قد يكون لبنان هو المكان الأخير الذي يتوقع فيه أي مستثمر أجنبي أن يجني أرباحاً طائلة.
فمنذ خمس سنوات، والبلد يعاني من أعمق أزمة سياسية واقتصادية عصفت به في تاريخه الحديث: دولة تخلّفت عن سداد ديونها للمرة الأولى، عملة فقدت أكثر من 95% من قيمتها، واقتصاد انكمش بنحو 25% عام 2020 وحده. تحوّلت البنوك المحلية إلى كيانات “زومبي” تفتح أبوابها يومياً، فيما تُبقي أموال المودعين خلف خزائن موصدة.
من بين حطام الأزمة، نجحت مجموعة صغيرة من المستثمرين في تحقيق أرباح استثنائية من الاتجار في سندات لبنان الدولية المتعثرة (بصورة قانونية تماماً)، لدرجة أصبحت معها تلك السندات حديث مستثمري الأسواق الناشئة خلال العام الماضي، ودفعت عدداً من كبرى بيوت الاستثمار العالمية لمتابعة تطورات الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد عن كثب.
الانهيار يتحول إلى دجاجة تبيض ذهباً
لكن كيف تتحول أوراق مالية لدولة انهار اقتصادها إلى ما يشبه دجاجة تبيض ذهباً لمديري الصناديق والمحافظ الاستثمارية في لندن ونيويورك وكوبنهاغن؟
مع تخلُّف لبنان عن سداد الديون في 2020، انخفضت قيمة سندات اليوروبوند الحكومية لتصل إلى أقل من 6 سنتات أميركية للسند، أي أن حامل السند لم يعد قادراً على استرداد أكثر من هذه القيمة مقابل كل دولار مُستثمَر. بقي السعر يراوح مكانه خلال جائحة كورونا وكارثة انفجار مرفأ بيروت والفراغ في سدّة رئاسة البلاد والحكومة، دون أي إشارة إلى فرج قريب.
التحول بدأ مع الحرب الأخيرة بين إسرائيل وجماعة حزب الله عام 2024. دفعت الأحداث المتسارعة بعض المستثمرين للرهان على أن الصراع الذي تزامن مع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، سيؤدي إلى تراجع نفوذ حزب الله السياسي في لبنان، وانتخاب رئيس جمهورية، وتكليف رئيس حكومة قد تتخذ إجراءات لإعادة هيكلة المصارف والحصول على مساعدات معتبرة من صندوق النقد الدولي وحلفاء لبنان في المنطقة والعالم.
على وقع هذه الرهانات تضاعف سعر السندات بحلول شهر أكتوبر 2024 إلى نحو 13 سنتاً، قبل أن يستقر عند 24 سنتاً في شهر أكتوبر الماضي.
هذا يعني أن المستثمر الذي غامر بشراء السندات عند مستويات تقل عن 6 سنتات حقق مكاسب تقارب الـ 400%، وهو عائد من الصعب تحقيقه في أي من أسواق العالم، المتقدمة منها أو الناشئة.
ما هي فرص استمرار هذه المكاسب؟
اليوم، يرى بعض المحللين الذين تحدثت إليهم مؤخراً أن المسار التصاعدي لأسعار السندات اللبنانية بلغ حده الأقصى، في ظل غياب أي تقدم حقيقي على المسارين السياسي والاقتصادي، فلا الدولة تبدو قادرة على نزع سلاح جماعة حزب الله، أو حتى الاتفاق على خطة لإعادة هيكلة المصارف المحلية.
مالياً، تبقى العقدة الأساسية في الخلاف حول كيفية توزيع خسائر القطاع المالي والمصرفي، والتي تصل في بعض التقديرات إلى نحو 80 مليار دولار، بين الدولة والمصرف المركزي والبنوك المحلية. يرفض أصحاب المصارف تحمّل العبء بمفردهم، فيما يخشى سياسيون كثر مصارحة ناخبيهم بالحقيقة المرة: استعادة القيمة الكاملة والحقيقية للودائع باتت شبه مستحيلة.
وسط هذا الواقع، يبدو التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي -وهو المدخل الضروري لمساعدات كبيرة من دول الخليج والمجتمع الدولي- أمراً بالغ الصعوبة.
في نهاية المطاف، تعكس السندات اللبنانية الحقيقة المجردة: نعم، قفزت الأسعار، لكنها ما زالت دون ربع القيمة الاسمية. أرباح قياسية لمن دخلوا مبكراً، لكن لبنان واقتصاده لم يخرجا من القاع.
