ونقلت الصحيفة، يوم الأربعاء 17 ديسمبر (كانون الأول)، عن مصدر مطّلع رفض الكشف عن هويته، أنه في منتصف فبراير (شباط) من العام الماضي، حين زار نتنياهو البيت الأبيض بصفته أول زعيم أجنبي يلتقي ترامب بعد وصوله حديثاً إلى الرئاسة، عرض أربعة سيناريوهات لكيفية تنفيذ هجوم على إيران.

وأظهر نتنياهو أولاً لترامب كيف ستجري العملية في حال نفذت إسرائيل هجوماً أحادياً. أما الخيار الثاني فكان أن تتقدم إسرائيل بالهجوم مع حد أدنى من الدعم الأميركي، والخيار الثالث هو التعاون الكامل بين الحليفين، فيما كان الخيار الرابع أن تتولى الولايات المتحدة قيادة العملية.

وعقب ذلك بدأت أشهر من التخطيط الاستراتيجي السري والمكثف.

تفاصيل حملة التضليل

وبحسب شخصين مطلعين على الملف، كان ترامب يرغب في منح المفاوضات النووية مع إيران فرصة، لكنه في الوقت نفسه واصل تبادل المعلومات والتخطيط العملياتي مع إسرائيل.

وقال أحد هذين المصدرين: «المنطق كان أنه إذا فشلت المفاوضات، نكون مستعدين للتحرك».

وكان قادة إسرائيل يعتقدون أن إتاحة الفرصة للدبلوماسية مهمة للرأي العام العالمي، في حال اتُّخذ القرار النهائي بمهاجمة إيران، إلا أنهم كانوا قلقين من أن يُقدم ترامب، بدافع رغبته في التوصل إلى اتفاق، على قبول اتفاق سيئ.

وفي أواخر أبريل (نيسان) الماضي، منح ترامب طهران مهلة 60 يوماً للموافقة على اتفاق نووي، وانتهت هذه المهلة في 12 يونيو (حزيران) الماضي.

وسعى هو ونتنياهو إلى التصرف بطريقة تُبقي إيران غافلة عمّا سيحدث لاحقاً.

وقال ترامب في نهاية المهلة للصحافيين إن هجوماً إسرائيلياً على إيران «ممكن تماماً»، لكنه أكد في الوقت ذاته أن تفضيله هو التفاوض.

وفي تلك الفترة، أفاد مسؤولون إسرائيليون بأن رون ديرمر، المستشار المقرب من نتنياهو، رئيس جهاز “الموساد”، وديفيد بارنيا، سيلتقيان قريباً المبعوث الأميركي الخاص، ستيف ويتكوف، كما كان من المقرر عقد جولة جديدة من المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران في 15 يونيو.

لكن إسرائيل كانت قد اتخذت قرارها بالهجوم، وكانت الولايات المتحدة على علم تام بذلك.

وكانت الدبلوماسية المعلنة مجرد خدعة، وعمل مسؤولو البلدين على تغذية تقارير إعلامية تحدثت عن وجود خلاف بين واشنطن وتل أبيب.

ونقلت “واشنطن بوست” عن مصدرها قوله: «كل التقارير التي كُتبت عن أن نتنياهو لا يتفق مع ويتكوف أو ترامب لم تكن صحيحة. لكن نشوء هذا الانطباع كان مفيداً، لأنه ساعد في استمرار التخطيط دون لفت انتباه كبير».

الفرصة الأخيرة لواشنطن قبل اندلاع الحرب

حتى بعد بدء القصف وعمليات الاغتيال الإسرائيلية، قامت إدارة ترامب بمحاولة دبلوماسية أخيرة، فأرسلت سراً مقترحاً لحل الجمود في البرنامج النووي الإيراني.

وما لم تكن طهران تعلمه هو أن هذا المقترح كان الفرصة الأخيرة قبل أن يوافق ترامب على انضمام القوة العسكرية الأميركية إلى إسرائيل.

وكانت شروط الاتفاق، التي حصلت عليها “واشنطن بوست” ولم يُكشف عنها سابقاً، قاسية للغاية؛ إذ تضمنت إنهاء دعم طهران للقوى الوكيلة مثل حزب الله وحماس، وكذلك «استبدال» منشآت تخصيب الوقود في “فوردو” و«أي منشأة نشطة أخرى» بمراكز لا تتيح إمكانية التخصيب.

وفي المقابل، كانت الولايات المتحدة، وفق المقترح المرسل في 15 يونيو الماضي، ستلغي «جميع العقوبات المفروضة على إيران».

وبحسب دبلوماسي رفيع شارك في هذه العملية، رفضت طهران المقترح بعد وقت قصير من نقله إليها عبر دبلوماسيين قطريين، ليصدر ترامب بعدها أمره بشن الهجمات الأميركية.

“الموساد” سلّح أكثر من 100 عميل إيراني

دمّرت الطائرات المقاتلة والمسيّرات الإسرائيلية، إلى جانب عناصر منتشرة داخل إيران، أكثر من نصف منصات إطلاق الصواريخ الباليستية داخل إيران، وعطّلت ما تبقى من أنظمة الدفاع الجوي.

وفي هذه الهجمات، استُهدف القادة الكبار في الجيش والحرس الثوري الإيراني، كما قصفت الطائرات الإسرائيلية محطات توليد الكهرباء وأنظمة التهوية التي تعتمد عليها إيران لتشغيل أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في نطنز وفوردو.

وعقب ذلك نُفذت هجمات واسعة بواسطة قاذفات الشبح الأميركية من طراز B-2″”، إلى جانب وابل من صواريخ كروز «توماهوك».

ونقلت “واشنطن بوست” عن مسؤول أمني إسرائيلي رفيع شارك مباشرة في التخطيط للعملية قوله إن جهاز الموساد جنّد أكثر من 100 عميل إيراني داخل طهران، وزوّد بعضهم بـ «سلاح خاص» مكوّن من ثلاثة أجزاء لتنفيذ ضربات دقيقة ضد الأماكن العسكرية.

وأضاف المسؤول أن السلطات الإيرانية تمكنت من استعادة عدد من المنصات، لكنها لم تستعد الصواريخ ولا الجزء الثالث السري من السلاح.

وقد جرى تدريب فرق العملاء الإيرانيين داخل إسرائيل وفي أماكن أخرى، وكُلّفوا بمهام محددة دون إبلاغهم بأن هذه الأنشطة جزء من هجوم واسع على البرنامج النووي والصواريخ الباليستية الإيرانية.

وقال المسؤول الأمني الإسرائيلي: «هذه العملية غير مسبوقة في التاريخ. حشدنا أصولنا وعناصرنا كي يقتربوا من طهران ويباشروا العمليات البرية قبل أن تدخل القوة الجوية (الإسرائيلية) الأجواء الإيرانية».

وفي المراحل الأولى من الهجوم، استهدفت إسرائيل 11 من كبار العاملين في البرنامج النووي الإيراني في عملية أطلقت عليها اسم «نارنيا».

وبحسب التقرير، اختارت إسرائيل لهذا الغرض نحو 12 خبيراً نووياً بارزاً من قائمة أولية ضمت 100 شخص، وراقبت بدقة تحركات كل واحد منهم، بما في ذلك تنقلاتهم وأماكن سكنهم وعملهم.

وقال مسؤول استخباراتي إسرائيلي رفيع إن إسرائيل سعت إلى تقليل الخسائر الجانبية قدر الإمكان، رغم مقتل عدد من المدنيين خلال هذه الهجمات.