يحتضن المسرح الوطني الجزائري بدءاً من هذا الاثنين (19.00 سا)، مهرجان المسرح المحترف الذي يُعدّ من أبرز المواعيد الثقافية.
ويقترح المهرجان في دورته الثامنة عشرة التي تستمر إلى الأول جانفي الداخل، تشكيلة ألوان وزوايا ورؤى في المتن العام.
وستحمل التظاهرة اسم الفنان الجزائري الكبير، عبد الله حملاوي، المكنّى “شيخ المسرحيين الهواة”.
وقال المنظمون إنّ تكريم حملاوي أتى تقديرًا لمسيرته الزاخرة وإسهاماته المتميزة في إثراء الحركة المسرحية المحلية.
ويشكّل التكريم أيضاً، تحية وفاء لفنانٍ منح حياته للفنّ الرابع وترك بصمة خالدة في ذاكرة الجمهور والمسرحيين.
وبرسم حفل الافتتاح المقرّر مساء هذا الاثنين، ستتولى تونس آيت علي، تقديم عرض يحتفي بأقدم مهرجان مسرحي في إفريقيا.
ويتعلق الأمر بمهرجان مسرح الهواة الذي تأسّس في مدينة مستغانم مساء الأول سبتمبر 1967.
وكان المؤسس مصطفى بن عبد الحليم المكنّى “سي جيلالي” (4 أفريل 1920 – 10 جوان 1990).
وعرف مهرجان مسرح الهواة تنظيم 56 دورة، وظلّ خزاناً ضخماً لصنّاع العروض أمثال محمد أدار، عمر فطموش، محمد فلاق وغيرهم.
ثوب متجدّد
تأتي دورة 2025 في ثوبٍ متجدّد يجمع بين الوفاء لرموز المسرح الجزائري والانفتاح على آفاق الإبداع المعاصر.
وسيكون الموعد مع مشاركة واسعة لمختلف محترفي المسرح عبر حواضر الجزائر.
وستكون المسارح الجهوية في صدارة المشهد، بعدما تقرّر حصر المشاركة فيها، لضمان مستوى عالٍ يُجسّد ثراء التجربة المسرحية.
وكشفت محافظة المهرجان عن اختيار مباشر للأعمال المتنافسة بناءً على تقييم النتاجات المنجزة، بما يكرّس مبدأ الشفافية ويعزّز الجودة الفنية.
وفي خطوة تهدف إلى توسيع المشاركة، تم تعديل إحدى مواد القانون الأساسي للمحافظة.
ويسمح ما تقدّم للمخرجين والكتّاب والسينوغرافيين والكوريغرافيين بالمشاركة في أكثر من عمل، تشجيعاً للإبداع ومنحاً لفرص أكبر أمام المبدعين.
ويشهد برنامج المسابقة الرسمية، مشاركة المسرح الوطني بأحدث أعماله “جنازة أيوب” عن نص وإخراج أحمد رزاق.
ويشهد العمل حضوراً ضخماً لكوكبة من الأسماء البارزة.
وفي مسرحية من نوع الفكاهة السوداء، يقترح أحمد رزاق جنازةً جماعية تُشيّع فيها القيم والأخلاق والبراءة والجمال.
وهذا في قالب بصري حركي يستثمر تشكّلات الصمت، الظلال، الانتظار، اللهفة والمرارة في معانٍ مغرقة بالتأمل المشبّع بالقهر.
وتتشابك الأحداث على وقع ألم الذكريات وضياع الأحلام.
بدوره، سيشارك مسرح سوق أهراس الجهوي، بمسرحية “خمس نساء وعربة” في عمل أنتجه الأستاذ الفنان محمد إسلام عباس.
ويحكي العمل قصة خمس نساء يعشن في عزلةٍ عن العالم منذ سبع سنوات ونصف، وذلك إثر وباء اجتاح المنطقة.
وتتعود النساء الخمس على الكفاح الدائم للعيش، وذلك في جوٍ متذبذب يؤججه اختلاف الطباع والمصالح معاً.
وعلى نحو تهكمي، رسمت المسرحية غرائز شخصيات نسائية تمثّل الأنثى في مختلف المراحل العمرية.
وطرحت المسرحية أيضاً ظلال ظاهرة تأخرّ سن الزواج والحقّ في الأمومة لكل امرأة.
ويتسمّ العمل بحضور مزدوج لـ د. سمية بن عبد ربو نصاً وإخراجاً، ويضمّ الطاقم، السينوغراف “بوبكر خليفي” والكوريغرافية “سماح سميدة”.
وتحظى المسرحية بالمرافقة الموسيقية لـ “عمر شتيوي” الذي تولى أيضاً صياغة كلمات الأغاني وضبط المؤثرات الصوتية.
وبمساعدة إخراجية لـ “توفيق رابحي”، يتواجد “شاكر يحياوي” في تصميم الإضاءة، والمخضرم “مجيد منصوري” في الأنفوغرافيا.
من جانبه، سيكون مسرح بجاية الجهوي، حاضراً بمسرحية “المفتاح” للمخرج زياني شريف عياد، عن نص “الدعوة” للكاتب محمد بورحلة.
ويشتمل العمل على ثمانية مشاهد، تزاوج بين الدراما، الموسيقى والباليه.
