خطبة الجمعة القادمة 26 ديسمبر 2025 بعنوان : وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ، إعداد: رئيس التحرير الدكتور أحمد رمضان لـ صوت الدعاة ، بتاريخ 6 رجب 1447هـ ، الموافق 26 ديسمبر 2025م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 26 ديسمبر 2025م بعنوان : وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان.
العُنْصُرُ الأَوَّل: مِحْنَةُ السَّعْيِ حِينَ يَضِلُّ وَصَاحِبُهُ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى هُدًى
العُنْصُرُ الثَّانِي: حِينَ يَتَحَوَّلُ التَّدَيُّنُ إِلَى فِتْنَةٍ وَيُصْبِحُ الإِحْسَانُ وَهْمًا
العُنْصُرُ الثَّالِث: مَعَالِمُ النَّجَاةِ مِنْ وَهْمِ الإِحْسَانِ وَسُبُلُ تَصْحِيحِ السَّعْي
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 26 ديسمبر 2025م : وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان : كما يلي:
وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا
6 رجب 1447هـ – 26 ديسمبر .2025م
إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُهُ ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آله وصحبِه، ومن سارَ على نهجِه واقتفى أثرَه إلى يومِ الدين. أما بعد…
عناصر الخطبة:
العُنْصُرُ الأَوَّل: مِحْنَةُ السَّعْيِ حِينَ يَضِلُّ وَصَاحِبُهُ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى هُدًى
العُنْصُرُ الثَّانِي: حِينَ يَتَحَوَّلُ التَّدَيُّنُ إِلَى فِتْنَةٍ وَيُصْبِحُ الإِحْسَانُ وَهْمًا
العُنْصُرُ الثَّالِث: مَعَالِمُ النَّجَاةِ مِنْ وَهْمِ الإِحْسَانِ وَسُبُلُ تَصْحِيحِ السَّعْي
يا عبادَ اللهِ، إنَّ من أخطرِ ما يبتلي اللهُ به القلوبَ أن يختلَّ ميزانُها، فتطمئنَّ إلى ما ليس بحقٍّ، وتأنسَ بما لا يُرضي اللهَ، فيرى العبدُ نفسَهُ مُحسنًا، وهو في الحقيقةِ محتاجٌ إلى مراجعةٍ وبصيرة. ومن هنا جاء التحذيرُ القرآنيُّ العميقُ الذي لا يُوجَّهُ إلى الكسالى ولا إلى المعرضين، بل إلى قومٍ عملوا وبذلوا وسَعَوا، ثم ضلَّ سعيُهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا؛ آيةٌ تكشفُ محنةَ البصيرةِ قبل أن تفضحَ خللَ السلوك، وتدعو المؤمنَ إلى أن يقفَ مع نفسِه وقفةَ صدقٍ، يسألُ فيها عن ميزانِه قبل أن يسألَ عن عملِه، وعن طريقِه قبل أن يُكثِرَ من خُطاه.
العُنْصُرُ الأَوَّل: مِحْنَةُ السَّعْيِ حِينَ يَضِلُّ وَصَاحِبُهُ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى هُدًى
يا عبادَ اللهِ، إنَّ القرآنَ حينَ يُحذِّرُ لا يقفُ دائمًا عندَ المعصيةِ الظاهرةِ، ولا يقتصرُ على الذنبِ الذي تنكرهُ الفِطرُ السليمةُ، بل يكشفُ أحيانًا عن خطرٍ أدقَّ، ومحنةٍ أخفى، وفتنةٍ لا ينجو منها إلّا من رزقهُ اللهُ بصيرةً نافذةً وميزانًا مستقيمًا، فتنةِ العملِ الذي يُؤدَّى في صورةِ الخيرِ، ويتحرّكُ بدافعِ النيّةِ، ويُرفَعُ باسمِ الطاعةِ، ثمّ يكونُ مع ذلك سببًا في الضلالِ والخسرانِ.
ومن هنا جاء التحذيرُ القرآنيُّ البالغُ في قولِه سبحانه: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾، [الكهف: 103، 104]، ضلَّ سعيُهم لأنهم عملوا لغيرِ اللهِ، وما كان لغيرِ اللهِ فلا ينفعُ، ويُقالُ: الذين ضلَّ سعيُهم هم الذين قرنوا أعمالَهم بالرياءِ، ووصفوا أحوالَهم بالإعجابِ، وأبطلوا إحسانَهم بالملاحظاتِ أو بالمنِّ، القشيريُّ في لطائف الإشارات [ج2، ص415].
