رشا طبيلة (أبوظبي)
تبلغ الاستثمارات المستقبلية المخطط لها بقطاع الطيران الإماراتي حتى عام 2045 أكثر من تريليون درهم إضافي، بعد أن تجاوز إجمالي الاستثمارات المتراكمة حتى عام 2025 تريليون درهم حسب سيف السويدي مدير عام الهيئة العامة للطيران المدني.
وأكد السويدي في حوار خاص مع (الاتحاد) أنه من المتوقع نمو عدد المسافرين عبر مطارات الإمارات بنسبة تتراوح بين 5 و6% خلال 2025 ليتجاوز 155 مليون مسافر.

سيف السويدي لـ«الاتحاد»: تريليون درهم استثمارات مستقبلية بقطاع الطيران الإماراتي حتى 2045
وقال السويدي، إن هذا النمو يأتي رغم التحديات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، ويعكس القوة التشغيلية الفائقة للقطاع في الدولة، مشيراً إلى أن النمو المتسارع في أعداد المسافرين عبر مطارات دولة الإمارات، بعد تجاوز العدد 147.8 مليون مسافر في عام 2024، شكّل مؤشراً حيوياً على متانة البنية التحتية، وفعالية السياسات التشغيلية، وجاذبية الدولة كمحور دولي للطيران والسفر والتجارة.
وأضاف: «تأتي توقعاتنا أيضاً استناداً إلى متوسط النمو الشهري ونتائج الأشهر العشرة الأولى من عام 2025، حيث استقبلت الدولة أكثر من 128 مليون مسافر».
وأكد السويدي أهمية تلك التوقعات التي تعكس مرونة قطاع الطيران الإماراتي في مواجهة التقلبات العالمية، وتعزز من قدرته على الاستجابة السريعة للمتغيرات، إضافة أن إلى جاهزية البنية التحتية وقدرة المطارات الوطنية على استيعاب هذا النمو تعكس نجاح الخطط التوسعية والتقنيات الذكية التي تم إدماجها في إدارة التشغيل والركاب.
وأضاف: «يُعد هذا النمو مؤشراً واضحاً على مكانة الإمارات كوجهة مفضلة للمسافرين بغرض الأعمال والسياحة والترانزيت، مدعومة بشبكة خطوط جوية تصل إلى أكثر من 300 مدينة حول العالم».
وأكد السويدي أن النمو المحقق لا يُعد استثنائياً، بل يعكس منحىً تصاعدياً طويل الأمد، خصوصاً مع توسعة الأساطيل، وافتتاح مراحل جديدة من مطار آل مكتوم، وتوسعة مطار زايد الدولي، إلى جانب نمو الأسواق الجديدة المستهدفة في آسيا وأفريقيا.
وشدد السويدي على أن هذا الأداء لا يعكس فقط تعافي القطاع، بل يؤكد على المكانة العالمية الراسخة لدولة الإمارات كمركز ربط جوي استراتيجي، حيث تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في مؤشر الربط الجوي العالمي وتدير أكثر المطارات ازدحاماً للمسافرين الدوليين في العالم مثل مطار دبي الدولي.
وأرجع السويدي المكانة الاستراتيجية للإمارات كمركز ربط جوي إلى القدرة التشغيلية الفائقة، حيث تعتمد مطارات الدولة على منظومات ذكية لإدارة الحركة الجوية، إجراءات الجوازات، والتفتيش الأمني، مما يجعل تجربة المسافر أكثر كفاءة وسلاسة.
وأضاف: «تم تصنيف مطارات الإمارات من بين الأكثر تطوراً رقمياً في العالم بحسب مؤشرات التنافسية العالمية، إضافة إلى دور الناقلات الوطنية، فمن خلال شركات الطيران الإماراتية، تواصل توسيع شبكاتها التشغيلية وتقديم خدمات جوية بمعايير استثنائية، ما يُسهم في استقطاب مزيد من المسافرين من مختلف الأسواق الدولية».
