
يؤكد أندرو دورنبيرر أن احتفاظ سويسرا بالأصول الأجنبية الفاسدة لا يضر بسمعتها فحسب، بل بمصالحها طويلة الأمد أيضًا.
تم نشر هذا المحتوى على
21 ديسمبر 2025 – 09:00
مقال رأي بقلم أندرو دورنبيرير

أندرو دورنبيرير هو مسؤول السياسات والبحوث في المركز الدولي لاسترداد الأصول (ICAR) التابع لمعهد بازل للحوكمة. وهو محقق معتمد في قضايا الاحتيال، ومؤلف كتاب (الثراء غير المشروع: دليل للقوانين التي تستهدف الثروات غير المبررة) الذي نُشر في عام 2021، وحصل على رخصة ممارسة المحاماة في المحكمة العليا لغرب أستراليا في عام 2012. وقد عاش وعمل في كل من سويسرا وتنزانيا.
مقالات أخرى للكاتب (ة)
أنظر 9 لغات أخرى
منذ التسريبات المنشورة في ثمانينات القرن الماضي، الكاشفة لاستخدام البنوك السويسرية ملاذًا آمنًا للأموال المختلَسة من الرئيس الفلبيني السابق، فرديناند ماركوس، بذلت الحكومات السويسرية المتعاقبة جهودًا حثيثة لمحو الصورة المتداولة تاريخيًا عن سويسرا، أنها تستفيد من الفساد الدولي.
في هذا السياق، التزمت سويسرا علنًا وبشكل متكرر، بمعايير أخلاقية عالية. وكانت الرسالة واضحة على مدى ثلاثة عقود: الاحتفاظ بأصول ناتجة عن فساد مسؤولين أجانب أمر غير أخلاقي، وسويسرا لا تريد أموالًا فاسدة.
ولإضفاء الطابع الرسمي على هذا الموقف دوليًا، صادقت سويسرا على العديد من المعاهدات الرئيسية لمكافحة الفساد تحت مظلة الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، ومجلس أوروبا. وعلى الصعيد الوطني، اعتمدت الحكومة الفدرالية أول “استراتيجية لمكافحة الفساد” في عام 2021 .
المزيد

المزيد
شؤون خارجية
من نيجيريا إلى تونس ولبنان: بطء المسار السويسري في إعادة الأصول المنهوبة يثير الانتقادات
تم نشر هذا المحتوى على
26 سبتمبر 2025
إن المهمة الصعبة المتمثلة في الكشف عن الأصول غير المشروعة التي يحتفظ بها المسؤولون الفاسدون وإعادتها إلى أوطانها أصبحت قضية معقدة بسبب التقدم البطيء وتراجع التزام الدول المعنية بذلك.
طالع المزيدمن نيجيريا إلى تونس ولبنان: بطء المسار السويسري في إعادة الأصول المنهوبة يثير الانتقادات
لقد نجحت سويسرا في تعزيز معاييرها الذاتية بنتائج ملموسة، وبنت سمعة قوية في تحديد عائدات الفساد المارة عبر نظامها المالي، واستردادها. وحتى الآن، استعادت أكثر من ملياري دولار أمريكيرابط خارجي من أموال الفساد المرتبطة بمسؤولين أجانب، وأعادتها. وهو مبلغ مثير للإعجاب.
ومع ذلك، من الخطأ الاعتقاد بقيام سويسرا بكل العمل المنتظر منها. فرغم جهودها وخطواتها المقطوعة، لا شكّ أنّها لا تزال تستفيد بشكل كبير من أشكال الفساد الدولي. ويتعلق الأمر بالرشاوَى الممنوحة لموظفين.ات عموميين.ات أجانب.
جني أرباح الفساد الأجنبي
في الفترة ما بين عامي 2011 و2024، عالجت السلطات الفدرالية السويسرية 14 قضية فساد، تورطت فيها شركات سويسرية (أو شركات متعددة الجنسيات تعمل في سويسرا)، عن طريق تسويات خارج نطاق القضاء.
في هذه القضايا، ثبُت تحقيق شركات مثل غلينكوررابط خارجي ( (Glencore ، وأودبريشترابط خارجي (Odebrecht)، وكيه بي إيه نوتاسيس (KBA NotaSys)، وألستومرابط خارجي (Alstom) أرباحًا طائلة من مخططات فساد تورط فيها موظفون.ات حكوميون.ات أجانب. ولتسوية هذه الدعاوى الأربع عشرة، اضطرت هذه الشركات لدفع مبلغ ضخم للخزينة العامة السويسرية، يُقدّر بنحو 730 مليون فرنك سويسري. وهو ما يُمثل مكاسب غير مشروعة.
قد يبدو ذلك للوهلة الأولى حلًا عادلًا. فقد تم ضبط الشركات في حالة تلبّس، وتحويل أرباحها غير المشروعة قسرًا إلى الكنفدرالية، ومنعها من الاستفادة من جرائمها.