وقال محمدُ سيدُ طنطاويُّ رحمهُ اللهُ: الذي يعملُ السوء ويعلمُ أنه سوءٌ قد تُرجى استقامتُهُ، أمّا الذي يعملُ السوء ويظنُّهُ عملًا حسنًا فهذا هو الضلالُ المبينُ، التفسير الوسيط [ج8، ص584].
وهذا المعنى بعينه أكّده القرآنُ في موضعٍ آخر حين قال: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا﴾، [فاطر: 8]، قال ابنُ كثيرٍ رحمهُ اللهُ: يعملون أعمالًا سيئةً وهم يعتقدون أنهم يُحسنون صنعًا، أي: أفمن كان كذلك قد أضلَّهُ اللهُ، ألكَ فيه حيلةٌ؟ لا حيلةَ لكَ فيهِ، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾، تفسير ابن كثير [ج6، ص353].
ولهذا كان النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يحذِّرُ من العملِ الذي يخلو من الميزانِ، فقال في الحديثِ الصحيحِ: «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ»، رواه النسائي في السنن الكبرى [3249]، وابن ماجه [1690]، واللفظ لهما، وأحمد [9683]، وهو حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، فليست العبرةُ بكثرةِ التعبِ، ولا بطولِ الوقوفِ، ولكن بصحّةِ الطريقِ وقبولِ العملِ، وهذا هو عينُ ما تشيرُ إليه الآيةُ؛ عملٌ موجودٌ، ومشقّةٌ حاضرةٌ، وأجرٌ مفقودٌ.
ثمّ تأمّلوا يا عبادَ اللهِ دقّةَ التعبيرِ القرآنيِّ حين قال: ضَلَّ سَعْيُهُمْ، ولم يقل: ضلّوا، لأنَّ الضلالَ هنا تعلّقَ بالسعي لا بالذاتِ، وبالعمل لا بالنيّةِ، وهو ما أشار إليه الإمام. أبو جعفرٍ الطبريُّ رحمهُ اللهُ حين قال: “هم الذين لم يكن عملُهم في حياتهم الدنيا على هدى واستقامةٍ، بل كان على جورٍ وضلالةٍ،… وهم يظنّون أنهم بفعلهم ذلك لله مطيعون”، تفسير الطبري [ج18، ص128].
وهذا المعنى يؤكّده ما قرّره أهلُ العلمِ من أنَّ العملَ لا يكونُ مقبولًا حتى يجتمعَ فيه شرطانِ: الإخلاصُ والمتابعةُ، فمن فقدَ أحدهما رُدَّ عليه عملُهُ وإن كثرَ، كما قال الفضيلُ بنُ عياضٍ رحمهُ اللهُ: إن العملَ إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، كما نقله ابنُ رجبٍ في جامع العلوم والحكم [ج1، ص72].
