ممثل ومخرج ومنتح وكاتب وناشط سياسي ليبرالي أميركي عرف بانتقاده الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ولد عام 1947، ووُجد مقتولا في منزله أواخر 2025. هو أحد أبرز صناع السينما في هوليود، واشتهر بتجسيده شخصية مايكل ستيفيك في مسلسل “كل من في العائلة” (1971-1979)، إضافة إلى  إخراجه أعمالا شهيرة من بينها “هذا هو سبينال تاب” عام 1984، و”الأميرة العروس” عام 1987، و”عندما التقى هاري بسالي” عام 1989 و”بضعة رجال طيبين” عام 1992.

المولد والنشأة

ولد روب راينر يوم 6 مارس/آذار 1947 في حي برونكس في نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية، ونشأ في حي نيو روشيل، ثم انتقل مع عائلته إلى لوس أنجلوس عام 1959.

وراينر سليل عائلة فنية أصولها يهودية، فهو الابن البكر للمنتج والممثل الكوميدي كارل راينر، مبتكر “عرض ديك فان دايك” (1961-1966) الحائز على جائزة إيمي، والممثلة والمغنية إستيل راينر.

ولراينر أشقاء انخرطوا مثله في المجال الفني، فشقيقته سيلفيا آن راينر شاعرة وكاتبة مسرحية ومؤلفة، وشقيقه لوكاس راينر رسّام وممثل ومخرج.

تعلّق راينر بأبيه الذي كان قدوته في مساره الفني، لكنه كان يشعر بالضغط أحيانا نتيجة مقارنته بوالده الذي حصد 12 جائزة إيمي إضافة إلى جوائز مرموقة أخرى.

(FILES) Actor Rob Reiner (C), his wife actress Michele Reiner (R) and their daughter Rony Reiner attend the Friars Club Entertainment Icon Award ceremony at the Ziegfeld Ballroom on November 12, 2018, in New York City.الممثل روب راينر مع زوجته ميشيل وابنتهما روني في حفل توزيع جوائز نادي فرايرز لأيقونات الترفيه عام 2018 (الفرنسية)

وقال راينر إنه وجد صعوبة في الخروج من ظل والده، ففي مقابلة له مع مجلة “ذا أتلانتك”عام 2017 قال “لم أشعر بالضغط من والدي بقدر ما شعرت به من داخلي، لأنه حقق نجاحا هائلا جعلني أفكر: لا أعرف إن كنت سأتمكن يوما من تجاوز هذا السقف”.

من جهة أخرى ألهمته والدته ووجّهته نحو الإخراج، فقد ساعدته خبرتها في الغناء على فهم كيفية توظيف الموسيقى داخل المشهد السينمائي.

تزوج راينر مرتين، الأولى من بيني مارشيال عام 1971 وأنجبا طفلا ثم تطلقا عام 1981، والثانية من ميشيل سينغر يوم 19 مايو/أيار 1989، وأنجبا 3 أبناء، وقد التقاها عام 1989 بعد تعارفهما في كواليس الفيلم الكوميدي الرومانسي “عندما التقى هاري بسالي”.

ولراينر 4 أبناء هم: تريسي ونيك ورومي وجيك.

الدراسة والتكوين العلمي

التحق راينر بمدرسة بيفرلي هيلز الثانوية، ودرس مع فنانين صاعدين أمثال ألبرت بروكس وريتشارد دريفوس أعز أصدقائه، الذي أخرج له فيلم “ابق بجانبي” عام 1898.

وكان يشارك أثناء العطل الصيفية في عروض مسرحية موسمية، وعقب تخرجه من الثانوية نصحه والداه بالمشاركة في المسرح الصيفي، فعمل متدرّبا في مسرح مقاطعة باكس بولاية بنسلفانيا.

التحق راينر بكلية السينما بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس عام 1964، وأسهم فيها بتأسيس فرقة ارتجال مسرحي حملت اسم “ذا سيشن”، ثم انضم إلى فرقة “ذا كوميتي”، وهي مجموعة مسرحية عرفت بانخراطها في القضايا السياسية وكان مقرّها سان فرانسيسكو.