وقال السويدي إن كل مسافر إضافي يعزّز من الإيرادات السياحية والتجارية، ويساهم في تشغيل قطاعات دعم متعددة مثل الضيافة، التجزئة، والخدمات اللوجستية، حيث يدعم قطاع الطيران أكثر من 992 ألف وظيفة، ويساهم بما يعادل 18.2% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، بحسب بيانات IATA وأوكسفورد إيكونوميكس.
وأضاف السويدي: «من العوامل أيضاً تكامل البنية التحتية، حيث يرتبط هذا النمو بالتقدم الكبير في مشاريع التوسع والتحديث في المطارات، بما يشمل مطار زايد الدولي ومرافق التوسعة المستقبلية في مطار آل مكتوم الدولي الذي يُتوقع أن يكون الأكبر عالمياً من حيث السعة التشغيلية عند اكتماله».
وشدد السويدي على «أن ازدياد أعداد المسافرين بهذا النطاق لا يُعد مجرد إنجاز تشغيلي، بل يعكس قوة المنظومة المتكاملة للطيران الإماراتي، والتي تجمع بين التخطيط الاستراتيجي، الاستثمار المستمر، والجاهزية التقنية والتنظيمية لتلبية الطلب العالمي المتزايد».
استثمارات
وتفصيلاً حول الاستثمارات الضخمة في القطاع، قال السويدي: «تعكس الاستثمارات الضخمة التي تضخها دولة الإمارات في قطاع الطيران المدني رؤيتها الاستراتيجية في ترسيخ مكانتها كعاصمة عالمية للطيران، وكمركز متقدم للخدمات الجوية والبنية التحتية الحديثة».
وأوضح السويدي: «حتى عام 2025، تجاوز إجمالي الاستثمارات المتراكمة في القطاع – بما يشمل البنية التحتية، الأنظمة التقنية، وتوسعة الأساطيل – حاجز التريليون درهم إماراتي، وفق تقديرات الجهات الوطنية، كما تُقدّر الاستثمارات المستقبلية المخطط لها حتى عام 2045 بأكثر من تريليون درهم إضافي، مما يجعل الإمارات من بين الدول الأعلى استثماراً في منظومة الطيران على مستوى العالم».
قال السويدي: إن تلك الاستثمارات توجّه نحو مجالات محورية تشمل البنية التحتية للمطارات من خلال رفع الطاقة الاستيعابية الإجمالية لمطارات الدولة إلى أكثر من 160 مليون مسافر سنوياً، مع توقعات بالوصول إلى 250 مليون مسافر بعد استكمال المشاريع الكبرى.
وأضاف: من المشاريع تطوير مطار آل مكتوم الدولي «DWC» ليصبح أكبر مطار في العالم من حيث السعة والطاقة التشغيلية، بسعة مستقبلية تفوق 260 مليون مسافر، إضافة إلى توسعة وتحديث مطار زايد الدولي لاستيعاب النمو المتسارع في حركة السفر الإقليمية والعالمية.
ومن المجالات المحورية التي توجّه الاستثمارات إليها أيضاً الأساطيل الوطنية، من خلال تحديث وتوسعة أساطيل طيران الإمارات والاتحاد للطيران وفلاي دبي والعربية للطيران، بما يشمل الاستثمار في طائرات الجيل الجديد الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود وتقنيات الطيران الرقمي، إضافة إلى التحول البيئي والتقني من خلال الاستثمار في إنتاج واعتماد وقود الطيران المستدام «SAF» محلياً، بما في ذلك تطوير أول إطار تشغيلي للسوق الطوعية بالتعاون مع الإيكاو ومشاريع متقدمة في التنقل الجوي الحضري والتاكسي الجوي، عبر شراكات مع شركات تقنية عالمية، فضلاً عن إدماج الذكاء الاصطناعي والأنظمة الرقمية الذكية في إدارة الحركة الجوية، سلامة التشغيل، والرقابة التنظيمية.
ومن المجالات المحورية البنية التشريعية والتشغيلية من خلال تطوير منصات رقمية لإدارة التراخيص، الأمن السيبراني، ومراقبة الامتثال، مما يجعل الإمارات مرجعاً دولياً في الحوكمة الذكية للطيران المدني.