ولهذا جاء التحذير النبوي الصريح من الاغترار بالعمل، فروى الإمام مسلم في صحيحه (1905) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ أوَّلَ الناسِ يُقْضَى يومَ القيامةِ عليه رجلٌ اسْتُشْهِدَ، فأُتِيَ بهِ ، فعَرَّفَهُ نِعَمَهُ ، فعَرَفَها ، قال : فما عمِلْتَ فيها ؟ قال : قاتَلْتُ فِيكَ حتى اسْتُشْهِدْتُ، قال : كذبْتَ، ولكنَّكَ قاتَلْتَ لِيُقالَ جِريءٌ ، فقدْ قِيلَ ، ثمَّ أُمِرَ بهِ فسُحِبَ على وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النارِ ، ورجلٌ تعلَّمَ العِلْمَ وعلَّمَهُ ، وقَرَأَ القُرآنَ ، فأُتِيَ بهِ فعَرَّفَهُ نِعمَهُ ، فعَرَفَها ، قال : فما عمِلْتَ فيها ؟ قال : تعلَّمْتُ العِلْمَ وعلَّمْتُهُ، وقَرَأْتُ فِيكَ القُرآنَ ، قال : كذبْتَ، ولكنَّكَ تعلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ عالِمٌ ، وقرأْتَ القُرآنَ لِيُقالَ : هو قارِئٌ فقدْ قِيلَ، ثمَّ أُمِرَ بهِ فسُحِبَ على وجْهِهِ حتى أُلْقِيَ في النارِ ، ورجُلٌ وسَّعَ اللهُ عليْهِ ، وأعْطاهُ من أصنافِ المالِ كُلِّهِ، فأُتِيَ بهِ فعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فعَرَفَها ، قال : فمَا عمِلْتَ فيها ؟ قال : ما تركْتُ من سبيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنفَقَ فيها إلَّا أنفقْتُ فيها لكَ ، قال : كذبْتَ، ولكنَّكَ فعلْتَ لِيُقالَ : هوَ جَوَادٌ ، فقدْ قِيلَ، ثمَّ أُمِرَ بهِ فسُحِبَ على وجْهِهِ ، ثمَّ أُلْقِيَ في النارِ»، فكانت العاقبة خسرانًا رغم عِظَم الصورة الظاهرة، لأن الميزان اختلّ من الأصل. وهذه القصة النبوية من أوضح ما يفسّر قوله تعالى: ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾، إذ ظنّ صاحب العمل أنه بلغ الغاية، فإذا به يُحرم الأجر من الأساس.
ومن آثار الصحابةِ في هذا البابِ ما رواه البخاري [6308] عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه أنه قال: إنَّ المؤمنَ يرى ذنوبَهُ كأنه في أصلِ جبلٍ يخافُ أن يقعَ عليه، وإنَّ الفاجرَ يرى ذنوبَهُ كذبابٍ وقعَ على أنفِه فقال به هكذا فطار، فدلّ ذلك على أنَّ سلامةَ القلبِ ليست في كثرةِ العملِ، بل في حياةِ الضميرِ وخوفِ المآلِ.
ولهذا كان السلفُ الصالحُ رحمهم اللهُ أبعدَ الناسِ عن دعوى الإحسانِ المطلقِ، وأشدَّهم خوفًا من ردِّ العملِ، قال الحسنُ البصريُّ رحمهُ اللهُ: “المُؤْمِنُ جَمَعَ إِحْسَانًا وَشَفَقَةً، وَالْمُنَافِقُ جَمَعَ إِسَاءَةً وَغِرَّةً. وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ فِيمَا مَضَى وَلَا فِيمَا بَقِيَ عَبْدًا ازْدَادَ إِحْسَانًا إِلَّا ازْدَادَ مَخَافَةً وَشَفَقَةً مِنْهُ، وَلَا وَجَدْتُ فِيمَا مَضَى وَلَا فِيمَا بَقِيَ عَبْدًا ازْدَادَ إِسَاءَةً إِلَّا ازْدَادَ غِرَّةً. أَيْ ازْدَادَ غَفْلَةً”.، رواه الطبراني [ج1، ص181]، وابن أبي الدنيا في الزهد [ص985] ومحاسبة النفس [ص40].
بهذا الميزانِ يا عبادَ اللهِ نفهمُ أن أخطرَ ما يُصيبُ الساعي إلى اللهِ أن يضلَّ سعيُهُ لا قصدُهُ، وأن يُردَّ عملُهُ لا نيّتُهُ، وأن يعيشَ في طمأنينةِ الإحسانِ الموهومِ، وهو أحوجُ ما يكونُ إلى مراجعةٍ ومحاسبةٍ، ولذلك لم تكن هذه الآياتُ آياتِ وعظٍ عابرٍ، بل آياتِ تأسيسٍ لمنهجٍ كاملٍ في وزنِ الأعمالِ وتصحيحِ المساراتِ وحراسةِ القلوبِ من الغرورِ، حتى يلقى العبدُ ربَّهُ بقلبٍ سليمٍ، وعملٍ موزونٍ، وسعيٍ لم يضلَّ.
