يضيء اللبنانيون شوارع مدنهم وبيوتهم بأضواء العيد، يزينون الموائد ويجهزون الهدايا، ويضحكون مع الأطفال في لحظات من الفرح الصافي رغم صعوبة الحياة اليومية… يتجولون في الأسواق المكتظة، يختارون الهدايا الرمزية، ويستعيدون طقوسًا قديمة، محولين كل لحظة بسيطة إلى احتفال بالحياة.

في لبنان، لا يأتي العيد محمّلًا بالوفرة أو الرفاهية، لكنه محمّل بالتماسك والفرح القادر على مقاومة اليأس. يحتفل اللبنانيون ليس لأن الظروف مثالية، بل لأن العيد فعل صمود، وفرصة لتجديد الأمل، ورسالة واضحة بأن الحياة مستمرة وأن الفرح ممكن رغم كل التحديات.

الأسواق: ازدحام بلا ازدهار

في شوارع بيروت والمدن الكبرى، تلمع أضواء الزينة. واجهات المحال تزيّنت، لكن القدرة الشرائية لا تزال أسيرة أرقام مرهقة. جورج، صاحب متجر ألبسة في بيروت، يقول لـ “نداء الوطن”: الناس تدخل، تسأل عن الأسعار… ثم تغادر. العيد موجود، لكن الجيوب فارغة. التجوّل أصبح فعلًا اجتماعيًا أكثر منه شرائيًا”.

وتوضح نادين، أمّ لطفلين: “حتى زيارة المحال لشراء شيء صغير أصبحت مناسبة للابتسامة والتواصل الاجتماعي، أكثر من كونها شراء فعليًا. الناس تبحث عن أي شعور عادي بعيدًا من القلق”، “ورغم كل شيء، العيد فرصة لنقول لأطفالنا: الحياة مستمرة، والفرح ممكن. هذه الرسالة أهم من أي هدية أو طقس تقليدي”.

عيد ناقص

غياب ثقيل يفرض نفسه على المشهد. الهجرة، التي لم تعد خيارًا بل ضرورة لكثيرين، تحوّلت مكالمات الفيديو إلى طقس أساسي، تحاول سدّ فجوة المسافة، لكنها لا تلغي شعور الغياب.

يقول رامي، شاب هاجر إلى كندا منذ ثلاث سنوات: “العيد أصعب في الغربة. تفرح لأهلك، لكنك تشعر أنك خارج الصورة. تشاركهم اللحظة، لكنك لا تعيشها بالكامل”.

ورغم الغياب الجسدي، يبقى للمغتربين حضور اقتصادي مهم، إذ تحوّلت تحويلاتهم المالية إلى شريان حياة لآلاف العائلات، تساعد على إبقاء طقوس العيد ممكنة، ولو بحدّها الأدنى.

كلمات لا تطمئن

سياسيًا، تتكرّر المشهدية نفسها مع كل مناسبة. تهان بروتوكولية، بيانات رسمية، ودعوات عامة إلى الوحدة والسلام، تتكرر في كل عيد، لكنها غالبًا ما تبقى محصورة في الكلمات من دون ترجمة فعلية على أرض الواقع. اللبنانيون يسمعون هذه العبارات منذ سنوات، لكنهم نادرًا ما يرون أثرها على حياتهم اليومية، سواء في استقرار الأسعار، توفير الكهرباء، أو معالجة الملفات الأساسية مثل التعليم والصحة.

خطاب الأعياد، الذي كان يومًا ما مناسبة لإحياء الأمل والتفاؤل، بات يُستقبل اليوم بحذر شديد، إن لم نقل ببرودة واضحة. كثيرون ينظرون إليه كطقس شكلي، يقتصر على الإعلام والمظاهر الاحتفالية، بينما تبقى التحديات من دون حل. 

لماذا لا يزال العيد قائمًا؟

السؤال الجوهري يبقى: لماذا يواصل اللبنانيون الاحتفال رغم الأزمات؟ الجواب يبدو بسيطًا من حيث الكلمات، لكنه معقد عند النظر إلى التفاصيل. العيد لم يعد مناسبة للراحة أو الاطمئنان الكامل، بل تحوّل إلى فعل مقاومة صامتة، مقاومة لليأس اليومي، وللانهيار المستمر، ولشعور الغموض الذي يكتنف المستقبل. مع كل ضحكة، وكل شمعة، وفي كل جو عائلي بسيط، يعبّر اللبنانيون عن رفضهم الاستسلام للظروف، وعن قدرتهم على تحويل المحن إلى لحظات حياة واحتفاء.

ويضيف جورج، التاجر في بيروت: “الناس لا تنتظر من الدولة شيئًا اليوم، لكن العيد فرصة لتبادل الابتسامات ولو صغيرة. هذا الفعل البسيط يمنح شعورًا بأن الحياة تستمر، وأننا قادرون على تجاوز الصعاب ولو للحظة قصيرة. في وسط كل الأزمات، يصبح الفرح البسيط فعلًا ثوريًا من نوعه، يذكّرنا أننا ما زلنا أحياء ونملك القدرة على التمسك بالحياة”.