تونس – افتتحت الدورة السادسة والثلاثون من أيام قرطاج السينمائية، السبت، على ركح مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة في تونس، بعرض فيلم “فلسطين 36” للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر، في عمل يستعيد لحظة مفصلية من التاريخ الفلسطيني خلال ثورة عام 1936.
ويروي الفيلم قصة يوسف، الشاب الذي يتنقل بين قريته الريفية ومدينة القدس المتوترة، بحثًا عن أفق يتجاوز الاضطرابات المتصاعدة في ظل الثورة الفلسطينية ضد الحكم البريطاني وتزايد موجات الهجرة اليهودية القادمة من أوروبا الفاشية، في سياق تاريخي شديد التعقيد.
وفي كلمتها خلال حفل الافتتاح، عبّرت آن ماري جاسر عن اعتزازها باختيار فيلمها لافتتاح المهرجان، معتبرة ذلك “شرفًا عظيمًا لفريق العمل” في ظل الظروف القاسية التي أُنجز فيها الفيلم.
وأوضحت أن العمل تم خلال واحدة من أصعب الفترات في تاريخ الشعب الفلسطيني، مشيرة إلى أن عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة أثّر بشكل مباشر على مسار الإنتاج، إذ توقّف التصوير أربع مرات، وتعرّضت مواقع العمل للدمار أكثر من مرة.
وأضافت أن الإصرار على استكمال الفيلم لم يكن بدافع السينما فقط، بل دفاعًا عن فلسطين التي “ترفض الصمت وتحب الحياة”.
وشهد حفل الافتتاح حضورًا واسعًا لصنّاع السينما من تونس والعالم العربي وأفريقيا، إلى جانب ضيوف من أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية. وتضمّن الحفل فقرات تكريمية عدّة، من بينها تحية خاصة للفنان الراحل زياد الرحباني عبر عرض مقتطف من فيلم “نهلة” للمخرج فاروق بلوفة، تلاها عرض موسيقي قدّمه عمر الواعر على البيانو بمشاركة مريم العبيدي.
كما كرّم المهرجان اسم النجمة العالمية من أصول تونسية كلوديا كاردينالي، إلى جانب عدد من رموز السينما الراحلين، من بينهم الجزائري محمد الأخضر حمينة، واللبناني وليد شميط، والمالي سليمان سيسيه، والبنيني بولين سومانو فييرا. ومنح المهرجان “التانيت الشرفي” للمنتج التونسي عبدالعزيز بن ملوكة تقديرًا لمسيرته ومساهماته في دعم السينما.
وفي كلمته الافتتاحية، رحّب مدير أيام قرطاج السينمائية طارق بن شعبان بضيوف الدورة السادسة والثلاثين، مؤكدًا أن خصوصية المهرجان تكمن في قدرته الدائمة على التجدد والتفاعل مع جمهوره، وتمسّكه بسينما المؤلف والدفاع عنها، مشددا على أن أيام قرطاج السينمائية تظل فضاءً للقاء الأفكار وتبادل التجارب الإبداعية، ومناسبة للاحتفاء بالسينما بوصفها فعلًا ثقافيًا ومعرفيًا وإنسانيًا.
وتتواصل فعاليات المهرجان إلى غاية 20 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ببرمجة تضم 165 فيلمًا من 23 دولة، موزّعة على مسابقات رسمية وبرامج موازية وأقسام احتفالية. وتحضر السينما التونسية بقوة من خلال 46 فيلمًا، بينها 23 فيلمًا طويلًا و23 فيلمًا قصيرًا.
وتشمل المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة أعمالًا من بلدان عربية وأفريقية عدّة، من بينها نيجيريا والسودان والعراق والسعودية ومصر والأردن والجزائر وفلسطين، إلى جانب مشاركة تونسية بثلاثة أفلام. كما تتوزع البرمجة على مسابقات الأفلام الوثائقية والقصيرة، إضافة إلى قسم “قرطاج للسينما الواعدة”.
ويحتفي المهرجان هذا العام بالسينما الأرمينية ضمن برنامج “سينما تحت المجهر”، إلى جانب تسليط الضوء على تجارب من إسبانيا وأميركا اللاتينية، مع حضور لافت للقضية الفلسطينية من خلال عروض خاصة، من بينها الفيلم الوثائقي “من المسافة صفر” لرشيد مشهراوي، المصوَّر خلال عدوان الاحتلال على غزة.
كما تتواصل الأقسام القارة للمهرجان، مثل “أيام قرطاج السينمائية في السجون” و”في الثكنات” و”في الجهات”، إضافة إلى تنظيم لقاءات فكرية وبرنامج “قرطاج للمحترفين” لدعم المشاريع السينمائية العربية والأفريقية.
وأيام قرطاج السينمائية تأسست عام 1966، وتُعد أعرق مهرجان سينمائي عربي أفريقي، قبل أن تتحول إلى تظاهرة سنوية تحتفي بسينما الجنوب وصنّاعها.