مع ذلك، يغفل هذا التحليل التبسيطي عنصرًا جوهريًا. وهو عدم جني هذه الأرباح من أعمال فساد تمسّ سويسرا بالدرجة الأولى، بل من ممارسات ألحقت أضرارًا جسيمة بدول محدودة أو متوسطة الدخل، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، وغينيا الاستوائية، والمغرب، والبرازيل. وفي بعض الحالات، كانت هذه الأضرار ملموسةً ولا جدال فيها، مثل بيع الأصول العامة بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية.
وفي جميع الحالات، شملت تلك الأضرار أضرارًا غير مادية لحقت بالدولة (وسكانها)، مثل فقدان الثقة في المؤسسات العامة، وردع الاستثمار الأجنبي، وإضعاف التنمية الاقتصادية.
ونتيجة لذلك، تظلّ السلطات السويسرية، بحيازة هذه الأموال، عُرضة لانتقادات تُتّهم فيها بالحصول على فوائد معتبرة من أعمال الفساد الدولي، التي ارتكبتها شركات مرتبطة بسويسرا. والأدهى من ذلك، تتمّ تلك الفوائد على حساب دول أجنبية.
لماذا تحتفظ سويسرا بهذه الأموال؟
كما ذكرنا سابقًا، تتمتع سويسرا بسجلٍ حافل في تقاسم الأرباح المتأتية من أشكال أخرى من الفساد الدولي وإعادتها. فعلى سبيل المثال، على مدار السنوات الثلاث الماضية، حوّلت سويسرا 444 مليون دولار من عائدات الفساد إلى أوزبكستان. وذلك عبر صندوق أنشأته الأمم المتحدة خصيصًا لاستفادة الشعب الأوزبكي منه بشكل مباشر.
لكن للأسف، يتضمن القانون الأساسي الذي يسمح لسويسرا بتقاسم الأرباح المتأتية من الفساد الأجنبي، القانون الفدرالي لتقاسم الأصول المصادرةرابط خارجي، قيدًا يمنع تطبيقه على هذه الحالات، دون قصد. وتحديدًا، لا يُخوّل هذا القانون للحكومة إبرام اتفاقيات تقاسم أرباح مع دول أجنبية، إلاّ إذا قدمت الدولة المعنية مساعدة لسويسرا خلال الدعوى القضائية. هذا التقييد مفهومٌ، ويهدف إلى تشجيع التعاون الدولي. لكن، في قضايا الفساد التي يتابع فيها موظفون.ات حكوميون.ات أجانب، نادرًا ما تلتمس السلطات السويسرية التعاون من دول أخرى، إن طلبته أصلًا.
وعمليًا، تتم تسوية هذه القضايا عادةً بإجراءاتٍ خارج نطاق القضاء. إذ تتعاون الشركات نفسها مباشرةً مع السلطات السويسرية، وتُقدّم المعلومات المطلوبة. ونتيجةً لذلك، نادرًا ما يكون بمقدور الدول المتضررة من أعمال الفساد هذه المشاركة في الإجراءات. وعليه، لا يُسمح لسويسرا بالتفاوض على اتفاقية تقاسم أرباح معها بعد إقفال القضايا.
وتُضاف إلى ذلك صعوبة اللجوء إلى الطرق القانونية لتعويض الأضرار. ويتجلى هذا خاصةً عند تبيُّن أنّ الفساد الأجنبي لم يلحق ضررًا واضحًا بالدولة، بل تسبب في ضررٍ معنوي فقط لضحية غير محددة الهوية. ونقصد بذلك سكان تلك الدولة.
المزيد

المزيد
التجارة العالمية
تتبّع مصدر الذهب: الحلقة الضعيفة في صناعة الساعات السويسرية
تم نشر هذا المحتوى على
25 أكتوبر 2025
صناعة الساعات السويسرية الفاخرة هي مرجعية عالمية من حيث الإتقان والدقة والفخامة. لكن، من أين تأتي المواد الأولية التي تستخدمها، لا سيَّما الذهب؟ لمعرفة الجواب على هذا السؤال الصعب، أجرينا هذا التحقيق.
طالع المزيدتتبّع مصدر الذهب: الحلقة الضعيفة في صناعة الساعات السويسرية
وبناء على ذلك، تحتفظ سويسرا بهذه الأرباح، في غياب الطرق القانونية الواضحة التي تسمح لها بالتخلي عن الرقابة المفروضة عليها. وذلك على الأقلّ بطريقة من شأنها إصلاح الضرر الناجم عن هذه الجرائم
وبناء على ذلك، تحتفظ سويسرا بهذه الأرباح، في غياب الطرق القانونية الواضحة التي تسمح لها بالتخلي عن الرقابة المفروضة عليها ــ على الأقل بطريقة من شأنها أن تصلح الضرر الناجم عن هذه الجرائم.