إنجازات وأكد السويدي من أبرز إنجازات العام 2025 فوز دولة الإمارات بعضوية مجلس الإيكاو للدورة 2025–2028، الذي يعكس الثقة المتجددة من المجتمع الدولي بدور الدولة المحوري في صياغة مستقبل صناعة الطيران المدني، ويؤكد ريادتها المستمرة كدولة مؤثرة في تطوير المعايير العالمية المتعلقة بالسلامة، والأمن، والاستدامة، والتحول الرقمي.
وبيّن السويدي: «هذا المقعد لا يقتصر على التمثيل السياسي، بل يمثّل منصة تنفيذية واستراتيجية تتيح للإمارات أن تكون جزءاً من عملية اتخاذ القرار في ملفات جوهرية تشمل الذكاء الاصطناعي في الرقابة التشغيلية، تسريع وتيرة استخدام الوقود المستدام للطيران، تطوير آليات التمويل المناخي للطيران، وتشكيل الإطار التنظيمي للتنقل الجوي المتقدم.
وأضاف السويدي: «تكمن أهمية هذا المقعد في أنه يُمكّن الدولة من التأثير المباشر في حوكمة التحولات العالمية الجارية، خصوصاً في ظل تزايد التحديات المناخية ومتطلبات الأمن السيبراني وتعقيدات النمو السريع للقطاع». وأشار السويدي إلى أن الإمارات تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في مؤشر الربط الجوي، وتُعد من الدول الأعلى في عدد اتفاقيات النقل الجوي الثنائية بواقع 189 اتفاقية، وتدير منظومة مطارات تُصنّف بين الأكثر ازدحاماً وتقدماً رقمياً على مستوى العالم، مؤكداً أن منظومتها التنظيمية حصلت على 98.86% في تقييم برنامج الرقابة على السلامة «USOAP» من منظمة الإيكاو، مما يضعها ضمن أفضل الدول في الالتزام التنظيمي عالمياً.وقال السويدي: «إن الحفاظ على هذا المقعد يمثّل امتداداً لدور الدولة القيادي في دعم منظومة طيران دولية آمنة، ذكية، ومستدامة، ويضمن بقاء الإمارات في مركز صناعة القرار الدولي للطيران في هذه المرحلة الانتقالية الحاسمة».
دور ريادي وحول دور دولة الإمارات الريادي داخل منظمة الإيكاو ومن خلال عضويتها في مجلس المنظمة منذ العام 2007، قال السويدي إنه منذ انتخابها لعضوية مجلس منظمة الطيران المدني الدولي «الإيكاو» في عام 2007، رسّخت دولة الإمارات مكانتها كدولة قيادية في منظومة الطيران المدني العالمي، من خلال مشاركات مؤسسية فاعلة ومساهمات نوعية في صياغة السياسات الدولية، وقيادة المبادرات التنظيمية، البيئية، والأمنية.
وأشار السويدي إلى أن الكفاءات الإماراتية تشغل مناصب محورية في هيكل الإيكاو، من بينها: نائب رئيس مجلس منظمة الإيكاو، ورئيس لجنة أمن الطيران، ورئيس لجنة حماية البيئة في الطيران، ومنصب رئيس فريق عمل البُعد الاجتماعي للاستدامة.وشدد السويدي على أن هذه المناصب القيادية المتكاملة لا تعكس فقط الثقة الدولية في قدرات الإمارات المؤسسية والتنظيمية، بل تُمكّنها فعلياً من التأثير المباشر في مستقبل الحوكمة العالمية للطيران.
إلى جانب ذلك، قال السويدي: إن الدولة طوّرت منظومة رقابة مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحليل المخاطر التشغيلية وتوجيه الرقابة الاستباقية، وهي تُعد اليوم نموذجاً يُحتذى به دولياً.
