
ما يُزيد من خطورة التأثير السلبي للسوشيال ميديا، هي تلك الحرية المُطلقة المُتاحة لأصحاب الصفحات واللجان الإلكترونية بوسائل التواصل الاجتماعي، فيس بوك والانستغرام والتليغرام وغيرها من وسائل التعبير وأدوات إبداء الرأي التي باتت تُشكل ظاهرة لافتة في محتواها ومضمونها المُتغير على مدار الساعة والمُتضارب في كثير من الأحيان.
ينتظر جمهور السوشيال ميديا ضحاياه مع كل حدث جديد، وتنشط الكتابات نشاطها الهدام إذا ما توافرت لها الظروف، بوقوع إحدى الشخصيات العامة تحت مقصلة الرأي العام، حيث تنتهز الغالبية الفرصة لتنهال على الضحية بالنقد المُسبق غير الموضوعي عندما تتهيأ الأجواء لذلك، فيصير الهجوم هو الموجة السائدة بلا رادع أو وازع أو رقيب.
ولا يهم حينئذ أن تكون بطلة الحدث فنانة مغمورة أو مشهورة أو شخصية مرموقة تم استدعائها من كتب التاريخ، كرئيس دولة راحل أو مُفكر مُختلف عليه أو مسؤول سابق، الكل في نظر اللجان الإلكترونية سواء.
وبموجب هذه القاعدة النقدية العلنية يتم تداول معلومات وصور وبيانات، دقيقة أو غير دقيقة، المهم أنها تتوافر وبأي شكل، بالقص واللصق أو التركيب أو عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي.. لا فرق!
آخر معارك الرأي الدائرة داخل الوسط الفني وخارجه، حكاية فيلم «الست» المُتصل بحياة أم كلثوم، المُطربة الشهيرة التي دارت حولها مئات التكهنات والروايات والقصص المُلفقة والحقيقية، وأكثر نجمات الغناء العربي تداولاً في الأعمال الدرامية والأفلام السينمائية، قديماً وحديثاً.
هذا الانتشار هو ذاته الذي أدى إلى استباحة حياتها ومشوارها بأوجه ورؤى مُختلفة، تُثير الخلاف والشقاق وتسبب الإزعاج في كثير من الأحيان لمن كتب القصة أو أخرج العمل أو جسد الشخصية أو تحمس لإنتاجه، الجميع نالهم من رياح الغضب والاستهزاء والسخرية ما يكفي دون تمييز بين ما هو غث وما هو سمين في المُنتج من الأفلام والمُسلسلات.
عندما قدمت الفنانة فردوس عبد الحميد قصة حياة كلثوم لأول مرة في فيلم سينمائي من إخراج محمد فاضل قامت الدنيا ولم تقعد، فقد تم عقد المُقارنات بين الشخصية الحقيقية والصورة الدرامية المُجسدة على الشاشة، وبالقطع وجد المُتنمرون من أوجه الاختلاف في الشكل والملامح والأداء ولغة الجسد ما يسمح لهم بالسخرية والتهكم ورفض الحالة الفنية جُملة وتفصيلاً.
ومضت فترة العرض الأول وتوارى الفيلم لأزمنة طويلة، إلى أن تم عرضه في بعض الفضائيات فتجدد اللوم وزادت حدة النقد، واستمرت نوبات التناول السلبي وقتاً طويلاً، حتى ظهر مُسلسل آخر للمخرجة إنعام محمد علي وبطولة صابرين.
وهنا بدأت صيحات الاستحسان والتأييد والإشادة بعظمة الإخراج والتمثيل وقُدرة البطلة على تقمص الشخصية بأفضل ما يكون التقمص. لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، إذ خرج نفر من الناس يلفت النظر إلى جزئية لم تكن في الحُسبان ولم تخطر على قلب مُشاهد من المُشاهدين أو ناقد من النُقاد، حيث أشار إلى تبجيل شخصية أم كلثوم وتعظيمها بشكل مُبالغ فيه، وكأنها على حد قوله ملاكاً لا يُخطئ أبداً.
وقياساً على هذا الرأي تلقف البعض المُلاحظة الخبيثة كأنهم حصلوا على كنز ثمين، وبدأ النسج على هذا المنوال في محاولة للتقليل من المُسلسل وتأثيره الإيجابي المهم على المُتلقين من عموم الجماهير في مصر والعالم العربي.
وبعد سنوات طويلة جاء الدور على منى زكي، ليُمارس عليها نفس الإرهاب الفكري بفرض وجهة النظر المُعادية للفيلم قبل أن يتم عرضه تجارياً، فقد خرجت الآراء الجماعية تقطع برداءة الصورة الفنية وعدم ملائمة البطلة للشخصية، بمجرد عرض الصور الفوتوغرافية على وسائل التواصل الاجتماعي.
وهذا هو الخطأ الجسيم الذي وقع فيه صُناع العمل عندما سمحوا بتداول الصور بغرض الدعاية والترويج.
لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السُفن، فالترويج كان نقمة على الفيلم والبطلة وكاتب القصة والمخرج، فلم تفرق جماعات التفاعل بصفحات التواصل الاجتماعي بين عنصر وآخر ولم يفترضوا وجود جانب واحد مُضيء في العمل الفني الوليد الذي تكلف إنتاجه ملايين الجنيهات، وإنما انهالوا ضرباً وركلاً وتشهيراً فأصابوا الجميع بالإحباط قبل أن يرى الفيلم النور.
وعلى أثر الهجوم الضاري والموجه بصفة خاصة للبطلة دخلت أصوات أخرى على الخط، مُحاولة الدفاع عن منى زكي لإضعاف نبرة الهجوم مُستندة في دفاعها إلى الاستقبال الإيجابي والمُغاير للعمل ووصفه بالفارق والمُبهر في مهرجان مراكش بدولة المغرب العربي الشقيق.
وفي هذا الفاصل التقطت منى أنفاسها وزاد نشر الصور الفوتوغرافية لها بزوايا درامية وسينمائية مُختلفة، في رسالة ضمنية لتأكيد اجتهادها في تجسيد الشخصية واعتنائها بالاقتراب من طبيعة أم كلثوم الحقيقية.
وبالفعل فلحت هذه الطريقة في تخفيف الهجوم عنها والانتظار حتى إشعار آخر ليتبين الأمر ويتم تقييم الأداء على أسس موضوعية وفنية، بدلاً من الرجم بالغيب وافتراض الاحتمال الأسوأ كما فعلت الأغلبية من الناشطين على فيس بوك وبقية منصات التواصل الاجتماعي التي تنطلق منها شرارات الحروب الفنية والثقافية.
