لم تعد الإمارات مجرد لاعب في مجال الذكاء الاصطناعي، بل ترسخت كقوة عالمية، وعمود فقري لصناعة الذكاء الاصطناعي، إقليمياً ودولياً، مدفوعة باستثمارات تجاوزت 543 مليار درهم (148 مليار دولار) في مشاريع وحلول الذكاء الاصطناعي، وبإسهامات متوقعة للذكاء الاصطناعي تتجاوز 352 مليار درهم (96 مليار دولار) في الناتج المحلي بحلول 2031، مع نمو سنوي متوقع يتراوح بين 20% و30%.

وعلى مستوى البنية التحتية، تمتلك الإمارات 35 مركز بيانات، إلى جانب إطلاق مشروع «ستارجيت الإمارات» بقدرة 1 جيجاواط؛ ما يضع الدولة في مصاف أكبر منصات الحوسبة المتقدمة عالمياً. كما استقطبت استثمارات تقنية عملاقة، أبرزها استثمار مايكروسوفت بقيمة 15.2 مليار دولار.

وفي بعده الأشمل؛ أصبح الذكاء الاصطناعي في الإمارات محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي والإنتاجية والتنافسية العالمية، في ظل تصدّر الدولة عالمياً باستخدام الذكاء الاصطناعي بنسبة 59.4% وفق تقرير «مايكروسوفت»، وأفضل الحكومات عالمياً في الجاهزية لتبني الذكاء الاصطناعي، من بين نحو 190 دولة وفقاً لتقرير «بوسطن كونسلتينج جروب» لعام 2025.

الناتج المحلي

ووفقاً لشركة «برايس ووترهاوس كوبرز» من المتوقع أن يمثل الذكاء الاصطناعي 13.6% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارات، وهي النسبة الأعلى بين دول مجلس التعاون الخليجي، مقارنة بـ12.4% في السعودية، و8.2% في بقية دول مجلس التعاون الخليجي.

في هذا العام أعلنت شركة «أوبن إيه آي» إطلاق «ستارجيت الإمارات» وهو أول توسع دولي لمنصة البنية التحتية للذكاء الاصطناعي «ستارجيت» التابعة للشركة، بالتعاون مع مجموعة «جي 42» الإماراتية، وبدعم من الحكومة الأمريكية، ضمن شراكة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي في المنطقة.

ويمثل المشروع استثماراً متبادلاً، يتضمن إنشاء مركز حوسبة متطور بقدرة 1 جيجاواط، وتمويلاً إماراتياً لمنشآت حوسبة متقدمة في الولايات المتحدة الأمريكية، في سياق شراكة أوسع لتسريع تطبيقات الذكاء الاصطناعي بين البلدين، ومن المتوقع أن توفر «ستارجيت الإمارات» بنية تحتية للذكاء الاصطناعي وقدرات حوسبة تغطي دائرة نصف قطرها 2000 ميل، بما يصل إلى نصف سكان العالم.

المنشأة المرتقبة ستكون الأكبر من نوعها خارج الولايات المتحدة، وسوف تقام ضمن مجمع ذكاء اصطناعي «إماراتي-أمريكي» في أبوظبي، وسيزود المجمع مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي وموارد الحوسبة الإقليمية بقدرة تصل إلى 5 جيجاواط، يمتد على مساحة 10 أميال مربعة، ويعتمد على مزيج من الطاقة النووية والشمسية والغاز الطبيعي، لتشغيل منشآته، في خطوة تهدف إلى خفض البصمة الكربونية للمشروع.

ويُتوقع بدء تشغيل أول تجمع حوسبي بسعة 200 ميجاواط في العام المقبل 2026، بينما تتولى «أوبن إيه آي» و«أوراكل» إدارة عمليات التشغيل، مع تولي «جي 42» مسؤولية البناء. ووصلت قدرة شركة خزنة لمراكز البيانات في الدولة إلى نحو 650 ميجاواط من المساحة التخزينية، تشمل المشاريع القائمة وقيد الإنشاء.