العُنْصُرُ الثَّانِي: حِينَ يَتَحَوَّلُ التَّدَيُّنُ إِلَى فِتْنَةٍ وَيُصْبِحُ الإِحْسَانُ وَهْمًا
يا عبادَ اللهِ، إذا كان ضلالُ السَّعْيِ محنةً في ميزانِ العملِ، فإنَّ أخطرَ صوره حين يلبسُ الضلالُ لباسَ التديُّنِ، فيتحرّكُ صاحبه باسمِ الغيرة، ويتكلّمُ باسمِ الحقِّ، ويستندُ إلى نصوصٍ صحيحةٍ، لكنَّهُ يُنزِلُها في غيرِ موضعِها، ويجعلُها سلاحًا لا ميزانًا، وحكمًا لا هداية. وهنا لا يكونُ الخللُ في أصلِ الدينِ، بل في فهمِ الدينِ، ولا في النصِّ، بل في تنزيلِ النصِّ، ولا في النيّةِ بالضرورة، بل في الطريقِ الذي سارتْ فيه النيّة.
وقد حذّرَ القرآنُ من هذا اللونِ من الانحرافِ تحذيرًا بالغًا حين قال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 170]، فبيّن أنَّ الخطرَ ليس في مجرّدِ الاتباعِ، بل في اتّباعٍ بلا بصيرةٍ، وبيّن أنَّ التعلّقَ بما ألفتْه النفوسُ أو استراحتْ له العقولُ قد يحجبُ صاحبَه عن نورِ الوحي، ولو ظنّ أنه يحسنُ صنعًا. قال الرازي رحمهُ اللهُ: “أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنَ الدَّلَائِلِ الْبَاهِرَةِ فَهُمْ قَالُوا لَا نَتَّبِعُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَتَّبِعُ آبَاءَنَا وَأَسْلَافَنَا، فَكَأَنَّهُمْ عَارَضُوا الدَّلَالَةَ بِالتَّقْلِيدِ، وَأَجَابَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ”. [تفسير الرازي ج5، ص188].
قرَّرَ القرآنُ أصلًا عظيمًا في هذا البابِ حين قال: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾، [الفرقان: 23]، ومن أخطرِ ما يُبيِّنُ هذا المعنى تاريخُ أولِ انحرافٍ دينيٍّ وقعَ في الأمةِ، وهو انحرافُ الخوارجِ، الذين خرجوا بعبادةٍ عظيمةٍ في ظاهرِها، حتى قال فيهم النبي صلي الله عليه وسلم: “يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مع صَلاتِهِمْ، وصِيامَكُمْ مع صِيامِهِمْ، وعَمَلَكُمْ مع عَمَلِهِمْ، ويَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجاوِزُ حَناجِرَهُمْ” البخاري [5058]، وقال أيضا النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: «يَقْتُلُونَ، أَهْلَ الإسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأوْثَانِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإسْلَامِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»، رواه البخاري [4351]، ومسلم [1064]. عبادةٌ بلا فقه، وغيرةٌ بلا علم، ونصوصٌ تُؤخَذُ بغيرِ فهمٍ ولا جمعٍ ولا ميزان.
ولهذا قال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه كلمةً جامعةً في هذا البابِ: «كم من مريدٍ للخيرِ لن يُصيبَه»، رواه الدارمي [210]، وقد قال سفيانُ الثوريُّ رحمهُ اللهُ: البدعةُ أحبُّ إلى إبليسَ من المعصيةِ، لأنَّ المعصيةَ يُتابُ منها، والبدعةَ لا يُتابُ منها”. شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي [ج1، ص134]. لا يتاب منها لأنه يعتقد أنه علي صواب فلا يتوب.
ومن هنا جاء البيانُ النبويُّ العجيبُ الذي يكشفُ هذا الخللَ في أبلغِ صورةٍ، حين قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: «إنَّما أخافُ علَى أمَّتي الأئمَّةَ المضلِّينَ»، رواه أحمد [23498]، وأبو داود [4252]، والترمذي [2229]، حديث صحيح. لم يقل: العصاة، ولا الفاسقين، بل قال: الأئمة المضلين؛ لأنَّ الخطرَ إذا جاء في ثوبِ القدوةِ، وكان الانحرافُ مصحوبًا بسلطانِ التأثير، كان أثرُه أعمقَ وأبعد.
