منذ سنة أو أكثر كلّما هاتفت الفنان محمد بكري أو هاتفني كان الحديث عن الصحة والمرض يحتلّ جزءًا من أحاديثنا، ثم نخلص من تلك الأحاديث إلى ضرورة الاستمرار في أداء رسالة الأدب والفن، خدمة لشعبنا ولقضيته العادلة.
وحين أخبرني محمد أن فيلمه الوثائقي “جَنين جِنين” سيعرض في مسرح وسينماتيك القصبة في رام الله، اعتمدت على حفيدي بشار وذهبنا إلى رام الله لمشاهدة الفيلم الذي كان معبرًا عن التزام محمد بكري وولائه لشعبه ولقضية هذا الشعب، برغم ما لحقه من ملاحقات وتضييقات ومحاكمات وغرامات فرضها عليه المحتلون الإسرائيليون.
بعد الفيلم هاتفته وحدثته عن إعجابي بصنيعه الفني الإبداعي، ثم أخبرني في وقت لاحق عن نيته إخراج فيلم مدته دقيقتان عن مأساة غزّة الراهنة، ومعاناتها من حرب الإبادة، في حين أن ثمة قطاعًا من شعبنا لا يأبه لما يحدث هناك. وبالفعل أنجز محمد الفيلم واسمه “الدنيا” الذي قام فيه بدور كهل كفيف يجلس في صالة تضم حشدًا من الناس المرفّهين، الذين لا ينتبهون إلى ما تبثه شاشة التلفزيون من معاناة وعذاب وإبادة في غزة، وهو الوحيد الذي ينتبه ويصغي إلى ما يقوله المذيع وصفًا لما يظهر على الشاشة.
ثم أرسل لي أبو صالح الفيلم الذي كتبت له السيناريو والحوار وأخرجته مها حاج: “المستقبل في مكان ما” وقام ببطولته محمد بكري/ عرين عمري/ عامر حليحل. وكنت كتبت التعليق التالي حوله على صفحتي في الفيسبوك: “بساطة مدهشة عبر تفاصيل يومية تخفي خلفها ألمًا مكتومًا”، وكتبت: “فيلم متقن لجهة الحوار والسيناريو والتصوير والتمثيل والإخراج”.
كل ذلك كان يجري ومعه حوارات مع محمد بكري على الواتس اب لا تتحدث عن الموت بل عن الحياة، وعن الإصرار على النهوض بالعبء برغم التحديات، إلى أن جاء يوم نشرت في الكاتبة والإعلامية بديعة زيدان مقالة جميلة في جريدة الأيام عن كتابي: حفيدة من هناك، نشرتُها على صفحتي قبل أسبوع، لأفاجأ بتعليق من الفنان محمد بكري، يثني على المقالة ويعلن عن رغبته في قراءة الكتاب.
ولم تكن لدي سوى نسخة لمكتبتي وأخرى لحفيدتي، وكان عليّ أن ألبي رغبة الفنان، فأرسلت رسالة صوتية عبر الواتس اب لمدير الرقمية للنشر والتوزيع في رام الله، فؤاد العكليك، أطلب منه فيها إرشادي إلى أقرب موقع من بلدة البعنة، حيث يقيم محمد بكري، لعلّه، أي فؤاد يطلب من المسؤول عن ذلك الموقع تسليم محمد بكري نسخة من الكتاب وأنا أسدّد ثمنها. أجاب فؤاد عن الجزء الأول من طلبي، وقال إن الكتاب موجود في جمعية الثقافة العربية في حيفا.
قبل يومين شرعت في كتابة رسالة إلى محمد بكري لأخبره بمكان وجود الكتاب، ثم لم أرسل الرسالة وذلك انتظارًا ليوم آخر لعلّ فؤاد العكليك يخبرني أنه موافق على أن أسدد ثمن الكتاب.
المفارقة المحزنة أن محمد بكري غادرنا في اليوم الآخر المشؤوم الذي هو يوم أمس، قبل أن تصله رسالتي وقبل أن يقرأ كتابي.
له الرحمة وبقاء الذكرى والخلود.
(*) مدونة نشرها الروائي الفايسطيني محمود شقير في فايسبوكه