مراكز البيانات

وتمتلك الإمارات أكبر عدد من مراكز البيانات القائمة بالفعل في المنطقة وهو 35 مركزاً، مقارنة بـ12 مركزاً في عُمان، و11 مركزاً في السعودية، ويبلغ إنفاق الموظف على السحابة العامة 228 دولاراً، وهو الأعلى في المنطقة وفقاً لبيانات «مجموعة بوسطن الاستشارية». في حين تُواصل «خزنة» تنفيذ مشروع مركز بيانات 100 ميجاواط في عجمان — المشروع المخصص للحوسبة وتحميلات الذكاء الاصطناع، وقد أعلن هذا العام «علي بابا كلاود» عن افتتاح مركز بيانات ثانٍ في دبي بقيمة 380 مليار يوان صيني (53 مليار دولار) على مدى السنوات الثلاث المقبلة لتعزيز البنية التحتية الخاصة بالذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.

منظومة تشريعية ذكية

وأطلقت الإمارات هذا العام أول منظومة تشريعية ذكية متكاملة لتطوير التشريعات والقوانين في حكومة الإمارات قائمة على فكر وحلول الذكاء الاصطناعي. وتُعيد هذه المنظومة – التي تُعدّ الأولى من نوعها عالمياً – تعريف كيفية بناء وصياغة التشريعات والقوانين، وتؤسس لنموذج الجيل القادم للحوكمة الذي يجمع بين الذكاء البشري وكفاءة الذكاء الاصطناعي لإصدار تشريعات أكفأ وأسرع، وتُعزز من جذب الاستثمارات واستقطاب المواهب في قطاع جديد واعد وهو قطاع الذكاء التشريعي. وقد تم اعتماد هذه المنظومة من قبل مجلس الوزراء في أبريل 2025.

مدينة للإنترنت

وتعد مدينة دبي للإنترنت ركيزة الاقتصاد الرقمي في الإمارة، وهي تسهم بنحو 65% من الناتج المحلي للتكنولوجيا في دبي، ووصل عدد الشركات العاملة فيها 4000 شركة، ويبلغ عدد الموظفين فيها 31 ألف موظف، وتم استثمار نحو ملياري درهم في البنية التحتية للمكاتب المصنفة من الفئة الأولى، ووصل حجم استثمارات الشركات الناشئة فيها إلى 9 مليارات درهم. وقد أضافت المدينة 100 مليار درهم للناتج المحلي في دبي خلال آخر 15 عاماً، وبلغت نسب الإشغال فيها إلى 90%.

وفي السياق نفسه؛ أعلن معهد النماذج التأسيسية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي بالتعاون مع «جي 42»، في سبتمبر الماضي إطلاق نموذج «كي 2 ثينك» مفتوح المصدر الرائد في مجال الاستدلال المتقدم بالذكاء الاصطناعي. ويجسد «كي 2 ثينك» نهجاً جديداً في بناء أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر ذكاءً وكفاءة؛ فبفضل اعتماده على 32 مليار معامل فقط، يتفوّق على نماذج الاستدلال الرائدة التي تفوقه حجماً بمعدل 20 مرة. ويُعد هذا الإنجاز في كفاءة استخدام المعاملات نقلة نوعية تجعل من «كي 2 ثينك» بديلاً قوياً للاستدلال المتقدم، ويعيد تعريف حدود الإمكانات المتاحة للنماذج المدمجة الأصغر حجماً.

وفي أبوظبي وحدها تشير بيانات غرفة تجارة وصناعة أبوظبي إلى أن القطاع بات يضم 673 شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي حتى منتصف عام 2025، محققاً نمواً نسبته 61 % خلال الفترة من يونيو 2024 إلى يونيو 2025، مع إطلاق 150 شركة جديدة في النصف الأول فقط من 2025. وتظهر الأرقام أن أكثر من 58% من هذه الشركات تتركز أنشطتها في مجالات الابتكار والبحث والاستشارات.

جاهزية سوق العمل

وفي موازاة التوسع الاستثماري والبنية التحتية، تضع الإمارات الإنسان في قلب استراتيجية الذكاء الاصطناعي، عبر تدريب آلاف الموظفين الحكوميين، وإدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم المدرسي والجامعي، وإعادة تأهيل القوى العاملة على مهارات الذكاء الاصطناعي، وتربط التدريب بالجاهزية لسوق العمل.

