قبيل مغادرتي ولاية فيرجينيا إلى بيروت خلال عطلة الأعياد، طرح عليّ أحد الزملاء سؤالا يتردد منذ فترة في أوساط صنع القرار في واشنطن: هل أصبح لبنان في نهاية هذا العام أفضل حالا مما كان عليه في بدايته؟

كان جوابي فوريا – لكن غير مكتمل.

“نعم،” قلت.

و”لا،” أضفت.

هذا التردد ينطبق، إلى حدّ كبير، وضع الشرق الأوسط بأسره في عام 2025. فالمسألة ليست مجرد معضلة تحليلية، بل هي معضلة وجودية.

كصحافية في شبكة الشرق الأوسط للإرسال (MBN)، تابعنا على مدى العام التحولات في المنطقة لحظة بلحظة: حروب تتباطأ من دون أن تنتهي فعليا، موازين قوى تتغير من دون أن تستقر، واختراقات دبلوماسية تصطدم بصلابة الوقائع على الأرض. ومن خلال تغطيتنا، من واشنطن وبيروت ومناطق أخرى في الإقليم، كانت هناك لحظات لم يبدُ فيها رصد الأحداث فعلا منفصلا تماما عما يحدث على الأرض. أحيانا تشعر أنك توثّق التاريخ؛ وفي أخرى تشعر أنك تتحرك في داخله.

المنطقة اليوم ليست مستقرة، كما أنها ليست على شفير الانهيار. إنها تخوض عملية إعادة ترتيب، تتشكل أقل عبر تسويات تفاوضية وأكثر عبر إعادة اصطفاف للقوى، وفي ظل سياسة خارجية أميركية انتقلت بوضوح نحو منطق النفوذ، وتسلسل الخطوات، وإنهاء النزاعات، بدل السعي إلى حلول شاملة ونهائية.

منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بداية هذا العام، انطلقت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط من ثلاث أولويات: إنهاء الحروب النشطة، احتواء التصعيد، وتقليص الانخراط الأميركي المفتوح الأمد. وقد أسفر هذا النهج عن نتائج ملموسة، لكنه كشف أيضا عن جوانب قصور واضحة.

يمثل وقف إطلاق النار في غزة مثالا واضحا. فقد تم التوصل إليه تحت ضغط أميركي مباشر، نجح في وقف القتال واسع النطاق وتأمين إطلاق سراح رهائن. ومن منظور السياسات، حقق ذلك الأهداف الفورية لواشنطن: منع توسع التصعيد إقليميا، تعزيز البيئة الأمنية لإسرائيل، وإغلاق ملف سياسي مكلف. لكنه لم يعالج فراغ السلطة في غزة، ولم يوضح شكل الحكم في مرحلة ما بعد الحرب، ولم يرسِ مسارا موثوقا لتجديد الحياة السياسية الفلسطينية. لقد جُمِّد النزاع في صيغة جديدة بدل أن يُحل.

البيئة الأمنية لإسرائيل تعكس المفارقة نفسها. فقد انتهت فعليا المرحلة العسكرية الواسعة على جبهتي غزة ولبنان. وما تلا ذلك لم يكن سلاما، بل خفضا في مستوى العنف. وبالمقارنة مع العامين الماضيين، لم تعد إسرائيل تعمل تحت وطأة شعور بتهديد وجودي وشيك. ورغم استمرار التحديات الأمنية، فإن إسرائيل تمسك اليوم بزمام التفوق العسكري، ما خفف منسوب القلق العام ودفع القضايا الأمنية إلى خارج تفاصيل الحياة اليومية والنقاش العام.

وقد عززت السياسة الأميركية هذا التحول. إذ عملت واشنطن بنشاط على منع تجدد التصعيد، وأرسلت إشارات واضحة بأن العودة إلى حرب شاملة لن تكون مقبولة. ومع انحسار التوتر، بدأت الأوضاع الاقتصادية داخل إسرائيل تستقر تدريجيا. صحيح أن الاقتصاد الإسرائيلي لا يشهد ازدهارا، لكنه يتعافى مدعوما بصفقات تجارية ودفاعية كبرى وبنمو صادرات السلاح.

لكن، كما وثّقنا مرارا خلال العام الماضي، فإن المكاسب الأمنية الخارجية لم تُترجم إلى استقرار سياسي داخلي. فإسرائيل تعيش حالة استقطاب حاد. وأشد المخاوف اليوم لا تتعلق بالحرب، بل بالحكم: تآكل المؤسسات، والضغوط على القضاء، وتسييس الجهاز الإداري، والفساد. قد تكون الحرب قد انتهت، لكن المحاسبة الداخلية لم تبدأ بعد.

يعكس لبنان واقعا مشابها من الاستقرار الجزئي الذي يفتقر إلى حل بنيوي. فبعد سنوات من الشلل المؤسسي، استعاد البلد في عام 2025 حدا أدنى من فاعلية مؤسسات الدولة. وأعاد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة قدرا من الاستمرارية السياسية الغائبة منذ زمن. والأهم من ذلك، أن مسألة نزع سلاح حزب الله، التي كانت تُعد حتى وقت قريب من المحرّمات، دخلت الحيزين المؤسسي والدبلوماسي تحت ضغط غربي متواصل.