وأضاف السويدي أن الدولة تواصل دعم مبادرة عدم ترك أي دولة خلف الركب، حيث ساهمت في تدريب أكثر من 15 ألف مشارك من 130 دولة ضمن برامج بناء قدرات فنية وتنظيمية، بالتنسيق مع مكتب التعاون التقني في الإيكاو.
وأكد السويدي أن هذا الحضور القيادي المتعدد الأبعاد يعكس التزام الإمارات بأن تكون دولة مبادرة وموثوقة في تشكيل مستقبل طيران مدني آمن، ذكي، مستدام، وشامل على المستوى العالمي.
وفيما يتعلق بأهم المبادرات الدولية لدولة الإمارات التي أطلقتها تحت مظلة منظمة الإيكاو، قال السويدي: «تُجسد دولة الإمارات نموذجاً متقدماً في توظيف عضويتها في منظمة الطيران المدني الدولي «الإيكاو» لإطلاق مبادرات ذات طابع عالمي، تُعزز التحول نحو طيران أكثر استدامة وعدالة وشمولية. وتنبع هذه المبادرات من رؤية استراتيجية ترتكز على الريادة المؤسسية، الاستثمار في رأس المال البشري، وتسريع الابتكار البيئي والتقني في القطاع».
وفي هذا السياق، قال السويدي: «أطلقت الدولة وساهمت في قيادة مجموعة من المبادرات المؤثرة، أبرزها السوق العالمي للطيران المستدام، وبرنامج السفراء في مسرعات الطيران العالمية، والبرنامج الدولي لقادة الطيران المدني، وبرنامج الجيل القادم من مهنيي الطيران، وجائزة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم العالمية للطيران.
وإلى جانب تلك المبادرات، استضافت الإمارات سلسلة من المؤتمرات العالمية تحت مظلة الإيكاو، ساهمت في إعادة تشكيل السياسات التنظيمية والبيئية، أبرزها: (المؤتمر الثالث للطيران والوقود البديل 2023) والندوة العالمية الرابعة لدعم التنفيذ (2025)، والاجتماعات الإقليمية للملاحة وسلامة الطيران».
وأكد السويدي أن هذه المبادرات تُظهر أن دولة الإمارات لا تكتفي بدور المتلقي للسياسات الدولية، بل تتحرك بفعالية ك صانع مسارات جديدة للطيران المدني، عبر أدوات الابتكار المؤسسي، والاستثمار في الكفاءات العالمية، وتوظيف شراكاتها مع «الإيكاو» لتسريع التحول نحو قطاع طيران أكثر عدالة، أماناً، واستدامة.
كوادر وطنية
ولفت السويدي إلى دور الكوادر الوطنية وزيادة حصتها في الوظائف بالقطاع، حيث شهدت نسبة التوطين في الوظائف الفنية في قطاع الطيران المدني نمواً ملحوظاً في عام 2024 مقارنة بعام 2023، حيث ارتفع عدد المواطنين العاملين في عدة مجالات فنية.
وبحسب بيانات الهيئة، ارتفع عدد المواطنين الطيارين في النصف الأول من العام الجاري بنسبة 11% إلى 1193 طياراً، وأطقم الضيافة 7% إلى 32 موظفاً، والمهندسين الإماراتيين بنسبة 2% إلى 598، والمراقبين الجويين الإماراتيين بنسبة 1% إلى 145 مراقباً، و12% نمو في موظفي عمليات الرحلات بواقع 28 وظيفة.
وأكد السويدي: «تعكس هذه الأرقام نجاح الجهود المبذولة لتعزيز مشاركة المواطنين في القطاع، خاصة في مجالات الطيران القيادية مثل الطيارين والمراقبين الجويين».
وقال السويدي: «تعمل الهيئة حالياً على استكمال تحضيرات تنظيم أكبر معرض للتوظيف في قطاع الطيران المقرر إقامته خلال يناير المقبل، بمشاركة الشركاء الاستراتيجيين بالقطاع، بهدف استقطاب الكفاءات الوطنية وتعزيز التوطين، إضافة إلى عرض الفرص الوظيفية المتنوعة».
