شهد عام 2025 حضورا لافتا لأفلام كوميدية تجاوزت حدود الضحك التقليدي، لتتحول إلى مساحة أوسع لاستكشاف المشاعر الإنسانية والصراعات اليومية، بأسلوب يجمع بين الخفة والمرارة في آن واحد. فقد اختارت بعض هذه الأعمال البساطة والصدق في تناول العلاقات الإنسانية، في حين لجأت أخرى إلى الكوميديا الخفيفة التي تلتقط لحظات مألوفة من الحياة اليومية، أو إلى السخرية السوداء والفكاهة الممزوجة بالدراما أو حتى الرعب، لتقديم تجارب سينمائية متعددة الطبقات.

في هذا السياق، نسلط الضوء في هذا التقرير على 4 أفلام بارزة نجحت في المزاوجة بين الفكاهة والعمق، مقدمة تجارب مختلفة تؤكد أن الكوميديا في 2025 لم تعد مجرد وسيلة للترفيه، بل أداة فنية قادرة على إحداث أثر نفسي وبصري، حيث يتقاطع الضحك مع الدهشة، وأحيانا مع الخوف، في صيغة سينمائية أكثر نضجا.

اقرأ أيضا list of 2 itemsend of list”صداقة”.. كوميديا خفيفة دون ابتذال

يروي فيلم “صداقة” (Friendship) حكاية علاقة تنشأ في ظروف غير متوقعة، قبل أن تبدأ بالتحول تدريجيا تحت وطأة مشاعر مؤجلة وأسئلة لم يُفصح عنها في البداية. لا يعتمد الفيلم على حبكة معقدة أو أحداث متسارعة، بل يراهن على تطور الشخصيات، وعلى المساحة الرمادية الدقيقة الفاصلة في العلاقات البشرية، وهي منطقة إنسانية حساسة نادرا ما تُقدَّم بصدق بعيد عن المبالغة.

يقدم العمل شخصيتين رئيسيتين تلتقيان في لحظة ضعف، وتنشأ بينهما علاقة قائمة على الحوار والمرح والمشاركة اليومية، قبل أن يبدأ التوتر  في التسلل بهدوء، لا على شكل انفجار درامي، بل كحالة ارتباك تدريجية تربك الطرفين وتضعهما أمام أسئلة غير محسومة.

وتكمن قوة الفيلم في أنه لا يدعي العمق الفلسفي، ومع ذلك ينجح في التقاط مشاعر إنسانية مألوفة، مثل الخوف من خسارة الصديق، والقلق من الإخلال بتوازن العلاقة. وهو ما جعل شريحة واسعة من المشاهدين تتماهى مع مواقفه، إذ يقدم علاقات تشبه واقع الحياة اليومية، بعيدا عن المثالية أو النماذج البعيدة عن التجربة الإنسانية الحقيقية.

تميز الفيلم بالإيقاع الهادئ، ما من تصاعدات حادة أو مفاجآت مفتعلة، بل منح المشاهد وقتا كافيا للتعاطف مع الشخصيات وفهم دوافعها. فيما اعتمد السيناريو على الذكاء وكوميديا الموقف، وكتب الحوار بلغة طبيعية أقرب للمعتاد.

من جهتهم، حظي الأبطال بكيمياء بينهم، ودعمت الموسيقى التصويرية المزاج العام للعمل، أما الإخراج فمال إلى البساطة مع الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة.

فيلم صداقة “صداقة” عمل دافئ، قوته الأساسية تكمن في صدقه الإنساني، وقدرته على تقديم قصة حب تبدأ من الصداقة دون افتعال، وهو فيلم مناسب لمن يبحث عن مشاهدة خفيفة، ومريحة نفسيا، ضمن إطار كوميديا متوازنة.

نوفوكايين: أكشن بنكهة الكوميديا السوداء

ينتمي فيلم “نوفوكايين” (Novocaine) إلى نوعية الأكشن الممزوج بالكوميديا السوداء، ويدور حول نيت، موظف بنك يعاني حالة طبية نادرة تجعله غير قادر على الإحساس بالألم. تنقلب حياته رأسا على عقب عندما يتعرض البنك لعملية سطو، ويجد نفسه مضطرا لمواجهة عالم عنيف لم يكن مستعدا له، مستغلا حالته الجسدية التي تحولت من عبء إلى سلاح غير متوقع.

تميز العمل بفكرته غير التقليدية التي ورغم بساطتها لكنها ذكية، إذ لم تستخدم كحيلة سطحية وإنما بنيت عليها الأحداث والمشاهد القتالية، مما صنع للعمل هوية خاصة وسط زخم أفلام الأكشن المتشابهة.

قدم البطل جاك كويد أداء متوازنا جمع بين الهشاشة الإنسانية والكوميديا الخجولة، في حين قُدم العنف في إطار ساخر مما خفف من حدته وجعله جزءا من البناء الدرامي لا مجرد استعراض دموي. أما العمل فحافظ على وتيرته السريعة مع إيقاع متماسك دون ترهل وسيناريو اهتم بالتفاصيل.