على سبيل المثال مبادرة «مليون خبير» التي تهدف إلى تمكين مليون فرد من مختلف الجنسيات بمهارات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية خلال السنوات المقبلة، كذلك ارتفعت نسبة الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي بانتظام في وظيفة عمل واحدة على الأقل إلى 88 %، مقارنة بـ 78 % في 2024 (وفقاً لدراسة ماكنزي منتصف 2025)، وثبت أن 88 % من الموظفين في الإمارات يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي في مهام العمل اليومية (وفقاً لدراسة كاسبرسكي 2025)، وأكد 97 % من الموظفين إيجابية الذكاء الاصطناعي التوليدي في القطاع الحكومي؛ ما يعكس استعداد القوى العاملة للتحول الرقمي.

كما أطلقت شركة «شنايدر إلكتريك»، في مجال التحول الرقمي لإدارة الطاقة والأتمتة، مبادرة بقيمة 100 مليون درهم لدعم تمكين المواهب في الإمارات، بالتزامن مع الافتتاح الرسمي لمقر شنايدر إلكتريك الجديد؛ «ذا نست» في دبي، وهو الأول من نوعه ضمن البرنامج العالمي للشركة للمباني المؤثرة «Impact»، والذي يعتبر استثماراً استراتيجياً أساسياً في مستقبل الاقتصاد المستدام، باعتباره مركزاً للابتكار والتعاون والتقدم والتميز.

استثمارات في الخارج

وتجاوزت استثمارات الإمارات في الولايات المتحدة الأمريكية تريليون دولار، حيث تسهم في دعم النمو وخلق فرص العمل. ومؤخراً، أعلنت الإمارات عن استثمار 1.4 تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي خلال العقد المقبل، مع التركيز على الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية والطاقة والتصنيع المتقدم والتكنولوجيا، والابتكار والفضاء والطيران.

واستثمرت «داماك القابضة» أكثر من 20 مليار دولار في مراكز البيانات الأمريكية. وتشمل مرحلتها الأولى مرافق بقدرة 500 ميجاوات في ولايات مثل تكساس وأريزونا وأوهايو وغيرها، كما استثمرت 852 مليون دولار في ثلاث مدن في السعودية، هي الرياض والدمام ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية. كما تنشط في دول أوروبية مثل اليونان وإسبانيا وتركيا وأيرلندا، وأخرى آسيوية ومنها ماليزيا وإندونيسيا والأردن.

وتجاوزت استثمارات الإمارات في مشاريع وحلول الذكاء الاصطناعي الـ 543 مليار درهم منذ 2024 حتى نهاية 2025 هذا الرقم يعكس التزام الدولة بتحويل اقتصادها إلى نموذج قائم على التكنولوجيا المتقدمة.

من الجانب الآخر من حيث الاستثمارات الداخلية؛ تتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول المستثمرة في البنية التحتية الرقمية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الإمارات من حيث إجمالي حجم الاستثمار الرأسمالي، بقيمة بلغت 2.86 مليار دولار موزعة على 20 مشروعاً، وتأتي بعدها سويسرا ضمن مجموعة الدول الأوروبية المستثمرة، إلى جانب المملكة المتحدة التي بلغت استثماراتها نحو 466 مليون دولار عبر ثلاثة مشاريع، والهند بنحو 356 مليون دولار، وألمانيا بنحو 245.8 مليون دولار في مشروع واحد؛ ما يعكس تنوع مصادر الاستثمار الأجنبي في قطاع البنية التحتية الرقمية بالدولة.

قبلة المؤتمرات

وشهد عام 2025 على دور الإمارات كوجهة عالمية رئيسية للمؤتمرات التكنولوجية؛ فقد استضافت دبي النسخة السنوية من «جيتكس العالمي»، الذي تحول إلى أكبر منصة عالمية يربط بين المبتكرين والمستثمرين، وشهد الإعلان عن العديد من صفقات الشراكة التكنولوجية الكبرى، وعزز مكانة دبي كمركز للابتكار.

أما «أسبوع دبي للذكاء الاصطناعي» فعُقد في أبريل 2025، وشمل فعاليات رئيسية مثل ملتقى دبي للذكاء الاصطناعي، وأطلق خلاله سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، رئيس مجلس أمناء مؤسسة دبي للمستقبل، تقييم الجهات الحكومية بناءً على دمج الذكاء الاصطناعي؛ ما جعله نقطة تحول في الحوكمة.

