خولة علي (أبوظبي)
تؤمن الفنانة التشكيلية الإماراتية لمياء الدرمكي بأن الفن مساحة تعبير تتجاوز الشكل إلى المعنى، وتمنح الفنان قدرة على ترجمة رؤيته للإنسان والمكان بلغة الألوان والخطوط. من خلال أعمالها، تسعى إلى إبراز ملامح الهوية الإماراتية برؤية معاصرة تمزج بين الأصالة والتجديد، مستندة إلى مهارة فنية تقوم على الواقعية التعبيرية واستخدام الفحم والألوان بأسلوب يمنح اللوحة عمقاً وحضوراً بصرياً مميزاً. والفن بالنسبة لها ليس مجرد ممارسة جمالية، بل رسالة تعكس الوعي والانتماء وتعِّبر عن روح الوطن في ملامح معاصرة.
بداية الشغف
ترى لمياء الدرمكي أن الفن التشكيلي ليس مجرد انعكاس للجمال، بل فعل وعي وثقافة ورسالة تتجاوز الإطار المادي للوحة. تقول: الفن بالنسبة لي مساحة أعبر فيها عن نفسي وعن وطني، وعن القيم التي نشأت عليها. هو مساحة حرة تمنحني القدرة على ترجمة مشاعري بلغة لا تحتاج إلى كلمات. ومن هنا تنطلق في بناء تجربتها التي تمزج بين الأصالة والحداثة، وبين روح المكان الإماراتي وملامح التعبير الإنساني الشامل.
تميّزت الدرمكي بأسلوبها الفريد في استخدام الفحم ومزجه بالألوان، ما يمنح أعمالها توازناً بين التكوين والظل والنور، ويكسبها طابعاً خاصاً لا يشبه سواها. هذا التداخل بين الصمت الأسود في الفحم ودفء الألوان يعبّر عن رؤيتها للحياة بكل تناقضاتها وهدوئها، وكأنها تقول إن الجمال الحقيقي يكمن في الانسجام بين البساطة والعمق. وتؤكد: ما يميّز لوحاتي هو أنني لا أتعامل مع اللون كأداة، بل كشعور، وكل خط أرسمه يحمل داخله حكاية.
البيئة الإماراتية
ترى الدرمكي أن البيئة الإماراتية بما تحمله من عناصر الأصالة تشكل مصدر إلهام لا ينضب، إذ تنسج من مكونات الصحراء والبحر والخيل والصقور عالماً بصرياً يتجاوز المألوف. فهي تنظر إلى هذه الرموز ليس بوصفها مشاهد جمالية فقط، بل باعتبارها قيماً ومعاني تعبّر عن العزة والفروسية والكرم، وهي صفات مترسخة في الشخصية الإماراتية. تقول: الهوية الوطنية لا تقتصر على الرموز، بل هي إحساس يعيش داخل الفنان، يظهر في اختياره للموضوع والألوان وفي طريقته رؤيته للحياة من حوله.
وتصف رؤيتها للواقعية التعبيرية بأنَّها مدرسة تمنحها حرية الكشف عن المشاعر من دون الابتعاد عن الحقيقة البصرية. فهي لا تسعى فقط إلى محاكاة الشكل، بل إلى إظهار العمق النفسي خلفه. وتوضح: أميل إلى الواقعية التعبيرية لأنها تمكنني من الجمع بين الإحساس والدقة، بين العين والقلب.
وبينما يشهد الفن التشكيلي تطوراً متسارعاً في عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ترى الدرمكي أن الجوهر الإنساني للفن سيبقى هو الأصل، مشيرة إلى أن الأدوات الرقمية يمكن أن تكون وسيلة مساعدة لا بديلاً عن الإحساس اليدوي. وتقول: الفن الرقمي جميل، لكنه لا يستطيع أن ينقل رائحة الفحم أو دفء اللون على القماش. هذه التفاصيل الصغيرة هي ما يمنح اللوحة روحها الخاصة.
تفاعل الجمهور
كانت مشاركة الدرمكي في معرض الصيد والفروسية هذا العام محطة مهمة في مسيرتها، إذ عرضت أعمالها ضمن قاعة الفنانين بجناحها الخاص، لتقف أمام الجمهور وتقدم رؤيتها الفنية بثقة واعتزاز. وتعبّر عن تلك التجربة بقولها: كانت مشاركتي الأولى بهذا الحجم، وشعرت بمدى تأثير الفن في الناس. أجمل ما حدث أن الجمهور تفاعل مع أعمالي وشعر بما أردت قوله من خلال الألوان والرموز.
وترى الفنانة الإماراتية أن للفن التشكيلي دوراً عميقاً في خدمة المجتمع وتعزيز الوعي الثقافي، مؤكدة أن الفن لغة قادرة على توحيد الشعور الإنساني ونقل قيم الوطن بلغة يفهمها الجميع. وتضيف: الفن التشكيلي يحمل مسؤولية كبيرة، فهو لا يوثق الجمال فقط، بل يعيد صياغة الوعي ويعمق الانتماء.
وتعلن لمياء عن طموحها المستقبلي بثقة قائلة: أسعى إلى المشاركة في معارض دولية وتمثيل الفن الإماراتي عالمياً، لأُظهر للعالم مدى غنى ثقافتنا وجمال تراثنا من خلال اللوحة، وترى في الفن جسراً يربط بين الشعوب، ورسالة إنسانية تفيض بالسلام والمحبة، تليق بصورة الإمارات التي صنعت من الإبداع جزءاً من هويتها الوطنية.
