بيار داغر من أبرز الممثلين اللبنانيين الذين حققوا حضوراً عربياً كبيراً معتمداً على أداء متوازن ومستقر أكسبه شهرة واسعة من خلال مشاركته في الأعمال المعاصرة اللبنانية والسورية والمشتركة أو الأعمال التاريخية أو الدينية إلى جانب أعماله السينمائية. وفي الموسم الرمضاني المقبل يشارك داغر كضيف في عملين، الأول “ممكن” وهو مسلسل معاصر من إنتاج شركة “الصباح” وبطولة ظافر العابدين ونادين نجيم، والثاني أردني تاريخي يتناول مرحلة الانتداب الإنجليزي.
ورغم تقلص مساحة أدوار داغر في أعماله الأخيرة والمقبلة، إلا أن تأثير حضوره واضح لدى المشاهد العربي ولم يخفت أبداً، ما يحيل إلى سؤال حول مدى توافق الفرص المتاحة اليوم مع تاريخه الفني ونجوميته. وأوضح داغر في حديث مع “المدن”: “أنتم تعلمون أكثر منا بأن الخيارات تقلصت ولم تعد كما كانت عليه في السابق. في الماضي، كانت تأتي أربعة أو خمسة عروض، لننتقي الدور الذي نريده والذي يناسبنا ويُلائمنا ويُرضينا، لكن هذه الخيارات لم تعد متاحة وموجودة في هذا الزمن مع تراجع وتدهور الدراما ككل. أنا كممثل اضطر أحياناً للقبول بما هو متاح لكن مع الحفاظ على مستوى معين لا أتنازل عنه أبداً”.
واستعاد داغر تجربته في مسلسل “سلمى” مشيراً إلى أنه توقع أن يكون دوره مماثلاً لما قدمه في مسلسل “آسر”، ليفاجأ بأن معظم المشاهد صورت بالفعل ولذلك ظهر في مشاهد قليلة، مضيفاً: “عندما أقبل بأي عمل أكون مدركاً بأن دوري سيكون فاعلاً ومؤثراً وسيضعني في مكاني الصحيح حتى لو اقتصر على مشهد واحد فقط، وهذا ما حصل في مسلسل سلمى الذي وصلت أصداء دوري فيه للجميع والكل يعلم ماذا فعلت عندما ظهرت وماذا قال الناس عني. لكن هذا هو الواقع المتاح بسبب تغيّر الزمن، فماذا أفعل؟”.
والحال أن تغير الزمن أفرز قواعد جديدة وإيقاعات مختلفة، وهيمنة تركيبة البطل السوري والبطلة اللبنانية فرضت معايير جديدة بحسب داغر الذي أشار أيضاً إلى أنه هناك أمراً آخر يجب أن يأخذ بعين الاعتبار: “لست من النوع الذي يلهث خلف مخرج، ويلاحق منتجاً ويتصل به مراراً وتكراراً ويسترضيه، أو يسعى إلى بناء علاقات، كل هذه الأمور لا تهمني ولست بحاجة لذلك”، مشيراً بأن تمسكه بمبادئه يمنحه حرية العمل: “الحمد لله، أنجزت ما أردت إنجازه وبنيت نفسي، والآن أنا أمثل من أجل المتعة فقط لأن التمثيل في دمي وأحبه، وأنا مكتف مادياً ولا أستجدي أحد، ولديّ أعمال تجارية مستقلة توفر له اكتفاءً ذاتياً واستقلالية كاملة”.
وعما إذا كان يعتبر أن المشكلة تمكن في صناع الدراما الذين لا يقدرون موهبته والأعمال المهمة التي شارك فيها، قال: “هذا سؤال جيد، ويجب أن يوجه إليهم، لكن أنا أيضاً لدي جواب، فكما قلت إنني لست من النوع الذي يتملق ويُجمّل صورته ويضحك عليهم. لست من هذا النوع على الإطلاق، مشيراً إلى أن قلة من الممثلين تشاركه هذه القيم رغم التغيّيرات والتبدلات التي فرضت نفسها في الساحة الفنية: “أنا إنسان مؤمن ولدي مبادئي في الحياة، والممثلون الذين هم مثلي لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة. أنا من الممثلين النادرين جداً الذين لا يوجد تعليق سلبي واحد عليهم لأن الناس تحترمني، وتحترم عملي، وتدرك الواقع. الجمهور ليس غبياً، بل هو يعلم أن الوسط الفني هو وسط فاسد.”
