واشنطن- منذ عودته للبيت الأبيض، يتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب سياسات متشددة بخصوص ترحيل المهاجرين غير النظاميين والتضييق على النظاميين والزائرين والسياح، وصولا إلى حظر دخول مواطني عشرات الدول منها الحليفة.
وفي إستراتيجيته لعام 2025 والتي كشفها الأسبوع الماضي، أدخل الرئيس دونالد ترامب قضية الهجرة عنصرا أساسيا للأمن القومي الأميركي ووصف “غير المنضبطة” منها بأنها “غزو”.
ورفعت الإستراتيجية قضايا غير تقليدية كأمن الحدود إلى أولوية قصوى، وهو تحول كبير عما عرفته الولايات المتحدة خلال تاريخها الحديث.
ويكرر ترامب أن الهجرات النظامية ساهمت في تغيير شكل أميركا وخريطتها الديمغرافية والدينية والسياسية، في حين ينظر إلى الهجرة غير النظامية كتهديد عابر للحدود مرتبط بالإرهاب وتهريب المخدرات والاتجار بالبشر.
ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض للمرة الأولى عقب انتخابات 2016، اتبع ترامب سياسة دراكونية (شديدة القسوة) ضد المهاجرين غير النظاميين، وحظر دخول مواطني عدة دول إسلامية بالأساس.
سياسات متشددة
وبعد عودته الثانية عام 2024، يتخذ ترامب سياسات متشددة فيما يتعلق بترحيل المهاجرين غير النظاميين، وحظر دخول مواطني عشرات الدول، والتضييق على المهاجرين النظاميين والزوار والسياح لتشمل مواطني الدول الصديقة والحليفة لواشنطن.
ووعد في فترة حكمه الأولى ببناء سور أو جدار فاصل على طول الحدود الأميركية المكسيكية من أجل وقف تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء من دول أميركا الوسطى والمكسيك. وجدد تعهداته خلال ولايته الثانية، وأغلق الحدود الجنوبية وبدأ بترحيل مئات الآلاف من المهاجرين.
ويرى عدد من المعلقين أن ترامب يلعب على وتر قلق ومخاوف الأغلبية البيضاء خاصة من مسيحيي الجنوب الأميركي من الانخفاض المستمر في أعداد البيض بين سكان الولايات المتحدة، خاصة أن الدولة الأميركية تأسست على يد مهاجرين أوروبيين بيض قبل قرنين ونصف القرن.
لكن ومنذ ستينيات القرن الماضي أصبحت البلاد قبلة المهاجرين من مختلف أنحاء العالم؛ فقد هاجر لأميركا خلال نصف القرن الأخير نحو 76 مليونا من دول أميركا الوسطى وآسيا بصفة أساسية، وهو ما جعلها وناخبيها أكثر تنوعا واختلافا عما يعتقد كثيرون.
ويبلغ عدد سكان أميركا اليوم حوالي 342 مليون نسمة، منهم 61% من البيض مقابل 18.9% من الهيسبانيك (من المكسيكيين الكاثوليك بالأساس)، و12.6% من السود الأفارقة، و6% من الآسيويين، والبقية متنوعة، طبقا لبيانات معهد سياسات الهجرة بواشنطن.
سيضطر المزيد من زوار الولايات المتحدة إلى الكشف عن نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي بموجب خطط جديدة من إدارة ترامب، وهي أحدث خطوة في عدد من الإجراءات الموجهة للسياح والمقيمين المولودين خارج البلاد.
وسيتعين على مواطني الدول التي تعتبر تقليديا حليفة منخفضة المخاطر تقديم معلومات على حساباتهم عند وصولهم إلى المطارات الأميركية.
مضمون الإجراء
وبموجب خطط أعلنها البيت الأبيض قبل يومين، سيخضع المسافرون من 42 دولة، أغلبها أوروبية غربية حليفة لواشنطن، لهذا التدقيق الذي قد يخترق حواجز الخصوصية الشخصية، ويعد مخالفا لحرية التعبير المنصوص عليها في الدستور الأميركي.
وحتى الآن، كان المسافرون من هذه الدول يتمتعون بإعفاء التأشيرة، مما يعني أنه يمكنهم السفر إلى الولايات المتحدة لمدة تصل إلى 90 يوما دون التقديم على تأشيرة، طالما حصلوا على التصريح عبر النظام الإلكتروني لتصريح السفر “إي إس تي إيه” (ESTA).
وتلزم الإجراءات الجديدة المسافرين بمشاركة سجل حساباتهم على وسائل التواصل وأرقام هواتفهم وعناوين بريدهم الإلكتروني خلال السنوات الخمس الأخيرة كجزء من عملية تصريح السفر.