فيلم “نوفوكايين” تجربة مختلفة نسبيا وممتعة بصريا، تحمل في طياتها قراءة إنسانية عن الألم، والعزلة، وما يعنيه أن يشعر الإنسان حقا.

ذا روزز: كوميديا رومانسية عن الحب حين يخبو

إذا كنت من محبي أفلام الكوميديا الرومانسية التي بات الجيد منها نادرا، ننصحك بمشاهدة فيلم “ذا روزز” (The Roses) المقتبس عن رواية “حرب الورود”، يقدم الفيلم قراءة غير تقليدية لفكرة الحب والزواج، لا من لحظة البدايات الحالمة، بل من لحظة التآكل والانكسار.

وتتمحور أحداثه حول زوجين يبدوان في الظاهر مثالا للاستقرار والنجاح، لكن خلف هذا القناع تتراكم الخلافات الصغيرة، والأنانية، وسوء الفهم، إلى أن تتحول العلاقة إلى ساحة صراع مفتوح.

ما يميز العمل دراميا أنه لا يسعى إلى تمجيد الرومانسية، بل إلى تفكيكها، كاشفا كيف يمكن للحب أن ينقلب تدريجيا إلى منافسة وعداء حين تغيب القدرة على الحوار والتنازل وتصطدم المشاعر بالواقع اليومي، والطموح، والغرور.

أما فنيا، جاءت الكوميديا نابعة من المواقف والتناقض بين الشخصيات وليس من النكات الخفيفة، مما منح العمل عمقا إنسانيا يترك أثرا نفسيا غائرا لأن الكوميديا فيه تكشف جراحا حقيقية تتعلق بالفشل العاطفي والتواصل المفقود.

جدير بالذكر أن شخصيات الفيلم كتبت بعناية حيث ما من طرف بريء بالكامل أو مذنب مطلق وإنما شخصيات معقدة، الأمر الذي جعل المشاهد يتورط عاطفيا مع الطرفين في آن واحد، في حين اتسم السيناريو بالقوة والحوار الثري المحكم، وجاء الإخراج متوازنا، وبرع كل أوليفيا كولمان وبينديكت كمبرباتش في تمثيل دوريهما بنضج إذ أحسنا التقاط التفاصيل التي عكست بدورها التحولات النفسية للزوجين.

الأخت القبيحة غير الشقيقة: رعب لدرجة الضحك

“الأخت القبيحة غير الشقيقة” (The Ugly Stepsister) فيلم أوروبي يجمع بين الرعب والكوميديا، يحكي عن “إلفيرا” التي تعيش في عالم يحكمه الجمال المطلق، مما يجعلها تتصارع مع أختها الجميلة من أجل الفوز بقلب الأمير، وفي سبيل ذلك تلجأ إلى أساليب قاسية جدا وعنيفة.

قدمت ليا ميرين التي لعبت دور البطولة أداء يعكس الصراع الداخلي للشخصية، بين الرغبة في القبول والمواجهة مع واقع مؤلم، مما سمح بأن يتجاوز دورها حدود بطولة فيلم رعب تقليدي.

وقد حظي العمل بتصوير بصري جريء مزج بين جماليات الحقبة الزمنية وقبح التحولات الإنسانية، ناجحا بخلق توتر بصري متوازن بين الكوميديا المظلمة والرعب المروع. ورغم أنه يحتوي على مشاهد مرعبة ومثيرة للاشمئزاز، فإن هذه العناصر جاءت بمثابة نقد لاذع لثقافة الجمال الاستهلاكية، وكيف يمكن للإنسان التضحية بأغلى ما يملك في سبيل أن يصبح محبوبا.

كسر فيلم “الأخت القبيحة غير الشقيقة” القالب القصصي المعتاد لحكايات الخرافات، مقدما نسخة معاصرة وساخرة من حكاية سندريلا من وجهة نظر الأخت القبيحة، متخذا من الحكاية نقطة انطلاق لطرح رؤية جديدة حيث تتحول الخرافة إلى مرآة لواقعنا المعاصر، ويتحول السعي وراء الجمال إلى حكاية رعب قائم على الجسد والمعايير الاجتماعية، مع لمسات كوميدية سوداء تخفف وطأة الأحداث.

العمل مناسب للمشاهدة من قبل محبي الأفلام التي تدمج بين الرعب والفلسفة والسخرية بشكل متقن، فهو لا يقدم كوميديا مسلية فحسب، بل يسخر من الواقع الاجتماعي بشكل حقيقي وعميق.

الأفلام الأربعة السابقة تمثل مزيجا ثريا من الكوميديا، من المشاعر الرقيقة في “صداقة” إلى الأكشن السوداوي في “نوفوكايين”، ومن التفكيك الرومانسي الواقعي في “ذا روزز” إلى المزج بين الرعب والتهكم في “الأخت القبيحة غير الشقيقة”. هذا التنوع يعكس كيف تجاوزت الدراما الكوميدية مرحلة الضحك العابر، لتصبح لغة فنية قادرة على جذب الانتباه، وتحفيز التفكير، ومغازلة وجدان المتفرج.