تنفيذ واسع النطاق

وانتقلت الإمارات أيضاً إلى مرحلة «التنفيذ واسع النطاق» لحلول الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية؛ ما يدعم جودة الحياة والتنويع الاقتصادي؛ فقد تبنت نهج المدن الذكية والاستدامة؛ حيث سريع استخدام حلول الذكاء الاصطناعي لإدارة الموارد، مثل دمج تقنيات التعلّم الآلي في إدارة المرور الذكية، وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة والخدمات البلدية. وقد عزز هذا الاستخدام تقدم المدن الإماراتية في المؤشرات العالمية للمدن الذكية، وأسهم في خفض التكاليف التشغيلية الحكومية وتقديم خدمات ذات كفاءة أعلى للمستثمرين والسكان.

وفي مجال الرعاية الصحية تم إطلاق عدد متزايد من المشاريع في مجال التشخيص المُحسّن بالذكاء الاصطناعي، بخاصة في الكشف المبكر عن الأمراض عبر تحليل الصور الطبية والبيانات الجينية. ويهدف هذا التوجه إلى جذب الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا الصحية، والارتقاء بنوعية الرعاية الصحية.

ريادة الإمارات

ووفقاً لتقارير دولية عديدة، وأبرزها تقرير «مايكروسوفت»؛ حازت الإمارات الريادة عالمياً في تبني واستخدام الذكاء الاصطناعي للفرد، حيث بلغت النسبة 59.4 % من السكان في سن العمل الذين يستخدمون هذه التكنولوجيا، ويعتبر هذا المعدل هو الأعلى عالمياً، متفوقاً على دول أخرى مثل سنغافورة (58.6 %)، والنرويج (45.3 %)، وإيرلندا (41.7 %). ويُعزى هذا الإنجاز إلى الاستثمارات طويلة الأمد في البنية التحتية الرقمية، وتنسيق السياسات الحكومية، وبرامج تدريب القوى العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي.

كما أفادت دراسة عالمية أجرتها «ماكنزي» في منتصف 2025 أن نسبة الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي بانتظام في وظيفة عمل واحدة على الأقل قد ارتفعت إلى 88%، مقارنة بـ 78% في عام 2024.

كما أكد تقرير «بوسطن كونسلتينج جروب» أن الإمارات تُعد الدولة الأكثر تقدماً في منطقة الخليج من حيث جاهزية الذكاء الاصطناعي، استناداً إلى قوة البنية التحتية الرقمية وحجم الاستثمارات ونضج السياسات الحكومية وتوافر الكفاءات. وأشار التقرير إلى أن الإمارات انتقلت من مرحلة «التجربة» إلى مرحلة «التنفيذ واسع النطاق»، خصوصاً في القطاعات الحكومية والطاقة والخدمات المالية والمدن الذكية.

أما تقرير «أكسفورد إنسايتس» في مؤشر Government AI Readiness Index فقد صنف الإمارات ضمن أفضل الحكومات عالمياً في الجاهزية لتبني الذكاء الاصطناعي، من بين نحو 190 دولة. واستند التصنيف إلى قوة الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، وتكامل الحوكمة الرقمية، وتطور البنية التحتية للبيانات، ومستوى نضج الخدمات الحكومية الذكية.

في حين أشار تقرير صادر عن منصة LinkedIn ضمن مؤشر Global AI Talent Density إلى أن الإمارات تُعد من أسرع الدول نمواً عالمياً في استقطاب وتكثيف المواهب المتخصصة في الذكاء الاصطناعي. ويعكس هذا النمو نجاح سياسات الدولة في جذب العقول الرقمية، وتوسيع برامج الإقامة الذهبية، وربط التعليم بسوق العمل، خصوصاً في مجالات علوم البيانات، والتعلم الآلي والحوسبة المتقدم.

عدد المبرمجين تجاوز 450 ألفاً

حققت الإمارات خلال عام 2025 إنجازات استراتيجية في مجال الذكاء الاصطناعي، لتتقدم بخطوات واثقة نحو إنشاء واحدة من أقوى البنى التحتية الرقمية عالمياً، وترسخ موقعها دولة محورية في تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي الجديد. وبلغت نسبة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في الدولة 97%، وهي الأعلى عالمياً، فيما تجاوز عدد المبرمجين 450 ألف مبرمج.

وشكلت مبادرة «وكيل ذكاء اصطناعي لكل عضو هيئة تدريس» في جامعة حمدان الذكية تحولاً جديداً في منظومات التعليم العالي، إذ أسهمت في خفض عبء العمل بنسبة 95%، ورفع مستوى تحصيل الطلاب بنسبة 40%.