شكل العقد الأول من الألفية الثالثة نقطة تحول مفصلية في تاريخ الأمن القومي الإسرائيلي، حيث واجه الكيان الإسرائيلي تحديًا غير مسبوق لم يعهده في حروبه النظامية السابقة. فبينما استثمر مليارات الدولارات على مدار عقود لبناء تفوق جوي كاسح وقوة مدرعة ضاربة لردع الجيوش النظامية العربية، وجد الكيان نفسه فجأة مكشوفًا أمام تهديد “منخفض التكلفة” و”متواضع التقنية”، ولكنه “استراتيجي التأثير”: الصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون.
لقد خلق فرار العدو من جنوب لبنان عام 2000، ومن قطاع غزة عام 2005، واقعًا جيواستراتيجيًا جديدًا. تحولت المناطق الحدودية المتاخمة للكيان إلى منصات إطلاق صواريخ شبه دائمة تسيطر عليها فصائل المقاومة (حزب الله في الشمال، وحماس والجهاد الإسلامي في الجنوب) التي تبنت استراتيجية “الاستنزاف عن بعد”، مستغلةً الفجوة الهائلة في التكلفة بين الصواريخ الهجومية الرخيصة (مثل القسام والكاتيوشا) وبين الوسائل الدفاعية التقليدية الباهظة.
بلغت الأزمة ذروتها في حرب تموز/ يوليو 2006، حين أمطرت المقاومة اللبنانية شمال فلسطين المحتلة بحوالي 4000 صاروخ على مدار 33 يومًا. ولأول مرة في تاريخها، وجدت “إسرائيل” جبهتها الداخلية مشلولة تمامًا؛ ملايين المستوطنين في الملاجئ، اقتصاد متوقف، وقيادة عسكرية عاجزة عن وقف “المطر الصاروخي” رغم الغارات الجوية العنيفة. بالتوازي مع ذلك، كانت مستوطنات “غلاف غزة”، وتحديدًا مدينة “سديروت”، تتعرض لقصف يومي بصواريخ “القسام” المحلية الصنع، مما حول حياة المستوطنين إلى جحيم من الذعر المستمر، وأثبت أن نظرية “الردع” التقليدية قد تآكلت.
في ظل هذا العجز، برزت الحاجة الماسة إلى حل من “خارج الصندوق”. لا يعتمد على احتلال الأرض (المكلف بشريًا وسياسيًا) ولا على الردع النظري، بل حل تقني يوفر مظلة حماية فعلية. في ظل هذا النقاش حول الأمن والردع وفقدان المبادرة، ولدت فكرة “القبة الحديدية”.
تهدف هذه الدراسة إلى تقديم تحليل شامل ومعمق لمسيرة هذا النظام التكنولوجي، بدءًا من الجذور السياسية والصراع مع المؤسسة العسكرية التقليدية، مرورًا بما أسماه خبراء العدو ” التمرد التقني والحلول الارتجالية” التي ميزت مرحلة التطوير، وصولًا إلى الأداء العملياتي في الحروب المختلفة، وانتهاءً بالتحديات الاستراتيجية الراهنة التي كشفتها حرب 7 أكتوبر 2023 (طوفان الأقصى) والهجمات اللاحقة التي أعادت وضع المنظومة على مسار جديد يتطلب علاجاً لعوامل الضعف البنيوية للمنظومة.
لتحميل الدراسة من هنا
