شادي هيلانة
أخبار اليوم
يعود ملف حصرية السلاح إلى واجهة النقاش، لكن هذه المرة من بوابة شمال نهر الليطاني، حيث أعلن نائب رئيس الحكومة طارق متري، خلال المؤتمر السنوي لمركز مالكوم – كير كارنيغي للشرق الأوسط، أن الجيش اللبناني بات جاهزا للانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة حصر السلاح بيد الدولة، من دون تحديد جدول زمني واضح، على أن تشمل هذه المرحلة المساحة الممتدة من نهر الليطاني وصولا إلى نهر الأوّلي.
هذا الإعلان، وإن جاء بصيغة تقنية هادئة، يحمل في مضمونه أبعادا سياسية وأمنية عميقة، إذ إن المنطقة المعنية تقع ضمن نطاق محافظتي الجنوب والنبطية، حيث يتمتع حزب الله بحضور عسكري وتنظيمي كثيف، ما يجعل أي محاولة لترجمة الخطة على الأرض اختبارا فعليا لقدرة الدولة اللبنانية على فرض سيادتها، ولحدود التفاهم أو التصادم مع الحزب.
في هذا السياق، أشار خبير عسكري إلى أن الجيش اللبناني لم يحظَ حتى الآن بتعاون فعلي من الحزب، لا سيما في ما يتعلق بالإرشاد إلى مواقع الأنفاق ومخازن السلاح والوسائل القتالية، حتى ضمن نطاق جنوب الليطاني، ويقتصر موقف الحزب، وفق هذه المقاربة، على عدم الاعتراض العلني على تحركات الجيش، من دون تقديم أي تسهيلات عملياتية، وهو ما يؤدي إلى إبطاء تنفيذ الخطة وتعقيدها، ما يجعل الانتقال إلى شمال الليطاني أكثر حساسية وتعقيدا.
من هنا، يتقدم السؤال الجوهري: هل سيكتفي الحزب بالحياد السلبي شمال الليطاني، أم سيتخذ موقفا أكثر تشددا يصل إلى حد العرقلة أو الرفض؟
يقول الخبير العسكري: هذا السؤال يكتسب زخما إضافيا في ظل المواقف الرسمية المتكررة لرئيسي الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام، اللذين شددا على التزام الدولة بحصرية السلاح في جميع الأراضي اللبنانية، تطبيقا للدستور، وتنفيذا للقرارات الدولية ذات الصلة، وفي مقدمها القرار 1559 والقرار 1701، إضافة إلى اتفاق وقف الأعمال العدائية في تشرين الثاني من العام 2024.
ويضيف: غير أن هذه التعهدات تصطدم بواقع سياسي مغاير، كَوْن الحزب يواصل، إبداء تعنت واضح حيال أي بحث في تسليم سلاحه، وخصوصا شمال الليطاني، وقد كرس الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم هذا الموقف من خلال تصريحات متكررة اعتبر فيها أن مطلب نزع السلاح يجب التراجع عنه لأنه – بحسب توصيفه – يخدم إسرائيل لا الاستقرار اللبناني.
اذاً، هذا الخطاب يعمق الفجوة بين منطق الدولة ومنطق الحزب، ويضع الحكومة أمام معادلة شديدة التعقيد. وهنا يستبعد الخبير العسكري أن تقدم الحكومة في المرحلة الراهنة على إصدار أمر مباشر للجيش بتنفيذ الخطة بالقوة شمال الليطاني، نظرا لما يحمله ذلك من مخاطر أمنية وانعكاسات داخلية قد تهدد الاستقرار الهش.
ويخلص الى القول: لكن في مقابل هذا التردد الرسمي لا يُقرأ من فراغ، إذ تتقاطع المعطيات الميدانية والمؤشرات السياسية مع تصريحات وتهديدات صادرة عن مسؤولين عسكريين وسياسيين إسرائيليين، لتطرح فرضية أكثر خطورة، مفادها إذا لم تبادر الدولة اللبنانية إلى معالجة ملف سلاح الحزب، فإن إسرائيل قد تعتبر نفسها مخولة للقيام بهذه المهمة بنفسها، وفق منطقها الأمني الخاص.