(FILES) US Vice President and Democratic presidential candidate Al Gore (L) listens to US actor and director Rob Reiner while participating in a children's health care forum at University Medical Center in Cleveland, Ohio, on August 13, 2000.آل غور نائب الرئيس الأميركي (يسار) مع روب راينر أثناء مشاركته في منتدى رعاية صحة الأطفال عام 2000 (الفرنسية)التجربة الفنية

بدأ راينر مسيرته الفنية بالظهور في مسلسلات تلفزيونية مثل “مرحبا أيها المالك” و”عرض آندي غريفيث” و”سكان بيفرلي هيلز”، ثم سجّل أول حضور له على الشاشة الكبيرة في فيلم “ادخل ضاحكا” عام 1967، وهو أول عمل إخراجي لوالده.

ولاحقا لفت انتباه تومي سموذرز أثناء أدائه مع فرقة “اللجنة”، فاستُعين به كاتبا في برنامج “ساعة كوميديا الأخوين سموذرز” بين عامي 1967 و1968.

وشكّلت مشاركته في المسلسل الكوميدي الشهير “الكل في العائلة” بين عامي 1971 و1979 نقطة الانطلاقة الكبرى في مسيرته، إذ جسّد شخصية مايكل ستيفيك.

واستثمر المسلسل الصراع الكوميدي لمعالجة قضايا اجتماعية وسياسية حساسة في المجتمع الأميركي، أبرزها الحقوق المدنية وحرب فيتنام، مما أكسب راينر شهرة وطنية وجائزتي إيمي لأفضل ممثل مساعد في عمل كوميدي عامي 1974 و1978.

ومنذ ذلك النجاح رسّخ راينر حضوره واحدا من أبرز الأسماء في الساحة الفنية الأميركية، قبل أن ينتقل لاحقا إلى مسيرة إخراجية لافتة قدّم فيها أعمالا أصبحت من كلاسيكيات السينما.

(FILES) US director Rob Reiner (R) and US actors Morgan Freeman (C) and Jack Nicholson pose during the photocall of the movie "The Bucket list" directed by Reiner on January 17, 2008 in Paris.روب راينر (يمين) مع مورغان فريمان (وسط) وجاك نيكلسون في جلسة تصوير فيلم “قائمة الأمنيات” عام 2008 (الفرنسية)الإخراج

على الرغم من مشاركته بدور متكرر في أحد أنجح المسلسلات التلفزيونية الأميركية “الكل في العائلة” منذ عام 1971، فإن راينر شعر أن هذا النجاح التمثيلي لا يعبّر بالكامل عن طموحه الفني، فبدأ مسيرته الإخراجية بأفلام حصلت على ترشيحات للأوسكار.

وكان من بين هذه الأفلام فيلم “هذا هو سباينال تاب”، الذي شارك في صنعه مع كريستوفر غيست وهاري شيرر ومايكل مكين، وظهر فيه بدور مخرج الفيلم الخيالي مارتي ديبيرغي.

ويُنسب إلى هذا الفيلم ابتكار شكل “السخرية الوثائقية” (المعروفة بموكيومنتري)، وكتب راينر لاحقا أن الفيلم “أسّس صيغة سردية جديدة.. وغيّر الطريقة التي يتحدث ويفكر بها الناس حول صناعة الموسيقى”.

ومن أفلامه الأخرى التي أخرجها فيلم “قف بجانبي” المقتبس عن قصة للكاتب الأميركي ستيفن كينغ عام 1986، والذي حقق نجاحا جماهيريا واسعا وأسهم في إطلاق مسيرة عدد من نجومه الشباب.

وفي عام 1987، أخرج راينر فيلم “الأميرة العروس” المقتبس عن رواية لويليام غولدمان، وهو فانتازيا ساخرة تمزج المغامرة بالرومانسية والكوميديا الذكية، ورغم ارتباك شركات التوزيع في تسويق الفيلم عند صدوره، فإنه تحوّل لاحقا إلى عمل محبوب على نطاق واسع.