ويقول الأمر التنفيذي المتعلق بهذا الإجراء إنه “يجب على الولايات المتحدة أن تضمن أن الأجانب المقبولين والأجانب الموجودين بالفعل في البلاد لا يحملون مواقف عدائية تجاه مواطنيها، أو ثقافتهم، أو حكومتهم، أو مؤسساتها، أو مبادئهم التأسيسية، ولا يدافعون أو يدعمون الإرهابيين الأجانب المصنفين أو التهديدات الأخرى لأمننا القومي”.
ويتوقع أن يطبق باستخدام أدوات مراقبة مدعومة بالذكاء الاصطناعي. وحذر عدد من الخبراء القانونيين وجماعات حقوق الإنسان من أن البرنامج يستهدف بشكل خاص الأفراد الذين يبدو أنهم يعبرون عن دعمهم لمنظمات مصنفة أميركيا “إرهابية” مثل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أو حزب الله، وكذلك من يدافعون عن حقوق الفلسطينيين.
وأثار هذا الإجراء مخاوف واسعة خاصة مع توقع تدفق كبير للسياح الأجانب العام المقبل، حيث تستضيف كأس العالم لكرة القدم للرجال إلى جانب كندا والمكسيك، كما ستستضيف دورة الألعاب الأولمبية 2028 في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا.
أسباب سياسية
في حديث للجزيرة نت، أشار محامي الهجرة الأميركي ذو الأصول المصرية حسام عبد الكريم، إلى تبني إدارة ترامب مبادرة فرض رسوم تقديم سنوية قدرها 100 ألف دولار لإصدار تأشيرات “إتش-1بي” (H-1B).
وتحتاج الشركات الأميركية، خاصة التكنولوجية والطبية، مئات الآلاف من المهندسين والأطباء في ضوء النقص الكبير الذي تشهده الولايات المتحدة مع تزايد الطلب باستمرار في هذين القطاعين.
كما تحدث عبد الكريم عن شكاوى الكثيرين من حملة بطاقات الإقامة الدائمة (غرين كارد) من تأخر معاملاتهم المتعلقة بحصولهم على الجنسية الأميركية عبر إلغاء بعض المقابلات أو تأجيل مراسم أخذ قسم الولاء الأميركي.
وأكد أنه يتم تأجيل أو إلغاء العديد من المقابلات لأسباب سياسية أو اقتصادية منذ عودة ترامب للبيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي.
وعقب قتل مهاجر أفغاني جنديا من قوات الحرس الوطني بالعاصمة واشنطن وإصابة آخر قبل نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تم الإعلان عن حظر دخول مواطني 19 دولة.
كما أوقفت كل خدمات ومعاملات إدارة المواطنة والهجرة مع طلبات الهجرة من هذه الدول بعدما اعتبرتها إدارة ترامب دولا عالية الخطورة. وأضاف ترامب أمس الأول الثلاثاء 20 دولة إلى قائمة الحظر، مما رفع العدد إلى 39.
ومن بين هذه الدول موريتانيا والسنغال وسوريا وليبيا والسودان والصومال وأريتريا وفلسطين وليبيا وإيران.
وقالت وزارة الأمن الداخلي إنه “في ضوء المخاوف المحددة والتهديد الذي يواجه الشعب الأميركي، تقرر إعادة مراجعة شاملة، وإعادة مقابلة لجميع الأجانب من دول عالية الخطورة والذين دخلوا البلاد في أو بعد 20 يناير/كانون الثاني 2021”.
وطبقا لتقديرات مركز “بيو” للأبحاث، فإنه يوجد في الولايات المتحدة نحو 11 مليون مهاجر غير نظامي، أغلبهم من المكسيك ودول أميركا الوسطى. وتعهد ترامب بالقبض على مئات الآلاف منهم وربما الملايين، وترحيلهم.
ويمثل ترحيلهم عرفا سارت عليه كل الإدارات السابقة، غير أن الجديد أن ترامب يستخدم هذه القضية أساسا مهما لحملة حزبه الجمهوري لانتخابات الكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وركزت الإدارات السابقة الجمهورية والديمقراطية على مرتكبي الجرائم من المهاجرين غير النظاميين، في حين يعتبر ترامب أن مجرد دخول المهاجر الأراضي الأميركية بصورة غير نظامية تجعله مجرما.
ووفقا لبيانات وزارة الأمن الداخلي، تم ترحيل أكثر 605 آلاف مهاجر، في حين غادر نحو 1.9 مليون مهاجر غير نظامي طوعا منذ عودة ترامب للبيت الأبيض.