ولا يمنع وعي الجمهور الحالي الانجراف وراء الجمال والوسامة، ولاحظ داغر أن قاعدة جماهيرية واسعة مازالت تنساق وراء هذا النجم الوسيم وتلك النجمة الجميلة، كما اعتبر أن هناك غسيلاً للأدمغة وتسطيحاً للفكر يجعل معظم الناس ينساقون وراء أعمال لا قيمة لها ولا معنى وتسببت بالتدهور الفني الكبير الذي تعانيه الدراما.
رغم ذلك، اعتبر داغر أن الفن لم يخذله بل نال جزءاً من حقه حين شارك في الدراما السورية عندما كانت في عزها حيث قدم أعمالاً تبقى علامة مضيئة في مسيرته، لكنه في المقابل يوصي الفنان عندما يصل إلى عمر معين بأن يقتنع بأنه لا يستطيع تقديم الأدوار التي كان يقدمها سابقاً، وتابع: “هذا الأمر لا يقتصر علينا بل هو موجود حتى في هوليوود، بدليل أن بعض الممثلين الكبار يختفون فجأة، لكنهم في المقابل يوفرون للبعض منهم أعمالاً خاصة بهم، وهذا الأمر غير موجود في عالمنا العربي حيث يطلب من الممثلين الكبار تقديم أدوار المساندة”.
ورغم أن داغر يوافق بأن مواقع التواصل الاجتماعي وعدد المتابعين تحولت إلى عامل أساسي ومؤثر في اختيار النجوم، رأى أن ذلك لا يلغي قدرته كممثل على التواجد والاستمرار في أعمال ترقى إلى طموحه الأقصى: “لسنا غائبين عن الشاشة، رغم أنه يفترض أن يكون الوضع أفضل والفرص أكبر، لكن هذا الأمر غير متاح. خلال الحرب السورية غادر المنتجون وهرب رأس المال من سوريا، ودخل السوق منتجون لا لهم علاقة بالمهنة، فتغيرت الصورة بأكملها وتراجعت الدراما السورية، بينما تحسنت الدراما اللبنانية نوعاً ومستوى لكن المشكلة أنه لا يوجد سوى منتجان في لبنان هما صادق الصباح وجمال سنان، لكنهما لا ينتجان أعمالاً محلية، وإذا فعلا ذلك فيقتصر الأمر على مسلسل واحد بسبب تغير قواعد اللعبة بالكامل”.
وعن الدراما العربية الأكثر تفوقاً في المرحلة الحالية، اعتبر داغر أن الأعمال التي تُنتج لـ”إم بي سي” و”شاهد” تُعد إنتاجاً سعودياً، وهي أعمال معربة والعمل يتبع هوية الإنتاج، وبأنه ولم يعد هناك إنتاج خالص ونقي، إلا في الإنتاج الخليجي والإنتاج المصري، ثم أبدى رأيه بمستوى الأعمال المصرية قائلاً: “أنا لا أتابع كثيراً من الأعمال المصرية الجديدة ولا أريد أن أظلمها، ولا شك أن هناك أعمال جيدة، لكنني أعشق وأسهر على مشاهدة الأعمال المصرية القديمة التي لم يسبق أن شاهدتها، سواء كانت مسرحاً أو سينما، وهم لديهم قامات فنية عظيمة وتاريخ فني ضخم.”
وإلى جانب المسلسلات التلفزيونية هذا الموسم، يشارك داغر بدور رئيسي في فيلم سينمائي تاريخي عن حرب البوسنة والهرسك، وبذلك يعوض الإجحاف الذي يلحق به في الأعمال الدرامية التلفزيونية، وقال: “هكذا هو الحال دائماً، يجب أن يعتمد الفنان نوعاً من التوازن لكي يبقى متواجداً، ويمكن أن يضحّى أحياناً ولكن ليس على حساب نوعية الأدوار التي يقدمها.”
