قال حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، الثلاثاء، إن استدامة مشروع قانون “الاستقرار المالي وسداد الودائع” FSDR، الذي أعلن عنه رئيس الوزراء نواف سلام، تتطلب تحقيق معايير العدالة وحسن توزيع الأعباء المالية، إضافة إلى التأكد من واقعية التطبيق والتنفيذ، مطالباً بإخضاعه لمراجعة دقيقة وشاملة قبل إحالته إلى مجلس النواب.

وأوضح سعيد في بيان أن “المشروع يحتاج إلى مزيد من التوضيح والتعزيز في ما يتعلق بالتزامات الدولة”، مشدداً على ضرورة أن تكون مساهمتها محددة وقابلة للقياس، وملزمة قانونياً، وفق جدول زمني واضح وموثوق، وبيّن أن الدولة هي الجهة النهائية التي استخدمت الأموال على مدى سنوات طويلة، حسبما ذكرت “الوكالة الوطنية للإعلام”.

وحدث الانهيار المالي عام 2019 بعد سياسات مالية غير مستدامة وهدر وشبهات فساد على مدى عقود، أدّى إلى تخلف الدولة عن سداد ديونها السيادية وتراجع الليرة اللبنانية.

ويمثل مشروع القانون المرة الأولى التي تطرح فيها بيروت تشريعاً يهدف إلى معالجة العجز الهائل في التمويل، الذي يقدر بنحو 70 مليار دولار في عام 2022، ولكن يُعتقد الآن أنه أعلى من ذلك.

وشدد سعيد على أن سداد الودائع هو حق قانوني ثابت، وليس خياراً سياسياً أو إجراء تقديرياً، مبيناً أن ممارسة هذا الحق يستدعي الاستناد إلى برنامج سداد يتمتع بـ”المصداقية”، موضحاً أن المصداقية المالية تعتمد على توافر الأصول، ووجود سيولة فعلية، وتوفر جدول زمني للسداد قابل للتنفيذ عملياً.

وأكد على أن البرنامج الزمني المقترح لسداد الجزء النقدي من الودائع يعد طموحاً إلى حد ما، ويمكن تعديله، من دون المساس بحقوق المودعين، وذلك بهدف ضمان انتظام المدفوعات واستمراريتها واستكمالها بالكامل.

حماية القطاع المصرفي

في إطار الحفاظ على الاستقرار المالي، أبدى حاكم مصرف لبنان تحفظات جدية إزاء أي مقاربة من شأنها أن تؤدي إلى الاستنزاف المنهجي أو الإلغاء الكامل لرأس المال الخاص بالمصارف قبل إزالة المطالبات غير النظامية من ميزانياتها العمومية، وقبل التطبيق اللاحق لتدرج ترتيب المطالبات.

وأشار إلى أنه بموجب قانون الاستقرار المالي وسداد الودائع FSDR، تعد المصارف التجارية شركاء في إطار سداد الودائع، والمحرك الأساسي للوساطة الائتمانية اللازمة لتحقيق التعافي الاقتصادي.

وشدد على أن أي حل يؤدي للقضاء على رؤوس أموال المصارف من شأنه أن يلحق ضرراً بالمودعين، ويقوض مساعي التعافي الاقتصادي، ويعمق توسع الاقتصاد النقدي غير الرسمي.

تحسين المشروع

وأوصى حاكم مصرف لبنان بأن يخضع مجلس الوزراء مشروع القانون لمراجعة دقيقة وشاملة وبناءة، تهدف إلى إدخال التحسينات والتَحصينات اللازمة بما يضمن العدالة والمصداقية وقابلية التطبيق العملي، قبل إحالته إلى مجلس النواب، معتبراً أنه التشريع المالي الأهم منذ إقرار قانون النقد والتسليف عام 1963.

وأكد حكام مصرف لبنان على تأييده للهيكلية العامة لمشروع قانون  FSDR، وللمبادئ الأساسية التي يقوم عليها، لا سيما خفض العجز المالي من خلال إزالة المطالبات غير النظامية، تصنيف الودائع ضمن فئات محددة بوضوح (صغيرة، كبيرة، وكبيرة جداً).

كما أبدى تأييده لسداد الودائع عبر المزج بين المدفوعات النقدية والأدوات المالية المدعومة بالأصول، على مراحل وضمن حدود السيولة المتاحة، بالإضافة إلى توزيع الأعباء والمسؤوليات المالية بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف التجارية.

مدة السداد 

وكان رئيس مجلس الوزراء اللبناني نواف سلام قد وجّه، الجمعة الماضي، إلى اللبنانيين كلمة متلفزة، متحدثاً عن مشروع القانون بحضور وزير المالية ياسين جابر، ووزير الاقتصاد عامر البساط وحاكم مصرف لبنان، مبيناً أن المودعين الذين تقلّ قيمة ودائعهم عن 100 ألف دولار سيحصلون على هذا المبلغ كاملاً خلال 4 سنوات، مشيراً إلى أنهم يمثلون 85% من نسبة المودعين، وفقاً للوكالة.

وقال: “حكومتنا تعهّدت في بيانها الوزاري بإنصاف المودعين، والسّير في طريق الإصلاح الاقتصادي والمالي”، مضيفاً “أنجزنا مسودة مشروع قانون لمعالجة الانتظام المالي، واسترداد الودائع، وأُرسلت إلى الوزراء لدراستها استعداداً للبدء بنقاشها على أمل إقرارها من دون تأخير”.

كما وعد بأنه “لن يقدم مسكناً موقتاً لأزمةٍ دامت سنوات”، لافتاً إلى أن علاج الأزمة يحتاج إلى صدق ووضوح واستعداد لتحمل المسؤولية”، معلناً بدء مرحلة جديدة أساسها تحقيق “الشفافية والعدالة”. 

وأعلن سلام أن المشروع يعد أول إطار قانوني متكامل لاسترداد الودائع ومعالجة الفجوة المالية بطريقة منهجيّة، بعد 6 سنوات من الشلل، والتآكل الصامت للودائع، والتخبّط في إدارة الأزمة المالية، وتدمير الطبقة الوسطى، على حد وصفه.

وأفاد بأن هذا المشروع لا يأتي كإجراء تقني معزول، بل كتحوّل في المقاربة “من التهرب إلى تحمل المسؤولية، ومن إنكار الخسائر وتركها تصيب الفئات الأكثر ضعفاً، إلى الاعتراف بها، والتعامل معها ضمن مسار واقعي، قابل للتنفيذ”، على حد تعبيره.

ولفت إلى أن مشروع القانون بداية مسار جديد، معتبراً أن الذين دفعوا الثمن الأكبر من الأزمة يشكلون العمود الفقري للمجتمع اللبناني، وهم الموظفون، والمتقاعدون، والعائلات.