خولة علي (أبوظبي)
يطلُّ الفنان التشكيلي فارس الحمادي من بين نخبة المبدعين الإماراتيين، الذين يسهمون في إثراء المشهد الثقافي المحلي، في وقت تشهد فيه الساحة الفنية نهضة متجددة، تعكس تنامي الوعي الجمالي وتقدير الفنون البصرية في المجتمع المحلي. بريشة تنبض بالانتماء، اختار الحمادي أن يجعل من الفن التشكيلي جسراً بين الماضي والحاضر، يجمع بين الأصالة والتراث من جهة، والابتكار والتجديد من جهة أخرى. ولإيمانه بأهمية نقل المعرفة الفنية إلى الأجيال، أسّس الحمادي مرسمه الفني في عام 2024، ليكون فضاءً مفتوحاً للإبداع والتعلم. ومن خلاله، يسعى إلى تمكين المواهب الشابة وتوفير بيئة تعليمية محفّزة تسهم في تطوير مهاراتهم وتعزيز حضور الفن التشكيلي بين أفراد المجتمع.
الإلهام
لم يكن فارس الحمادي فناناً منغلقاً على بيئته المحلية، بل كان دائم البحث عن الإلهام من مختلف التجارب الفنية حول العالم. يقول: تأثرت بعدد من الفنانين المحليين والعالميين، لاسيما من إيطاليا والمكسيك، فقد لفتني في أعمالهم المزج بين الأصالة والابتكار. ويرى الحمادي أن التأثر لا يعني التقليد، بل هو جسر نحو تطوير الذات، قائلاً: كل فنان يترك فينا أثراً، لكن التحدي الحقيقي هو أن نصنع من هذا الأثر أسلوباً يميزنا. ومن هنا تبلورت شخصيته الفنية القائمة على الواقعية الكلاسيكية، حيث تتلاقى الدقة الأكاديمية مع الحس الإنساني والروح الإماراتية الأصيلة.
المدرسة الواقعيةعرف الحمادي بأسلوبه الكلاسيكي الواقعي الذي يجسّد الجمال في تفاصيل الحياة والطبيعة والإنسان. تتنوع موضوعاته بين البورتريه والمناظر الطبيعية والمشاهد التراثية الإماراتية، حيث يختار مواضيع أعماله بعناية لتتناسب مع فكرة المعرض أو الحدث الفني الذي يشارك فيه. لوحاته لا تقتصر على نقل الصورة، بل تحمل روح المكان والزمان وتستدعي ذاكرة المجتمع بأسلوبٍ واقعي متقن يعكس مهارته في التعامل مع اللون والظل والضوء. ويفضل الحمادي الألوان الزيتية لما تمنحه من عمق ودفء، موضحاً أن الألوان الزيتية قادرة على إحياء اللوحة وجعلها تنبض بالحياة، فهي تحمل بين طبقاتها إحساس الفنان وصدق ريشته.
مشاركاتيعتبر الحمادي أن المعارض الفنية ليست فقط وسيلة للعرض، بل مساحة للحوار والتجديد. ويقول: المعارض هي نبض الفنان، ومن خلالها أتعلّم وأطور نفسي باستمرار، فهي تعكس مدى تفاعل الجمهور مع أعمالي. ويذكر أن كل معرض يشارك فيه يمثل خطوة جديدة في رحلته، سواء من حيث التجربة أو التقنية أو التواصل مع جمهور متنوع. ويؤمن الحمادي بأن المشاركة المستمرة في المعارض تفتح أمام الفنان آفاقاً جديدة، وتجعله أكثر وعياً بدوره الثقافي في المجتمع.
المرسم الفني
في عام 2024، أسس الحمادي مرسمه الفني ليكون بيتاً يحتضن المواهب ويزرع بذور الإبداع في نفوس الأطفال والشباب. ويقول: كانت فكرتي أن أوفر مساحة تعليمية مختلفة، حيث يتعلم المتدرب الرسم بأسلوب مبسط وسلس دون تعقيد. ويعترف بأنه واجه صعوبات في البداية، إلا أنه تغلب عليها بالحكمة والصبر، مضيفاً أن كل مشروع يواجه تحديات، لكن إيمانه وثقته بنفسه ساعداه على تجاوزها وتطوير خدمات المرسم، لتخدم أهدافه التعليمية والفنية. ويقدم المرسم اليوم دورات وورش عمل متنوعة تجمع بين التعليم النظري والعملي والتجربة الإبداعية، ما جعله بيئة محفّزة على التعلم والاكتشاف.
رؤية مستقبلية
ينظر الحمادي إلى المشهد التشكيلي الإماراتي بعين التفاؤل، مؤكداً أن الفن في الإمارات يعيش مرحلة نضج وازدهار. ويقول: نعيش نهضة فنية حقيقية، فالمجتمع بات أكثر وعياً بأهمية الفنون، وهناك دعم كبير من المؤسسات الثقافية والمبادرات الوطنية. ويتابع: رسالتي للفنانين الشباب أن يتمسكوا بشغفهم، وألا يتوقفوا عن التعلم، فالفن رحلة مستمرة لا نهاية لها، لافتاً إلى أن الفن التشكيلي هو ذاكرة الوطن وصوته، ومن واجب الفنانين أن يحافظوا على هذه الذاكرة وينقلوها للأجيال بلغة بصرية مفهمة بالتراث والثقافة والتاريخ المحلي.
