Published On 17/12/202517/12/2025

|

آخر تحديث: 10:00 (توقيت مكة)آخر تحديث: 10:00 (توقيت مكة)

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

في ذروة التصعيد التجاري بين واشنطن وبكين خلال أبريل/نيسان الماضي، ومع تبادل الرسوم والعقوبات، بدا المشهد وكأن الصين تمسك بـ”أوراق ضعيفة”، هكذا وصف وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت الوضع حين قال لشبكة “سي إن بي سي” إن الصين “تلعب بورقتين من فئة الاثنين”، لكن الأشهر اللاحقة أظهرت أن الرهان كان معكوسا.

فبعد موجات متلاحقة من الرسوم الأميركية -بدأت من 10% ثم 20% ثم قفزت إلى 145% قبل أن تعود مجددا إلى 10%- أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب أواخر أكتوبر/تشرين الأول التوصل إلى اتفاق وصفته بأنه “انتصار ضخم”.

غير أن تقرير بلومبيرغ يرى أن الاتفاق أعاد عمليا الوضع إلى ما كان عليه سابقا، بل وتضمن تنازلا أميركيا مهما تمثل في التراجع عن توسيع قائمة الشركات الصينية الخاضعة لضوابط التصدير، وهي أداة كانت تُعد سابقا غير قابلة للتفاوض.

ووفق بلومبيرغ، لم تكتف الصين بامتصاص الضغوط، بل خرجت من المواجهة وقد باتت نقاط قوتها أكثر وضوحا. وتقول ليزي سي لي، الباحثة في معهد سياسة جمعية آسيا، إن “الصين لم تعد مجرد متابع سريع، بل أصبحت نموذجا مختلفا للتنمية قد يكون أكثر قابلية للاستمرار، وربما أكثر واقعية”.

Mining machine is seen at the Bayan Obo mine containing rare earth minerals, in Inner Mongoliaالمعادن النادرة تمثل ورقة الضغط الأهم بيد بكين في مواجهة الصناعات الأميركية (رويترز)بكين تملك أوراق قوة

ولطالما ساد الاعتقاد أن معجزة النمو الصينية تحمل في طياتها هشاشة بنيوية، وهو ما غذّته توقعات متكررة بانهيار وشيك، لكن بلومبيرغ تشير إلى أن هذه الرؤية باتت “مجهدة” أمام واقع أن الصين تحقق أداء قويا في عدد كبير من الجبهات في آن واحد.

أبرز هذه الجبهات هي سيطرة الصين شبه الكاملة على سلاسل توريد المعادن النادرة، وهي مواد أساسية في صناعة المغناطيسات القوية، وشاشات الهواتف، والإشارات الرقمية، ومئات التطبيقات الصناعية والعسكرية.

وتوضح بلومبيرغ أن القيود التي فرضتها بكين على تصدير هذه المعادن تهدد قطاعات أميركية حيوية، من السيارات الكهربائية والأقمار الصناعية إلى الطيران والإلكترونيات الاستهلاكية.

ويقول دانيال روزن، الشريك المؤسس لمجموعة “روديوم”، إن محاولات أميركا بناء قدرات محلية في هذا المجال “ستستغرق سنوات لمعالجة الاعتماد المفرط الحالي على الصين”.

كما تعتمد الولايات المتحدة على الصين في مكونات نحو 700 دواء، وهي حساسية لم تُطرح حتى على طاولة المفاوضات التجارية الأخيرة. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أوقفت الصين صادرات رقائق حاسوبية تنتجها شركة “نيكسبيريا” المملوكة لها، مما تسبب في تباطؤ إنتاج شركات سيارات يابانية كبرى، في إشارة إضافية إلى قدرة بكين على إحداث اضطراب واسع عندما تريد.

سباق التكنولوجيا والطاقة

في مقابل ذلك، تملك أميركا نقاط ضغط محدودة، أبرزها هيمنتها على الرقائق المتقدمة المستخدمة في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وقد حظر ترامب على شركة “إنفيديا” بيع أحدث رقائقها -المعروفة باسم “بلاكويل”- إلى الصين.

لكن هونغبين لي، المشارك في إدارة مركز ستانفورد لاقتصاد الصين، يرى أن بكين لا تزال في موقع أفضل، قائلا: “هل يمكننا العيش من دون أدوية أو معادن نادرة؟ لا. هل يمكن للصينيين العيش من دون رقائق إنفيديا؟ نعم، يمكنهم”.

وتلفت بلومبيرغ إلى أن شركات صينية عدة وجدت طرقا للالتفاف على قيود التصدير، سواء عبر شبكات تهريب أو شركات واجهة، في حين تعمل شركات كبرى مثل “هواوي” على تطوير رقائق محلية أقل تطورا لكنها كافية لإنتاج منتجات تنافسية.

أما في الطاقة النظيفة، فتشير البيانات إلى أن الصين تبني طاقة شمسية تعادل ضعف ما تبنيه أميركا وأوروبا مجتمعتين، وتنتج 70% من السيارات الكهربائية عالميا، وتتصدر تقنيات البطاريات. وفي معرض شنغهاي للسيارات هذا العام، عرضت شركة “بي واي دي” بطارية تُشحن “تقريبا بالكامل خلال 5 دقائق”.

وفي عام 2024، ركبت الصين عددا من الروبوتات الصناعية يفوق ما ركبه باقي العالم مجتمعا، بينما تهيمن شركة “دي جي آي” على 70% من سوق الطائرات المسيّرة التجارية، مع تفوق واضح في التطبيقات العسكرية مقارنة بالولايات المتحدة.

Flag of America and China on Chipset for semiconductor industry, 3d rendering; Shutterstock ID 2368430567; purchase_order: d; job: ; client: ; other:براءات الذكاء الاصطناعي تعكس توسع الصين في الصناعات المستقبلية (شترستوك)منافسة طويلة الأمد.. بلا أوهام انهيار

ورغم هذا التقدم، فلا تغفل بلومبيرغ التحديات العميقة التي تواجه الصين، من أزمة عقارية أهدرت تريليونات الدولارات، إلى ضغوط انكماشية، وشيخوخة سكانية ستفقد البلاد ربع قوتها العاملة خلال 25 عاما.

كما تحذر من خطر الوقوع في “فخ الدخل المتوسط”، وهو ما تسعى الخطة الخمسية الجديدة للحزب الشيوعي الصيني لتجاوزه عبر التركيز على “صناعات المستقبل”، مثل الفضاء والحوسبة الكمية.

لكن الخلاصة -التي يخلص إليها تقرير بلومبيرغ- هي أن الرهان على إضعاف الصين أو انتظار انهيارها لم يعد واقعيا. فالصين، كما يقول التقرير، “خصم قوي ومصمم على توسيع مزاياه”، في حين تبدو الرغبة الأميركية في “هزيمتها” أقل انسجاما مع الواقع العالمي المتغير.

ويختم التقرير بالقول إن إعادة تقييم موقع الصين في النظام الدولي باتت ضرورة، “ليس إعجابا بنموذجها، بل لأن المراهنة على سقوطها ببساطة لن تنجح”.