Published On 25/12/202525/12/2025
|
آخر تحديث: 17:20 (توقيت مكة)آخر تحديث: 17:20 (توقيت مكة)
انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي
share2
في لحظة يلتقي فيها الفن مع نبض التجربة الإنسانية الحقيقية، يظهر مسلسل “لا ترد ولا تستبدل” كعمل درامي يقترب من الواقع دون تزيين، ويقدم حكاية مشبعة بالألم والمعاناة، تفتح الباب أمام أسئلة صعبة عن الأمل والحرمان.
العمل لا يكتفي بسرد قصة بطلته، بل يرسم صورة أوسع لحالات يعيشها كثيرون تحت ضغط الخوف من غد غير مضمون، واضعا المشاهد أمام مرآة نفسه، قبل أن يدفعه للتساؤل: ماذا لو كنت أنا؟
اقرأ أيضا list of 2 itemsend of list
بهذا المعنى، يتجاوز المسلسل حدود الترفيه التقليدي، ليقدم دراما تلامس الواقع وتشتبك مع الإنسان في لحظات ضعفه القصوى، حيث يصبح الصمت، والتردد، والتفاصيل البسيطة أدوات سرد لا تقل أهمية عن الحدث نفسه.
الحياة في مواجهة مرض عضال
تدور أحداث المسلسل حول امرأة تجد حياتها وقد انقلبت فجأة بعد اكتشاف إصابتها بالفشل الكلوي الذي يضع استقرارها الجسدي والنفسي على المحك. ومع دخولها دائرة العلاج القاسي، تبدأ رحلتها في مواجهة واقع جديد، لا يفرض عليها الألم العضوي فحسب، بل يضعها أمام اختبارات غير متوقعة تتعلق بالعلاقات، والثقة، ومعنى الاعتماد على الآخرين.
لا ينشغل العمل بالتركيز على المرض بقدر ما يتتبع أثره على الحياة اليومية وعلى المحيطين بالبطلة، حيث تتكشف مواقف متباينة بين الدعم، والخوف، والانسحاب، والأنانية أحيانا.
ومع تصاعد الأحداث، يصبح البحث عن حل طبي نقطة تقاطع تكشف ما هو أعمق من الأزمة الصحية نفسها، وتتحول الرحلة إلى مواجهة داخلية مع الذات، ومع فكرة الهشاشة الإنسانية، وحدود التضحية.
كلمة السر: التفاصيل
يدرك المتابع للمسلسلات الطبية ذات الطابع الإنساني كيف تتحول أحيانا إلى مساحة سهلة للاستدرار العاطفي، حيث يستبدل البناء السردي المتماسك بالانفعال، ويختصر الصراع الدرامي في معاناة مباشرة لا تتيح للشخصيات أن تتطور بعمق كاف.
بيد أن “لا ترد ولا تستبدل” يذهب في اتجاه مغاير، لا من خلال اختياره لطبيعة المرض فحسب، بل عبر سعيه إلى بناء دراما تقوم على التوتر الداخلي، وإدارة الإيقاع بوصفه عنصرا دلاليا لا مجرد أداة تنظيم زمني.
ويعتمد المسلسل -كعادة أعمال المخرجة مريم أبو عوف- على سرد تراكمي بطيء ومحسوب، تصاغ فيه الصراعات عبر التفاصيل الواقعية، والحوارات المقتصدة، واللحظات التي يترك فيها المعنى معلقا بين ما يقال وما يخفى.
ويظهر ذلك بوضوح في المشاهد الطبية، وغرف الانتظار، وفقرات العلاج الجماعي، حيث تركز الكاميرا على لحظات دقيقة بعينها مثل نظرات المرضى، وإيماءات الوجوه، لا لتكثيف المأساة بل لإضفاء مصداقية على الحكاية.
هذا الرهان على القرب من الشخصيات عوضا عن افتعال الذروة، يمنح العمل هوية فنية واضحة، لكنه بالوقت نفسه يضع النص في اختبار صعب: إلى أي مدى يستطيع الحفاظ على تماسكه الدرامي دون الوقوع في التكرار أو إضعاف الخطوط الثانوية؟
الأداء التمثيلي كعنصر بصري
تتجلى هذه الرؤية أيضا في المعالجة البصرية، حيث استخدمت المخرجة زوايا تصوير غير تقليدية وإضاءة تعكس الحالة النفسية للشخصيات، فشاهدنا الإضاءة الخافتة تسيطر على مشاهد القلق والاضطراب، بينما تتدرج الإضاءة في لحظات الأمل والانتصار على الصعاب، في انسجام مع التحولات الداخلية للبطلة.
وقد قدمت دينا الشربيني -في شخصية “ريم”- أداء متقنا يوازن بين الضعف والقوة، معتمدة على التعبير غير اللفظي، من لغة الجسد والنظرات وحركات اليدين، لتجسيد الصراع الداخلي لشخصية تواجه مرضا يهدد حياتها دون إفراط في الحوار.
كما نجح أحمد السعدني بتقديم شخصية “طه” بوصفها كيانا مركبا، تتقاطع فيه الصلابة مع الحساسية، والتردد مع الرغبة في الدعم والتضامن، مما أضفى بعدا إنسانيا على العلاقة بين الشخصيتين وخلق تواصلا مباشرا مع المشاهد.
مريم أبو عوف وانتصار هادئ للمهمشين
لا يقتصر المسلسل على فكرة البحث عن كلية، بل يمتد ليكشف تعقيدات العلاقات الأسرية وتحولات المشاعر تحت الضغط، في توازن واضح بين الدراما الإنسانية والبناء الاجتماعي. وهو ما أكسب العمل ثراء، وجعل الحكاية لا تقتصر على شخصية واحدة بل تمتد إلى شبكة علاقات معقدة ومتداخلة.
ويحسب للمخرجة مريم أبو عوف سعيها المستمر للاقتراب من الفئات المهمشة، لا بوصفهم أدوات ابتزاز عاطفي، بل كجزء أصيل من النسيج الاجتماعي الذي تعكسه أعمالها. فحضور ذوي الإعاقة في رؤيتها الإخراجية يأتي بعيدا عن التنميط أو الخطابة، كما شاهدنا سابقا في مسلسل “وش وضهر” والطفل السوري كريم لؤي الذي لعب دور الأخ الأصغر لبطلة العمل ريهام عبد الغفور.
ويتكرر هنا مرة أخرى، من خلال الطفلة لين، التي تؤدي دور “مكة” -ابنة أحمد السعدني- وتعاني فعلا من ضعف السمع، في تجسيد واع لأهمية التمثيل العادل والمسؤول داخل الدراما.
“لا ترد ولا تستبدل” ليس مجرد مسلسل يعرض ثم ينسى، بل هو عمل درامي اجتماعي مكثف ينتمي لفئة الأعمال القصيرة (15 حلقة)، يؤكد قدرة الدراما على أن تكون مرآة صادقة للحياة.
ورغم تصدره محركات البحث منذ حلقاته الأولى ونجاحه بحصد التعليقات الإيجابية عبر منصات التواصل الاجتماعي، فإن الغموض المحيط بمسار العلاقة بين “ريم” و”طه” فتح باب التوقعات المسبقة، وأثار جدلا لم يحسمه النص بعد، مما يضع العمل أمام تحد سردي في الحلقات التالية.
المسلسل من تأليف دينا نجم وسمر عبد الناصر، وإخراج مريم أبو عوف، وإنتاج عبد الله أبو الفتوح. وشارك في البطولة كل من دينا الشربيني، وأحمد السعدني، وصدقي صخر، وحسن مالك، وفدوى عابد.
