بعد ما يقارب ثلاثة عشر شهرًا على عملية اختطاف المواطن اللبناني عماد أمهز خلال ما عُرف بعملية “الإنزال في البترون” في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، جاء نشر الفيديو الذي يظهره أسيرًا في كانون الأول/ديسمبر 2025 ليطرح جملة من الأسئلة حول توقيته وأهدافه الحقيقية. فاختيار هذا التوقيت المتأخر لا يبدو عفويًا، بل يحمل دلالات استراتيجية ونفسية واضحة من المنظور الإسرائيلي، تتجاوز البعد الأمني المباشر إلى توظيف إعلامي وسياسي محسوب.

في العادة، تحافظ أجهزة الاستخبارات على سرية التحقيقات طالما أنها تحتوي على معلومات قابلة للاستثمار العملياتي. أما نشر هذا الفيديو بعد أكثر من عام على الاعتقال، فيشير بوضوح إلى أن القيمة الاستخباراتية المباشرة لما ورد فيه قد استُنفدت، وأن “إسرائيل” قررت الانتقال إلى مرحلة جديدة قوامها استخدام المحتوى كأداة ضغط إعلامي ونفسي، لا كمصدر معلومات ميداني. وبذلك، يتحول الأسير من “مخزن معلومات” إلى “ذخيرة دعائية”.

الأخطر في مضمون الفيديو يتمثل في محاولة ترسيخ رواية تقول إن حزب الله يستخدم الغطاء المدني، ولا سيما السفن التجارية والمرافئ، لنقل العتاد والأفراد. هذا الطرح لا يُقدَّم بوصفه تفصيلاً عابرًا، بل كحجر أساس في خطاب يرمي إلى شرعنة أي استهداف مستقبلي للبنية التحتية البحرية اللبنانية. فإسرائيل تسعى، عبر هذا الفيديو، إلى تقديم ما تعتبره “دليلًا” أمام المجتمع الدولي يتيح لها تبرير الحصار البحري أو تفتيش السفن، أو حتى تسويغ ضربات سابقة أو لاحقة على مرافق مدنية تحت ذريعة الاستخدام العسكري.

وفي البعد النفسي، يهدف ظهور الأسير وهو يدلي بمعلومات وأسماء ويفسّر آليات عمل داخلية، إلى زعزعة الثقة داخل البيئة الحاضنة للحزب. الرسالة الضمنية هنا تقوم على الإيحاء بأن القادة والمسؤولين “ينكسرون” تحت الاعتقال، وأن الأسرار تُكشف بسهولة، وهو ما يُراد له أن يزرع الشك ويُضعف الروح المعنوية، حتى لو كانت المعلومات المعروضة في جوهرها عامة أو معروفة.

كذلك، يأتي نشر الفيديو كجزء من استعراض القدرة الاستخباراتية الإسرائيلية، لا سيما مع ذكر أسماء قادة سبق اغتيالهم، والتطرق إلى الهيكلية التنظيمية. فإسرائيل تحاول إقناع جمهورها وحلفائها بأنها كانت تمتلك خريطة دقيقة للحزب، وأن عمليات الاغتيال والاختطاف لم تكن عشوائية، بل استندت إلى معلومات بشرية موثوقة، حتى وإن كان هذا “الإثبات” متأخرًا.

ولا يمكن فصل هذا المشهد عن الرسالة الموجهة إلى الولايات المتحدة والغرب. فإقحام الحديث عن اعتبار أمريكا “عدوًا” يهدف إلى ربط الحزب بتهديد المصالح الغربية، وتوسيع إطار الصراع من كونه نزاعًا مع إسرائيل إلى كونه جزءًا من “حرب عالمية على الإرهاب”. بهذا الشكل، تسعى تل أبيب إلى تحصين دعمها السياسي والعسكري الغربي، وتقديم نفسها كخط دفاع متقدم عن المصالح الأمريكية.

أما سياسيًا، فإن توقيت النشر قد يرتبط بأي نقاشات مقبلة حول ترتيبات أمنية أو آليات مراقبة للمعابر البحرية اللبنانية في عام 2026. فالفيديو يُستخدم كورقة ضغط استباقية لفرض معادلة تقول إن المعابر المدنية لا يمكن الوثوق بها من دون رقابة صارمة، ما يفتح الباب أمام شروط أشد على لبنان في أي تفاهمات مستقبلية.

في المحصلة، لا يمكن قراءة الفيديو بوصفه كشفًا أمنيًا بقدر ما هو أداة إعلامية ودبلوماسية، أُخرجت من الأرشيف بعد انتهاء فائدتها الاستخباراتية، لتُستخدم في تبرير استهداف البنية التحتية اللبنانية، وفي إحراج الحزب داخليًا وخارجيًا. إنه، ببساطة، محاولة لإنتاج “نصر نفسي” متأخر، وسدّ فراغ سياسي وأمني عبر رواية مُنتقاة ومُمنتجة بعناية.