ولقد رأينا نموذجًا مبكّرًا لهذا المعنى في قصةِ الرجلِ الذي قتلَ تسعةً وتسعينَ نفسًا، ثم سألَ عن التوبة، فدُلَّ على راهبٍ جاهلٍ، فسأله: هل لي من توبة؟ فقال: لا، حيث جاء في البخاري ومسلم: «إنَّ عبدًا قتلَ تسعةً وتِسعينَ نفسًا ثمَّ عرضَت لَهُ التَّوبةُ، فسألَ عَن أعلمِ أَهْلِ الأرضِ، فدُلَّ على رجلٍ فأتاهُ فقالَ: إنِّي قتَلتُ تسعةً وتسعينَ نفسًا، فَهَل لي من توبةٍ؟ قالَ: بعدَ تِسعةٍ وتسعينَ نفسًا قالَ: فانتَضَى سيفَهُ فقتلَهُ، فأَكْملَ بِهِ المائةَ، ثمَّ عرضَت لَهُ التَّوبةُ، فسألَ عن أعلَمِ أَهْلِ الأرضِ، فدُلَّ على رجلٍ فأتاهُ فقالَ: إنِّي قتَلتُ مائةَ نفسٍ، فَهَل لي من تَوبةٍ؟ فقالَ: ويحَكَ، ومَن يحولُ بينَكَ وبينَ التَّوبةِ؟….»، البخاري [3470]، مسلم [2766]. فانظروا يا عبادَ اللهِ: كيف كان الفرقُ بين تديُّنٍ بلا علمٍ أغلق بابَ الرحمة، وعلمٍ بصيرٍ فتح بابَ الأمل، وكيف كان الجهلُ بالدينِ سببًا في الدماء، لا لأن القاتل كان يريدُ الشرّ، بل لأن من أفتاه لم يعرف ميزانَ الشرع.
ومن أخطرِ ما في هذا البابِ أنَّ صاحبَ الوهمِ الدينيِّ قد يُبالغُ في التشديدِ باسمِ الاحتياط، ويقسو باسمِ الغيرة، ويُقصي الناسَ باسمِ حمايةِ الدين، مع أنَّ اللهَ وصف نبيَّهُ بقوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ [آل عمران: 159]، وقال أيضًا: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]. قال الشاطبيُّ رحمهُ اللهُ: فَإِنَّ الْخُرُوجَ إِلَى الْأَطْرَافِ خَارِجٌ عَنِ الْعَدْلِ، وَلَا تَقُومُ بِهِ مَصْلَحَةُ الْخَلْقِ، إمَّا فِي طَرَفِ التَّشْدِيدِ؛ فَإِنَّهُ مَهْلَكَةٌ، وَأَمَّا فِي طَرَفِ الِانْحِلَالِ؛ فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لأن المستفتي إذا ذُهِبَ بِهِ مَذْهَبَ الْعَنَتِ وَالْحَرَجِ بُغِّضَ إِلَيْهِ الدِّينَ، وَأَدَّى إِلَى الِانْقِطَاعِ عَنْ سُلُوكِ طَرِيقِ الْآخِرَةِ ، الموافقات [ج5، ص277].
ومن الكلمات البليغةِ في هذا المعنى ما رُوي عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما أنه قال عن الخوارج: انطلقوا إلى آياتٍ نزلت في الكفار فجعلوها في المؤمنين، [فتح الباري 12/286]، فانظروا: نصٌّ صحيح، وقرآنٌ يُتلى، لكنّ التنزيلَ في غيرِ موضعِه حوّله من هدايةٍ إلى فتنة، ومن نورٍ إلى سيف.
يا عبادَ اللهِ، إنَّ أخطرَ ما يُصيبُ الدينَ في النفوسِ أن يتحوّلَ من ميزانٍ يُصلحُ إلى سوطٍ يُقصي، ومن نورٍ يهدي إلى حدّةٍ تُعمِي، وأن يُرفَعَ شعارُ الإصلاحِ بينما تُهدمُ القلوبُ، ويُظنُّ الإحسانُ بينما يُصنعُ الفساد. ولذلك قال اللهُ تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة: 220].
