسرائيل”. بل هو عبارة عن تنفيذ هدف تشغيلي في إطار الأهداف الإستراتيجية المطلوب تحقيقها في لبنان. أي أنه إزالة العقبة الأساسية من أمام مسار مُخطط له لمستقبل لبنان المُستسلم لكيان العدو، في ظل التحوّل الإستراتيجي الموغل والبعيد المدى الذي تتعرض له منطقتي الشرق الأوسط والأدنى على رزنامة الولايات المتحدة الأميركية.
لذا فإن إسرائيل لن تعطي لبنان، أية مكاسب مُقابلة لخطوة قراره بنزع سلاح المقاومة، ولن تنسحب أو توقف إستباحتها له في المدى المنظور بالحد الأدنى. ووسائل الضغط (الإقتصادي والسياسي والعسكري) التي كانت قائمة ستستمر، حيث أن تحقيق المُراد يستلزم إزالة العقبات من أمامه والتي هي: مقاومة حزب الله.
ما هي الأهداف في لبنان؟
الرؤية الإسرائيلية ومن ورائها الأميركية إتجاه لبنان تقوم على:
-إنهاء واقع حالي ومن ثم إغلاق إمكان أي فرضية مستقبليّة أن تكون الجبهة الشمالية للعدو (لبنان)، تشكّل أية مخاطر وجوديّة على الكيان، أو أية مخاطر أمنية على سلامة “أراضيه” ومستوطنيه. وهذا لا يستتبع فقط إزالة ونزع سلاح حزب الله (قدرات ومنشآت وبُنية تحتية) جنوب منطقة نهر الليطاني أو على إمتداد الجغرافيا اللبنانية شماله، ولا يستتبع حرمانه من التعافي ومن إعادة بناء القدرة أو التموضع، بل يتطلب إلى جانب ذلك، إنهاء حالة وروحية حزب الله: الإرادة القتالية، والعزم والتصميم، والفعل التعبوي، والإعداد، والتوجيه، وبالتالي الأمل في التصدي أو الوقوف في وجه مشروع الهيمنة، لتتحول الروحية إلى روحية الإستسلام.
-إغلاق، أو بالحد الأدنى إضعاف المؤسسات الرعائية والإجتماعية والخدماتية والإعلايمة والمالية لحزب الله ومحاصرة تمويله، والتي تُساهم إلى حد كبير في متانة العقد الإجتماعي وتماسكه بين المقاومة وجمهورها وبيئتها. وهذا ما يعتبره “محور الشر” الأميركي بحجم خطرالسلاح، وتعمل في مواجهته بنفس الحماسة، للوصول لنزع الإرتباط بين المقاومة وبيئتها وربط هذه البيئة بالدولة المرتهنة للخارج التي يُعمل على أن تصبح هي خيار الناس ومآلهم في تأمين مظلة الأمان والحماية والخدمات.
-القضاء على ذراع دفاع\هجوم متقدمة، في إطار سياسات الدفاع المتقدمة لمحور المقاومة في مقابل فلسطين المحتلة.
-توقيع إتفاقية أمنية مع لبنان تراعي المصالح الأمنية الإسرائيلية، لجهة الإنتشار والتموضع وآلية المراقبة والتدخل (حريةالحركة)، وحجم مساحة المنطقة العازلة المطلوبة إسرائيلياً، ومستقبلها، وطبيعة السكن فيها.
-إنشاء منطقة إقتصادية حدودية تطبيعيّة برعاية أميركية ودولية وربما خليجية، تعيد هندسة الجغرافية السياسية في قرى الحافة الأمامية على الحدود مع فلسطين المحتلة.
-ترسيم الحدود البرية والمائية (من جديد)، حتى مع سوريا ووضع آليات ضبط هذه الحدود.
-تطبيع سياسي وإقتصادي وسياحي تحكمه الهيمنة الأمنية والإقتصادية الإسرائيلية.
-إعادة تشكيل السلطة السياسية في لبنان بما يتماشى مع ديناميكيات وثقافة “الوجه الجديد” للشرق الأوسط المنشود أميركياً وإسرائيلياً، والتي لا يوجد فيها فعاليّة لمفهوم المقاومة فضلاً عن دورها السياسي القوي في التركيبة اللبنانية.
لذلك فالمقاومة في لبنان وبيئتها الحاضنة وقاعدتها الشعبية، بل حتى حلفاءها، يخوضون في هذه المرحلة من التصدي أو إبطاء إندفاعة المشروع الصهيو-أميركي في المنطقة من البوابة اللبنانية، فيما يمكن إعتباره تهديداً وجودياً حقيقياً (هجمة صلبة، إضافة إلى تهديد الحق في العيش أو في الإختيار أو في المواطنة أو في الوجود الديموغرافي). يستلزم هذا التصدي: الثبات على المبادىء، والصمود في الميدان، والصبر، ورفض الوصاية، وعدم تمكين العدو من إستثمار نتائج العدوان في المعادلات السياسية اللبنانية الداخلية.
وبينما يسير حزب الله بنهجه القائم على وجوب تقطيع هذه المرحلة بأقل “خسائر” ممكنة، مع الحفاظ والإحتفاظ بالسلاح، وحماية بُناه العسكرية التحتية، عبر إستراتيجية “الصبر الإستراتيجي”وسياسة شراء الوقت وإستيعاب الضربات. يكون المقتضى في هذه المرحلة المفتوحة على المفاجآت والخيارات، على جمهور المقاومة وبيئة المقاومة والمتعاطف مع المقاومة، أن يكون نفسها طويل وإستعداداتها طويلة المدى. وأن تتحلى بالصبر والوعي وضبط الأعصاب والإنفعالات والتحلّي بالحكمة. والأهم من ذلك كله: أن تثق بالمقاومة.
المقاومة أولوياتها وطنيّة
واصل حزب الله منذ سريان وقف إطلاق النار في 27-11-2024، عمليات ترميم قدراته العسكرية الدفاعية لمواجهة أي تصعيد إسرائيلي محتمل إتجاه لبنان من جهة التوغل البري او الإنقضاض على المقاومة في إطار حملة يكون العدو قد خطط لها. وأنجز حزب الله الكثير في هذا الملف البنيوي والحيوي، كعنصر قوة لحماية لبنان وسلامة ووحدة أراضيه. فالأولويات التي يحتكم إليها حزب الله، حتى الآن، هي:
-مواصلة العمل لدفع الدولة اللبنانية للعمل الفاعل لكي تدفع إسرائيل لتنفيذ إلتزاماتها وفق القرار 1701، ووقف الإعتداءات والإنسحاب من الأراضي اللبنانية وإطلاق الأسرى.
-المحافظة على الوحدة الوطنية.
-المحافظة على السلم الاهلي.
-عدم الإنصياع لحملة نزع سلاح المقاومة، كونه من الأعمدة الإستراتيجية الوطنية للدفاع عن لبنان، والتصدي لمشروع التوسّع الصهيوني.
وبناء على الأولويات، وعلى عدم توقف إعادة بناء القدرات بأي حال من الأحوال. سيمضي حزب الله في دفع ” القطار المعادي” لإبطاء حركته إلى حين وصوله لنقطة فاصلة تستوجب تغيير إتجاهه، أو إيقافه.
وإنجاز هذا الأمر، يحتاج من حزب الله التمسك إلى آخر الخط بالأولويات المتقدمة الذكر، في ظل ما يمارسه من توازن دقيق وعميق بينها، لكي يزاوج بين الأولويات والمخاطر والتهديدات، مع الإستعداد لأسوأ سيناريو قد يكون إما لا بد منه، أو يكون لا مفر من محاكاته.