في عام 1987، وبعد سلسلة من النجاحات الجماهيرية، أسس راينر شركة الإنتاج الخاصة به التي أسماها “كاسل روك إنترتينمنت”، نسبة إلى مدينة خيالية ابتكرها الكاتب ستيفن كينغ، وأسسها بالشراكة مع مارتن شافر وأندرو شاينمان وغلين بادنيك وآلان هورن، وأنتجت عددا من أفلامه اللاحقة المرشحة لجوائز الأوسكار، قبل أن تباع لاحقا لشركات إعلامية كبرى.

FILE - Rob Reiner, left, and Sally Struthers introducing the "In Memoriam" segment with a tribute to Norman Lear during the 75th Primetime Emmy Awards at the Peacock Theater, Jan. 15, 2024, in Los Angeles. (AP Photo/Chris Pizzello, File)روب راينر وسالي ستروثرز يقدمان فقرة “في ذكرى الراحلين” في حفل توزيع جوائز إيمي الـ75 عام 2024 (أسوشيتد برس)

ومن أبرز أعماله التي أخرجها تحت مظلة هذه الشركة، فيلم “عندما التقى هاري بسالي” عام 1989، وعدّ مرجعا أساسيا في صياغة الكوميديا الرومانسية الحديثة، وفيلم “بؤس” عام 1990 و”بضعة رجال طيبين” عام 1992، وتناول محاكمة عسكرية لمشاة البحرية، بمشاركة نخبة من نجوم هوليود بينهم توم كروز وديمي مور وجاك نيكلسون، وحصل الفيلم على 4 ترشيحات للأوسكار، من بينها جائزة أفضل فيلم.

وعلى الرغم من نجاحه الكبير، فإن بعض أفلامه لم تحظ بشعبية كبيرة مثل “الشمال” عام 1994، بالمقابل لاقى فيلما “الرئيس الأميركي” عام 1995 و”أشباح مسيسيبي” عام 1996 قبولا أفضل نسبيا. وفي عام 2007 أخرج فيلم “قائمة الأمنيات”.

وفي عام 2024 أنتج الوثائقي “الله والوطن”، الذي تناول صعود القومية المسيحية في الولايات المتحدة، محذرا من تهديدها للديمقراطية، وداعيا إلى إعادة فتح قنوات الحوار بين الأميركيين.

وعلى الرغم من تركيزه على الإخراج، فإن راينر واصل الظهور ممثلا بين الحين والآخر، وكان آخر ظهور له مشاركته في الموسم الرابع من مسلسل “الدب” عام 2025.

كما واصل راينر الإخراج حتى سنواته الأخيرة، وأنتج فيلمه الأخير الروائي “سباينال تاب 2: النهاية مستمرة” في سبتمبر/أيلول 2025، مختتما مسيرة طويلة اتسمت بالتنوّع والقدرة على التنقّل بين السخرية والدراما والسياسة.

وظهر راينر في أدوار شرفية في مسلسلات تلفزيونية متنوعة مثل “30 روك” و”عائلة سيمبسون” و”هانا مونتانا”، وفي أفلام من بينها “نادي الزوجات الأُول” و”رصاص في برودواي” و”الألوان الأساسية” و”ألقِ ماما من القطار”، إلى جانب أعمال أخرى.

(FILES) Democratic Presidential candidate Governor Howard Dean (L) is greeted by actor Martin Sheen (C) and actor/director Rob Reiner (R) as he campaigns at the Iowa State Fairgrounds in Des Moines, Iowa, on January 14, 2004.مارتن شين (وسط) مع روب راينر (يمين) والمرشح الديمقراطي للرئاسة هوارد دين أثناء حملته الانتخابية عام 2004 (الفرنسية)التجربة السياسية

كان راينر ناشطا في قضايا ليبرالية متعددة، لا سيما دعم التعليم المبكر والرعاية الصحية، وشارك في حملات سياسية وتشريعية تركت أثرا ملموسا في ولاية كاليفورنيا، منها قيادته مبادرة شعبية بهدف فرض ضريبة على السجائر لتمويل برامج الطفولة المبكرة.