بهذا الفهمِ، يا عبادَ اللهِ، نعلمُ أنَّ النجاةَ ليست في شدّةِ القول، ولا في قسوةِ الحكم، ولا في كثرةِ الاتهام، بل في علمٍ يُبصِّر، وقلبٍ يرحم، وميزانٍ يُقيمُ الحقَّ دون إفراطٍ ولا تفريط. فمن فقدَ هذا الميزانَ، وإن صدقَتْ نيّتُه، كان أقربَ إلى الوهمِ منه إلى الإحسان.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، له الحمدُ حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيهِ كما يُحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلّى اللهُ وسلّمَ وباركَ عليهِ، وعلى آلهِ وصحبِه، ومَن سارَ على نهجِهِ واقتفى أثرَهُ إلى يومِ الدينِ. أمّا بعدُ،
فيا عبادَ اللهِ، إذا كان الخللُ في السعي، وكان الوهمُ في الإحسان، وكان الانحرافُ في الفهم، فإنَّ أخطرَ ما نخشاهُ اليومَ أن يتحوّلَ هذا الوهمُ إلى سلوكٍ، وأن يتحوّلَ الخطأُ الفرديُّ إلى فكرٍ مُعَدٍ، يفسدُ ولا يشعرُ أنه يفسدُ.
العُنْصُرُ الثَّالِث: مَعَالِمُ النَّجَاةِ مِنْ وَهْمِ الإِحْسَانِ وَسُبُلُ تَصْحِيحِ السَّعْي
يا عبادَ اللهِ، لم يتركِ القرآنُ ولا السُّنّةُ القلوبَ حائرةً أمامَ هذا الخطرِ الخفيِّ، بل وضعتِ الشريعةُ معالمَ واضحةً للنجاةِ، وطرائقَ بيّنةً لتصحيحِ السعي، وحراسةِ العملِ من أن ينقلبَ على صاحبِه وهو لا يشعرُ.
أوّلُ هذه المعالمِ: العِلْمُ قَبْلَ العَمَلِ، فإنَّ العملَ بلا علمٍ ضلالٌ، والحماسةَ بلا فقهٍ فتنةٌ، وقد قرّرَ اللهُ هذا الأصلَ حين قال: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: 19]، فقدّمَ العلمَ قبلَ القولِ والعملِ. قال الرازي رحمه الله: وَالْعِلْمُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَمَلِ”. تفسير الرازي [ج24، ص554].
وقال المناوي رحمهُ اللهُ في فيض القدير [ج4، ص389]: “فَالْعِلْمُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَمَلِ شَرَفًا وَحَالًا، إِذِ الشَّيْءُ يُعْلَمُ أَوَّلًا ثُمَّ يُعْمَلُ بِهِ، وَمِلَاكُ الدِّينِ الْوَرَعُ، وَالْعَالِمُ مَنْ يَعْمَلُ، وَمَنْ لَا يَعْمَلْ فَهُوَ وَالْجَاهِلِ سَوَاءٌ، بَلِ الْجَاهِلُ خَيْرٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْعِلْمَ بِلَا عَمَلٍ عَاطِلٌ، وَالْعَمَلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ بَاطِلٌ، إِذْ لَا يَصِحُّ الْعَمَلُ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ كَيْفِيَّتِهِ، وَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْعِلْمِ إِلَّا بِالْعَمَلِ بِهِ عَلَى مُقْتَضَى السُّنَّةِ. قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: بِالْعِلْمِ يَصِحُّ الْعَمَلُ، وَبِالْعَمَلِ تُنَالُ الْحِكْمَةُ، وَبِالْحِكْمَةِ يُوَفَّقُ لِلزُّهْدِ، وَبِالزُّهْدِ تُتْرَكُ الدُّنْيَا، وَبِتَرْكِ الدُّنْيَا تُرْغَبُ فِي الْآخِرَةِ، وَبِالرَّغْبَةِ فِيهَا يُنَالُ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى.
ومن أجلِ ذلك قال عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حنبلٍ: «تَعَلَّمُوا العِلْمَ، فَإِذَا عَلِمْتُمْ فَاعْمَلُوا”. حِلْيَةُ الأَوْلِيَاءِ [ج1، ص131].
وثاني المعالمِ: لزومُ أهلِ العلمِ والرجوعُ إليهم، لا احتقارُهم ولا اتّهامُهم، فإنَّ كلَّ انحرافٍ فكريٍّ بدأَ بسقوطِ هيبةِ العلمِ من القلوبِ. وقد قال اللهُ تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَهْلُ الذِّكْرِ أَهْلُ الْقُرْآنِ وقيل: أهل العلم، تفسير القرطبي [ج10، ص108].