من منظور واشنطن، يُعد ذلك تقدما تدريجيا. فالولايات المتحدة كانت قد دفعت بهدوء نحو خفض التصعيد على الحدود الجنوبية، وقلّصت مخاطر تجدّد الصراع بين إسرائيل وحزب الله، وبحثت في أطر قد تفضي مستقبلا إلى ترتيب أمني بين لبنان وإسرائيل. غير أن أساسيات الوضع اللبناني لا تزال على حالها: اقتصاد منهك، ومشهد أمني منقوص السيادة، وإصلاحات معلّقة على إرادة سياسية ما زالت عصيّة على التنفيذ. لم يعد لبنان في حالة سقوط حر، لكنه أيضا لا يسير باتجاه تعاف فعلي.

تشكل سوريا انحرافا أكثر حدة. فطَيّ صفحة عهد الأسد العام الماضي، ورفع العقوبات، واستئناف الانخراط الدبلوماسي، تعكس تصورا أميركيا مفاده أن سياسة الإقصاء باتت غير مجدية استراتيجيا، وأن انخراط واشنطن سيبقى مشروطا وبراغماتيا، يركز على مكافحة الإرهاب، واستقرار أوضاع اللاجئين، ومنع عودة العنف واسع النطاق. لكن المرحلة الانتقالية في سوريا لا تزال هشة. فالمؤسسات ضعيفة، والسلطة مجزأة، ومخاطر الصراع الداخلي لم تُحسم. سوريا اليوم في مرحلة ما بعد الحرب، لكنها ليست في مرحلة ما بعد الصراع.

أما التحول الأشد وقعا في عام 2025 فجاء مع إيران.

تدخل إيران عام 2026 وهي أضعف ماديًا وأكثر انكشافًا استراتيجيًا. إذ يعمل النظام من موقع هو الأكثر هشاشة منذ عقود، بعد أن فقد جزءًا كبيرًا من بنية الردع القائمة على الوكلاء التي شكّلت جوهر قوته الإقليمية. فقد أدى سقوط نظام الأسد إلى تعطيل ممرات إيران اللوجستية نحو حزب الله، فيما أدت الضغوط العسكرية المستمرة إلى إضعاف قدرات الحزب وتفكيك بنية حماس. مجتمعة، قلّصت هذه الانتكاسات بشكل حاد قدرة طهران على إسقاط نفوذها عبر الميليشيات الإقليمية.

وبالأهمية نفسها، جرى تقليص البرنامج النووي الإيراني – الذي طالما عُدّ أزمة وشيكة – بالقوة، من خلال عمل منسق بين إسرائيل والولايات المتحدة. فقد استُهدفت منشآت، وعُطّلت جداولها الزمنية، وأُدير التصعيد بإحكام وفق الشروط التي وضعتها واشنطن وإسرائيل. وقد عكس الرد الإيراني المتحفظ حالة تقييد، لا صبرا استراتيجيا. نجا النظام، لكن مصداقية قدرته على الردع لم تنجُ.

بالنسبة لصنّاع القرار الأميركيين، يمثل ذلك نجاحا ذا دلالة، وإن كان غير مكتمل. فقد جرى إضعاف إيران من دون إشعال حرب إقليمية. لكن غياب مسار دبلوماسي للخروج من الأزمة يطرح تساؤلات حول الاستدامة والاحتواء على المدى الطويل.

أما دول الخليج، فقد تعاملت مع التطورات ببراغماتية. فمع تجنبها المواجهة المباشرة، أعادت تقييم افتراضاتها بشأن الحصانة الإقليمية والضمانات الخارجية. وأسفر ذلك عن انفتاح متجدد على واشنطن: تعاون أمني أعمق، وتنسيق دفاعي متسارع، وتقارب سياسي أوثق. ليس هذا اصطفافا أيديولوجيا، بل إدارة للمخاطر. وبالنسبة لدول الخليج، يظل الالتزام الأميركي هو صمام الأمان الأساسي في مواجهة التصعيد.

وفي أماكن أخرى، يتجلى قصور النفوذ الأميركي بوضوح. فاليمن يواصل التفكك، منتقلا من حالة جمود إلى حالة انهيار. وانزلق السودان إلى كارثة إنسانية تتجاوز إلى حد بعيد قدرة واشنطن، أو رغبتها في التدخل.

فهل أصبح الشرق الأوسط أفضل حالا في عام 2025؟

إذا كان المعيار هو تراجع عدد الحروب النشطة وانخفاض مخاطر التصعيد الفوري، فالإجابة نعم.

وإذا كان المعيار هو تسويات سياسية مستدامة، ومؤسسات ذات سيادة، وحكم يتمتع بالشرعية، فالإجابة لا.

ما تغيّر ليس مستوى تقلب المنطقة، بل بنيتها. فالنزاعات المجمّدة تفسح المجال أمام مراحل انتقالية غير محسومة. وقد أُعيد ضبط الردع بشكل غير متكافئ. ونجحت السياسة الأميركية في إدارة النتائج، لكنها لم تنجح بعد في تشكيل النهايات.

وبالنسبة لنا، أعني الصحفيين الذين أمضوا العام في تغطية هذه التحولات يوما بيوم، تبدو الإجابة أقل نظرية وأكثر شخصية.

نعم… ولا.