ويتطرّق العرض إلى إشكالية الغيرية وما يعانيه المهاجرون على وقع اتساع إيديولوجية الاستعلاء.
ويلامس كذلك، مشكلة الآخر التي يراها فريق العمل، قلب الصراع الدرامي منذ زمن سوفوكليس.
وأورد محمد بورحلة أنّ مسرحية “المفتاح” تتعلق بـ “مسرح ملتزم”، وليس “مسرحاً دعائياً”.
من جهته، أفاد زياني شريف عياد أنّ التجربة الجديدة هي تفكيك لحالة “اللاإنسانية”.
وقال زياني: “المسرح رجع صدى لما يحدث، والغضب غير كافٍ في مواجهة تفاقم محذور الاستعلاء”.
وسيكون المجال متاحاً لاستكشاف المسرحيتين الجديدتين “المفارقة” و”جذور لمسرحي العلمة وأدرار.
وتولى الفنان حليم زدّام اقتباس وإخراج “المفارقة”، بينما تولى الصديق حاج أحمد، والمغترب يحي بن عمار، كتابة وإخراج “جذور”.
ويُنافس مسرح بسكرة بنتاجه الجديد “غضبة الباي” من اخراج كريم بودشيش عن نص د. حميد علاوي.
ويستحضر العمل كفاح القائد أحمد باي بن عبدالله المملوك، باي قسنطينة (1784 – 1851) الذي كافح بقوة وحنكة عن الجزائر.
وقال د. علاوي إنّ “غضبة الباي” تندرج في الإبداع المقاوم من خلال تتبّع مقاومة آخر بايات الشرق الجزائري أحمد باي.
ودافع باي ببسالة عن مدينة قسنطينة أمام المدّ الاستعماري البشع.
وتابع علاوي: “أفضل ما يمكن أن يقال عن شجاعة وحكمة وبسالة أحمد باي ومن معه من الرجال، قيل في النص”.
وأورد: “في مشهدية تنبض بالحياة، أحسن طريقة للحديث عن عمل فني هو أن تدعه للقراء وتدعوهم إلى قراءته والإمعان فيه”.
وتعتبر مسرحيّة غضبة الباي، طرح لسيرة الجزائر المقاومة للغزو الاستعماري الفرنسي منذ الإنزال الأول بسيدي فرج.
وبالأساس حصار قسنطينة، وشجاعة أهلها بقيادة أحمد باي في الدفاع عنها، وهي أيضاً نافذة لعرض سيرة البطل القائد أحمد باي.
ويشهد المهرجان أيضاً، تنافس “لير … ملك النحّاتين” عن انتاج مشترك لمسرح الجلفة الجهوي والمعهد العالي لمهن فنون العرض.
وسيعرف المهرجان أيضاً، تنافس “الهشيم”، “البردة والمدّاحة”، “الكاف العريان”، “كرنفال روماني”، “عائد إلى حيفا” وغيرها.
عمر ثانٍ لورشة “مسرح الطفل”
أعلنت محافظة المهرجان عن تنظيم “الموسم الثاني” من ورشة مسرح الطفل، في توليفة يواصل الأستاذ الفنان محمد إسلام عباس، تأطيرها.
ويشهد البرنامج الموازي للمهرجان زخماً فنياً مميزاً، إذ سيتم تقديم سبعة عروض مسرحية داخل قاعة “حاج عمر”.
وسيكون الموعد مع عشرة عروض ضمن مسرح الشارع في ساحة “محمد التوري”.
وذلك حرصاً على تقريب الفن من الجمهور العام وجعل الفضاءات المفتوحة منابر للتعبير المسرحي.
ملتقى ثانٍ حول الذاكرة … وومضة عن “إيديولوجيات الاستعلاء”
سيشهد المهرجان، تنظيم ملتقى أرشيف المسرح الوطني الجزائري (1973 – 1980) يوم الخميس القادم.
وفي باكورة ينشّطها ويديرها الدراماتورج والمخرج زياني شريف عياد، سيتسنى استكشاف جوانب مضيئة في المتن الركحي قبل أربعة عقود.
ويتوزّع برنامج الملتقى على ستة محاور كبرى هي:
السياق العام
ملامح التكوين في سبعينيات القرن الماضي
ممارسة الاقتباس ونموذج الأخذ عن الروسي نيكولاي غوغول
الجمهور والنقد المسرحي في السبعينيات.
وهذا بحضور وازن لنخبة من الباحثين أمثال: أ. د. مخلوف بوكروح، إبراهيم نوّال، بوزيان بن عاشور، وكامل الشيرازي.
وسيتدعّم الملتقى بتقديم سلسلة أوراق تتطرّق إلى حصيلة رقمنة الأرشفة المسرحية في مسارح قسنطينة، عنابة وسيدي بلعباس.
المحفل يمثّل خطوة مفصلية تتصل بجزء هام من مسار توثيق تاريخ الفن المسرحي بالجزائر، لغرض موصول برهان تعميق استقراء الذاكرة.
ويوم الجمعة المقبل، سيحتضن المهرجان، اليوم الدراسي حول “إيديولوجيات الاستعلاء والمسرح”.
ويعتبر اليوم فارقاً مع ثيمة مغايرة يشرف على تفعيل أوراقها، الدراماتورج والمخرج زياني شريف عياد، بحضور أكاديميين وممارسين بارزين.
رابـــح هوادف