وثالثُ المعالمِ: عرضُ العملِ على السُّنّةِ لا على الشعورِ، فإنَّ كثيرًا من الناسِ يزنُ عملَهُ بما يرتاحُ إليه قلبُه، لا بما جاءَ عن نبيِّه. وقد قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، البخاري [2697] ومسلم [1718]. قال النوويُّ رحمهُ اللهُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شرح صحيح مسلم [ج12، ص16].
ورابعُ المعالمِ: الخوفُ من سوءِ الخاتمةِ وعدمُ الاغترارِ بالعملِ، فإنَّ المؤمنَ الصادقَ لا يأمنُ مكرَ اللهِ، ولا يطمئنُّ إلى نفسِه، ولا يزكّي عملَه. وقد قال اللهُ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: 60]، قالت عائِشةُ للنبي صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: “أهم الذين يَشرَبونَ الخَمرَ ويَسرِقونَ؟ قال: لا يا بِنتَ الصِّديقِ، ولكِنَّهم الذين يصومون ويُصَلُّونَ ويتصَدَّقون وهم يخافون ألَّا تُقبَلَ منهم، أولئك الذين يسارِعونَ في الخيراتِ وهم لها سابِقونَ“، رواه الترمذي [3175]، وابن ماجه [4198]. حديث صحيح.
ومن هنا نفهمُ موقفَ السريِّ السقطيِّ رحمهُ اللهُ، حين ظلَّ يستغفرُ اللهَ ثلاثينَ سنةً من كلمةِ حمدٍ خافَ أن تكونَ قد خالطها حظوظُ النفسِ، فكيفَ بمن يُكفِّرُ، ويُقصي، ويُفسدُ، ويزعمُ أنه يُصلحُ؟
وخامسُ المعالمِ: محاسبةُ النفسِ قبلَ محاسبةِ الناسِ، فإنَّ أخطرَ الناسِ من يُصلحُ العالمَ وينسى قلبَه، ويُراقبُ الخلقَ وينسى نفسَه. قال الحسنُ البصريُّ رحمهُ اللهُ: إنَّ المؤمنَ قوامٌ على نفسِهِ يحاسبُ نفسَهُ للهِ عزَّ وجلَّ، وإنما خفَّ الحسابُ يومَ القيامةِ على قومٍ حاسبوا أنفسَهم في الدنيا، وإنما شقَّ الحسابُ يومَ القيامةِ على قومٍ أخذوا هذا الأمرَ من غيرِ محاسبةٍ”. صفة الصفوة لابن الجوزي [ج2، ص138]. وقال أيضًا: يا ابنَ آدمَ إنكَ لا تصيبُ حقيقةَ الإيمانِ حتى لا تعيبَ الناسَ بعيبٍ هوَ فيكَ، وحتى تبدأَ بصلاحِ ذلكَ العيبِ من نفسِكَ فتصلحَهُ، فإذا فعلتَ ذلكَ لم تصلحْ عيبًا إلا وجدتَ عيبًا آخرَ لم تصلحْهُ، فإذا فعلتَ ذلكَ كانَ شغلُكَ في خاصةِ نفسِكَ، وأحبُّ العبادِ إلى اللهِ تعالى من كانَ كذلكَ. صفة الصفوة لابن الجوزي [ج2، ص138]
بهذه المعالمِ، يا عبادَ اللهِ، تُصانُ القلوبُ من الغلوِّ، وتُحفظُ الأعمالُ من الردِّ، ويُسدُّ بابُ الوهمِ قبلَ أن يتحوّلَ إلى فتنةٍ، ويُربَّى المسلمُ على أنَّ الهدايةَ توفيقٌ لا دعوى، وأنَّ الصوابَ فضلٌ لا استحقاق، وأنَّ أخطرَ الخسارةِ أن يعملَ الإنسانُ، ويجتهدَ، ويتعبَ، ثم يلقى اللهَ وقد ضلَّ سعيُهُ وهو يحسبُ أنه يُحسنُ صنعًا.
