رحل وليد العلايلي في 20 من الشهر الحالي (فيسبوك)

حكاية الممثل اللبناني هي حكاية طويلة ومعقّدة، تقوم في جذورها على الإهمال الذي تمارسه دولة وسلطة مترهلة، أنهكتها الحروب والانقسامات المجتمعية. هذه الصورة تفتح الباب أمام أسئلة كثيرة، في مقدّمها: من يحمي حقوق الممثلين مع تنامي ظاهرة الإنتاج في لبنان والعالم العربي، وأمام المحسوبيات وتضارب المصالح لدى شركتَي الإنتاج “سيدرز آرت برودكشن” و”إيغل فيلمز”، في ظل نهج احتكاري يُمارس بوضوح، ويبدو أن الاستمرار على هذه الوتيرة بات أمراً واقعاً؟

تغيب نقابة الممثلين في لبنان عن هموم أعضائها، لكنها تعود لتصدر بيانات أقرب إلى اعترافات بالشعور بالندم، أو التأبين عند كل رحيل لممثلة أو ممثل عانيا تهميشاً. ومن الواضح أن هذه السياسة المتّبعة هي نتيجة تداعيات ما بعد الحرب، وهروب السلطة السياسية من مسؤولياتها تجاه الفنانين، على الرغم من كونهم الواجهة الأساسية أمام العالم لصورة هذه السلطة، خصوصاً مع تنامي تقنيات البث التدفقي والرقمي، وبلوغ الدراما العربية موقعاً متقدماً على خريطة الترفيه في العالم العربي.

رحل قبل أسبوع الممثل اللبناني وليد العلايلي (1960 – 2025)، الذي درس إدارة الأعمال والفنون في أوروبا، وعاد قبل نحو عشرين عاماً إلى لبنان للعمل في اختصاص أحبّه وهو التمثيل. في بداياته، كانت الإنتاجات تقتصر على عدد محدود من شركات الإنتاج اللبنانية، إلّا أن ذلك لم يمنع هذه الشركات من إشراك العلايلي في مجموعة من الأعمال الدرامية التي عرّفت الجمهور إلى موهبة كانت تستحق مساحة أوسع من المتابعة والنجاح.

تقلَّصَ عدد الفرص أمام مجموعة كبيرة من الممثلين اللبنانيين مع دخول المنتجين في سياسة الاحتكار، والعمل وفق محسوبيات ومصالح ضيقة جداً. تغيب إلى اليوم أسماء عديدة كان من المفترض أن تشارك في معظم الأعمال المنتَجة في بيروت، لكن مع إصرار شركات الإنتاج اللبنانية على تغليب منطق المصلحة، ولو على حساب جودة العمل، يقضي هؤلاء المبعدون أيامهم في ضياع فكري ونفسي، ما يؤدي لاحقاً إلى تدهور صحي قد تكون عواقبه خطيرة، أو إلى دخول بعضهم في حالات من اليأس والاكتئاب. وهذا ما حصل مع وليد العلايلي الذي آثر المكوث في منزله، في ظل سوء وضعه الصحي، إلى أن غادر.

لا تخلو نقابة الممثلين اللبنانيين من خلافات داخلية بين أعضائها. وبحسب المعلومات، هناك تيار سياسي يسعى إلى السيطرة على النقابة، في حين يحاول آخرون التمسّك بموقع الحياد الذي لا يوفّر لهم سوى الانتساب الشكلي من دون أيّ حقوق فعلية. هؤلاء يشكّلون نسبة كبيرة نظراً إلى عملهم خارج لبنان وتمتّعهم بوضع مادي ميسور، فيما يدفع آخرون الثمن نتيجة تقاعس النقابة في محطات كثيرة، وهروبها من فرض شروط واضحة على المنتجين، من شأنها الإسهام في تفعيل دور النقابة، والدفاع عن حقوق الممثلين بالدرجة الأولى، ومحاولة استقطاب المنتجين للعمل لمصلحة النقابة، والحفاظ على حضور وكرامة الممثلين.

يعاني عدد غير قليل من الممثلين في لبنان من الغياب القسري عن الساحة. بعضهم لجأ إلى مشاريع تجارية هرباً من العوز، وبعضهم الآخر يضطر إلى القبول بأجور متدنية أو بتخفيض أجره، في ظل تفاوت مخيف بين أجر ممثل وآخر. وهو واقع لا بدّ أن يخضع لقانون عادل يحمي الممثل اللبناني بالدرجة الأولى، ويضمن له حق العمل، والتأمين الصحي والاستشفائي، والعيش بكرامة.