ما العمل؟
مبدئيًا، ينبغي على سويسرا انتهاج سياسة تلتزم فيها بالكف عن الاحتفاظ بالأرباح المتأتية من قضايا الفساد الأجنبية، حتى لو كان ذلك بشكل غيابي.
وينبغي عليها اتخاذ إجراءات تشريعية لضمان إعادة توجيه هذه الأموال من أجل إصلاح الضرر اللاحِق بالدول الأجنبية المعنية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال اتفاقيات تسمح بالتعويض المباشر عن الأضرار المادية، أو من خلال آليات تسمح باستخدام هذه الأموال لصالح ضحايا هذه الأعمال على نطاق أوسع، أي شعوب الدول الأكثر تضررًا. والحل الأمثل، تضمُّن أيُّ اتفاق من هذا النوع تمويل مبادرات تهدف إلى منع أعمال الفساد في المستقبل وردعها في هذه الدول، أو إلى تعزيز سيادة القانون بصفة عامّة.
ويمكن لهذا الإصلاح التشريعي أن يتم عبر تعديل القانون المذكور سابقًا، لإلغاء شرط التعاون في حالات الفساد الأجنبي تحديدًا. أو يمكن أن يتخذ شكل قانون جديد يُخوّل للحكومة السويسرية إبرام اتفاقيات لتقاسم الأرباح في مثل هذه الحالات.
وبالطبع، لن يكون التفاوض على اتفاقيات التقاسم ممكنًا، أو قابلًا للتنفيذ دائمًا. فهناك ظروف سياسية طارئة قد تعقّد الأمور. بل من الممكن أن تكون العناصر الفاسدة المتورّطة في الأعمال غير القانونية الأولية، موجودة داخل بعض الحكومات دائمًا.
ومع ذلك، لا ينبغي لسويسرا الاحتفاظ بالأرباح غير المشروعة المعنية في مثل هذه الحالات. ورغم كلّ شيء، لكي تتمكن من إعادة تخصيص هذه الأموال، ينبغي عليها اتخاذ إجراء تشريعي لإنشاء “صندوق عام لمكافحة الفساد”. فيُعاد توجيه الأرباح غير المشروعة من هذا النوع من الأعمال.
بعد ذلك، يمكن لهذا الصندوق الإشراف على إعادة تخصيص هذه الأموال لمبادرات تستهدف الفساد والرشوة، على الصعيد العالمي. كما يمكن استخدامه كصندوق دعم لضحايا قضايا أخرى من قضايا الفساد الأجنبي. وذلك بتقديم مساعدة مالية لهم.نّ لإصلاح الضرر اللاحق بهم.نّ، أو لرفع دعاوى قضائية للحصول على تعويضات.
المزيد

المزيد
الديمقراطية السويسرية
ما الدور الذي يلعبه المال في السياسة السويسرية؟
تم نشر هذا المحتوى على
04 نوفمبر 2025
لأوّل مرّة، وبعد إدراج قواعد الشفافية الجديدة بشأن التبرعات المالية للأحزاب، تظهر البيانات توافق سويسرا مع المعدل الأوروبي.
طالع المزيدما الدور الذي يلعبه المال في السياسة السويسرية؟
وتجدر الإشارة إلى أنّ سويسرا نفسها ستستفيد أيضًا من هذه الإجراءات. فعلى الصعيد الوطني، قد يُترجم ذلك إلى فرص أكبر للشركات السويسرية الملتزمة بالقانون.
وكشفت دراسة أجرتها المدرسة العليا المتخصصة في غراوبوندن ومنظمة الشفافية الدولية، أنّ حوالي ربع الشركات السويسرية العاملة في الخارج، تعتبر أنّها تخسر حصصًا في السوق لصالح منافسين فاسدين. أضف إلى ذلك، ستساهم سويسرا في تهيئة شروط منافسة أكثر تكافؤًا لشركاتها. وذلك من خلال إعادة تخصيص الأرباح غير المشروعة، المتأتية من هذه القضايا لمبادرات تهدف إلى منع الفساد وردعه في الدول الضعيفة. كما ستعزز مكانتها الدولية، كدولة رائدة عالميًا في مكافحة الفساد.
ومنذ أمد بعيد، تسعى سويسرا إلى إزالة الانطباع السائد عنها من أنّها تستفيد من الفساد الدولي، وقد قطعت أشواطًا لا يستهان بها في هذا المجال. ومع ذلك، لا يزال من الممكن بذل مزيد الجهود. وسيكون سنّ قوانين تسمح بإعادة توجيه الأرباح المتأتية من الفساد الأجنبي وتوزيعها، أقوى رسالة تبعث بها سويسرا، وهي أنها لا تريد أموال الفساد.
الآراء الواردة في هذه المقالة تعبّر عن رأي الكاتب وحده، ولا تعكس بالضرورة موقف “سويس إنفو” (SWI Swissinfo.ch).
ترجمة: موسى آشرشور
مراجعة: عبد الحفيظ العبدلّي
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
مقالات مُدرجة في هذا المحتوى
