الفنان الإنجليزى العملاق مايكل كين (٩٢ عامًا) لا يتوقف عن إعلان عزمه اعتزال التمثيل، لكنه يعود كل مرة حتى فى هذه السن المتقدمة لديه رغبة عارمة فى الحياة والاستمرار فى أداء مهنة أبدع فيها، وجعلته أحد أعظم الممثلين الإنجليز. قبل أيام، أعلن- على هامش تكريمه فى مهرجان البحر الأحمر السينمائى- اعتزاله للمرة الرابعة. قال: «واصلت التمثيل حتى التسعين. لن أفعل شيئا آخر. حالفنى الحظ خلال مسيرتى الفنية. الأدوار الوحيدة التى أحصل عليها حاليا لرجال مسنين فى التسعين. الأفضل أن أغادر المكان فى ذروة تكريمى».

هناك مهن فى الحياة تتيح لمن يعملون فيها أن يستمروا لأطول فترة ممكنة. مهن إبداعية تعتمد على العقل والابتكار والموهبة مثل الأدب والفن والثقافة والكتابة. يمكن لأصحاب هذه المهن أن يواصلوا العمل إذا كان لديهم القدرة وتوفرت الظروف. لكن هناك أعمالا أخرى تقف طبيعتها بالمرصاد لمن يريد أن يواصل فيها. قد تعتمد تلك المهن على الموهبة، لكن القدرة الجسدية هى العامل الحاسم. الرياضة يلعب الزمن دورا كبيرا فيها. عندما يصل اللاعب إلى سن معينة يطالبه الآخرون بالاعتزال. يحاول إقناعهم بأنه قادر على اللعب سنوات أخرى. لكنه فى الغالب لا ينجح. هناك عتبة عُمرية لا يجب أن يتجاوزها اللاعب. فى كرة القدم مثلا هى ٣٥ عاما. لا يمر من تلك العتبة سوى قلة قليلة للغاية من اللاعبين. نجمنا المبدع محمد صلاح (٣٣ عاما) يقول إنه يعتزم مواصلة اللعب حتى التاسعة والثلاثين أو الأربعين، لكنه سيتوقف إذا شعر بأنه لم يعد قادرا بغض النظر عن الموعد المحدد.

فى كل الأحوال، هامش الحركة أمام صلاح وزملائه فى اللعبة ضيق كثيرا. بعكس مهن أخرى. مايكل كين كانت لديه «الأريحية» كى يعلن اعتزاله التمثيل ثم يعود. عام ٢٠٠٩، قال لأول مرة إنه سيعتزل، ثم تراجع وشارك فى بطولات عديدة. ثم تقاعد مجددا عام ٢٠٢١، بعد أن لعب دورا روائيا فى فيلم «أفضل المبيعات»، لكنه عاد للتمثيل فى فيلم «العصور الوسطى». فى عام ٢٠٢٣ أعلن مجددا الاعتزال، ثم عاد. لا أحد تقريبا يريد الابتعاد عن عمل ما يحب، إلا إذا كانت هناك ظروف قهرية مفروضة عليه. الحياة ليست عادلة. قد تُجبر أبناء مهنة فى الثلاثين من أعمارهم على التقاعد، بينما تتيح الفرصة لأصحاب مهن آخرين أن يستمروا فى أعمالهم حتى سِن متقدمة أو نهاية العمر.

ليس لذلك علاقة كبيرة بالموهبة أو الذكاء أو ظروف النشأة. كين يقول: «وُلدتُ فى عائلة متواضعة للغاية. تعليمى لم يكن جيدا. لكن الحياة كانت سخية معى. لست ثرياً، لكن لدىَّ من المال ما يكفى لقضاء أمسية جيدة فى الخارج أو حتى داخل المنزل». بالطبع يتمتع الممثل الكبير بموهبة طاغية مكنته من الفوز مرتين بالأوسكار، لكن هناك ممثلين آخرين فازوا بالجائزة واعتزلوا مبكرا. كين أصدر، العام الماضى، مذكراته بعنوان: «لا تنظر للخلف، ستتعثر: دليلى للحياة». هذا العنوان هو فلسفته على ما يبدو.. واصل الحياة حتى الرمق الأخير.