منصور الهبر

    توفي الفنان النمسوي أرنولف راينر الأسبوع الماضي عن عمر يناهز 96 عاماً في منزله بالنمسا، وأكّدت صالة العرض “ثادايوس روباك” خبر وفاته.

    وُلد راينر في مدينة بادن بالنمسا عام 1929، وأمضى أكثر من سبعة عقود في البحث عن صيغ جديدة للتعبير الفني، مقدماً منجزاً تجريدياً مرتبطاً بحركة “الفن اللّاشكلي” (Art Informel) ويُعرف بشكل خاص بأعماله المسماة Übermalungen، أي “الطلاء الفوقي”، وهي تقنية بدأها عام 1952، اعتمد فيها تكديس طبقات كثيفة من اللون فوق صوره الشخصية. وقد حولت هذه الممارسة أعماله من مجرد أعمال تبدو تدميرية إلى فضاء للمحو والتراكم والانغماس الروحي.

     

    من أعمال راينر.

    من أعمال راينر.

     

    قال راينر ذات مرة: “فعل الخلق ربما يكون أكثر جوهرياً من اللوحة المنجزة ذاتها”، مشبهاً عملية الإبداع بطقس تأمّلي. وقد تصدّر اهتمامه الجسد والذات، فضمّت رسوماته المسماة “تهريجات الوجه” و”وضعيات الجسد” صوراً فوتوغرافية أضاف عليها الألوان الزيتية ومواد الباستيل، مقدمًا الفنان ذاته بإيماءات وحالات نفسية معقدة وجريئة.

    في مجموعته الفوتوغرافية التي تعود إلى الخمسينيات، عالج راينر صدمات ما بعد الحرب في أعماله المسماة “منظور الدمار” (Perspectives of Destruction)، حيث أحصى كوارث الماضي القريب من الحرب والخراب. وقد اختزنت الطبقات اللونية القاتمة الذاكرة التاريخية، على ما قال مؤرخ الفن هلموت فيدل.

     

    من أعمال راينر.

    من أعمال راينر.

     

    من اللافت أيضاً أنّ راينر وسّع أسلوبه من خلال التقاط صور ذاتية مكبرة في أكشاك التصوير الآلي، ثم عالج سطحها بالطلاء اليدوي، محققاً صوراً هجينة تمزج بين التصوير والتجريد.

    وفي حلول أواخر الستينيات والسبعينيات، بدأت المؤسسات الفنية الكبرى بالاعتراف بأهميته. فقد حظي بعرض مبكر عام 1968 في “متحف القرن العشرين” بالنمسا (المعروف اليوم باسم “موموك”)، وشارك في دورات “دوكومنتا” أعوام 1972 و1977 و1982 في كاسل بألمانيا، كما نال شهرة دولية واسعة عقب معارضه في “كونست هاله برن” و”لينباخهاوس” في ميونيخ عام 1977.