وشارك في تأسيس المؤسسة الأميركية للمساواة في الحقوق، وهي جهة استشارية دافعت عن زواج الشواذ، وشارك في عدد من التجمعات والخطابات العامة، داعيا إلى التغيير الاجتماعي في قضايا مثل العنف الأسري والتدخين.

وفي مقابلة مع “سي إن إن” قال راينر “نحن عند مفترق طرق بين الديمقراطية والاستبداد.. نريد للناس أن يبدؤوا بالحديث مع بعضهم بعضا”، وكان من أقواله الشهيرة “لا يمكنك الموازنة بين السياسة وصناعة الأفلام.. إما هذا أو ذاك”.

وفي سنواته الأخيرة، حذر راينر من أن صعود ترامب السياسي يشكل تهديدا للديمقراطية الأميركية، ودعم الحملة الانتخابية للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس ضد ترامب عام 2024.

وعرف راينر بمهاجمته المستمرة لترامب في أكثر من مناسبة، ففي عام 2017 قال لمجلة “فيرتي” في مهرجان دبي السينمائي إن ترامب “غير مؤهل ذهنيا لتولي منصب الرئيس، ليس فقط لأنه لا يفهم كيف تعمل الحكومة، بل لا يهتم بمحاولة معرفة كيفية عملها”.

وقال راينر عام 2023 “لدينا مرشح واحد، ترامب، يخبركم صراحة أنه سيحكم بأسلوب سلطوي”، وتابع “هل نريد الفاشية؟.. هل نريد استمرار الديمقراطية أم الانزلاق نحو الفاشية؟”.

Flowers are placed at Rob Reiner's star on the Hollywood Walk of Fame, after the actor-director and political activist and his wife were found dead, in Los Angeles, California, U.S., December 15, 2025. REUTERS/Daniel Coleنجمة روب راينر في ممشى المشاهير بهوليود (رويترز)مقتله

عثر على راينر وزوجته جثتين هامدتين في قصرهما بجنوب كاليفورنيا يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2025، وكانت فرق الإطفاء قد استجابت لبلاغ يطلب مساعدة طبية في منزل الزوجين، وأفادت معلومات بأن ابنتهما رومي، التي تقيم في منزل مقابل، هي التي عثرت عليهما.

وأثارت الحادثة ردود فعل واسعة، من بينها رسالة تعزية من الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، الذي قال إن إنجازات راينر في السينما والتلفزيون “منحتنا بعضا من أكثر قصصنا المحببة على الشاشة”.

في المقابل، استغل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحادث لمهاجمة راينر عبر منصته “تروث سوشيال”، قائلا إن وفاته جاءت نتيجة “الغضب الذي سببه للآخرين” من خلال معاناته من “مرض عقلي يُعرَف باسم متلازمة اضطراب ترامب”، في إشارة إلى مواقف راينر السياسية الناقدة له.

وقد قوبلت تصريحات ترامب بإدانات واسعة من مشرعين وشخصيات عامة ونجوم في هوليود، اعتبروا تعليقاته مسيئة، في حين وصف غافن نيوسوم حاكم ولاية كاليفورنيا ترامب بأنه “رجل مريض”، مقدما في الوقت نفسه تعازيه لأسرة راينر، ومعبّرا عن حزنه العميق لرحيل روب راينر وزوجته.

وأعلنت شرطة لوس أنجلوس يوم 16 ديسمبر/كانون الأول 2025 اعتقال نيك راينر، نجل الممثل والمخرج روب راينر، للاشتباه في تورطه في مقتل والديه داخل منزلهما بحي برينتوود غرب المدينة، في قضية وصفتها السلطات بـ”المأساوية”.