الخَاتِمَةُ: يا عبادَ اللهِ، إنَّ أخطرَ ما يُبتلى به الإنسانُ في دينِه ليس الوقوعَ في الذنبِ مع الشعورِ بالذنبِ، ولكن الوقوعَ في الخطأِ مع الاطمئنانِ إليه، وأن يسيرَ في طريقٍ يظنّهُ هدى، وهو في الحقيقةِ انحرافٌ، وأن يعملَ عملًا يراهُ إحسانًا، وهو عندَ اللهِ مردودٌ أو ناقصٌ أو مشوبٌ.
ولذلك ختمَ اللهُ هذا البابَ العظيمَ بنداءٍ يُوقظُ القلوبَ، فقال سبحانه: ﴿وَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم: 32]، فليس الميزانُ فيما يراهُ الإنسانُ من نفسِه، ولا فيما يشعرُ به من طمأنينةٍ أو حماسةٍ، ولكن الميزانُ فيما يعلمهُ اللهُ من صدقِ القلبِ وصحّةِ الطريقِ وموافقةِ العملِ لهديِ نبيِّه ﷺ. قال ابنُ كثيرٍ رحمهُ اللهُ: تَمدَحوها وتَشكُروها وتَمنّوا بأَعمالِكُم، (هُوَ أَعلَمُ بِمَنِ اتَّقى)، كما قالَ: (أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ يُزَكّونَ أَنفُسَهُم، بَلِ اللَّهُ يُزَكّي مَن يَشاءُ وَلا يُظلَمونَ فَتيلاً) [النِّساءِ: 49]، تفسير ابن كثير [ج7، ص483]. وقال القرطبي: “فَلا تُزَكّوا أَنفُسَكُم أَي لا تَمدَحوها ولا تُثنوا عَلَيها، فَإِنَّهُ أَبعَدُ مِنَ الرِّياءِ وَأَقرَبُ إِلَى الخُشوعِ، هُوَ أَعلَمُ بِمَنِ اتَّقى أَي أَخلَصَ العَمَلَ وَاتَّقى عُقوبَةَ اللَّهِ؛ عَنِ الحَسَنِ وغَيرِهِ. قالَ الحَسَنُ: قَد عَلِمَ اللَّهُ سُبحانَهُ كُلَّ نَفسٍ ما هِيَ عامِلَةٌ، وَما هِيَ صانِعَةٌ، وَإِلَى ما هِيَ صائِرَةٌ”. تفسير القرطبي [ج17، ص110].
فلنقفْ جميعًا عند هذه الآيةِ وقفةَ مراجعةٍ لا وقفةَ تلاوةٍ: ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾، نسألُ أنفسَنا: هل نزنُ أعمالَنا بالوحيِ أم بالمشاعرِ؟ هل نقيسُ طريقَنا بالسنّةِ أم بالهوى؟ هل نخافُ على أعمالِنا من الردِّ كما نخافُ على ذنوبِنا من العقوبةِ؟
اللهمَّ احفظْ بلادَنا مصر وأموالَنا وأعراضَنا، وباركْ في أرزاقِ الناسِ، وادفعْ عنا الفتنَ ما ظهرَ منها وما بطنَ.
المراجع: القرآن الكريم
كتب الحديث: صحيح البخاري، صحيح مسلم، مسند أحمد، سنن أبي داود، سنن الترمذي، المعجم للقرطبي. مصنف ابن أبي شيبة. سنن الدارمي.
تفسير الطبري، تفسير القرطبي، تفسير الرازي، تفسير ابن كثير، تفسير الوسيط لطنطاوي، تفسير البغوي، لطائف الإشارات للقشيري، شرح البخاري لابن حجر، شرح مسلم للنووي، سير أعلام النبلاء للذهبي، حليةِ الأولياء أبو نعيم، الموافقات للشاطبي، صفة الصفوة لابن الجوزي، فيض القدير للمناوي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي، جامع العلوم والحكم لابنُ رجبٍ، محاسبة النفس لابن أبي الدنيا، الزهد لابن أبي الدنيا.
د. أحمد رمضان
خُطبةُ صوتِ الدعاةِ – إعداد رئيس التحرير: الدكتور أحمد رمضان
___________________________________
خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف علي صوت الدعاة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
تابعنا علي الفيس بوك
الخطبة المسموعة علي اليوتيوب
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
و للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع
للمزيد عن أخبار الأوقاف
و للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد عن مسابقات الأوقاف
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
