القاهرة – ليس مجرد احتفال بذكرى رحيل، بل استدعاء لذاكرة فنية عربية استثنائية، تعود دار الأوبرا المصرية مساء الجمعة 26 ديسمبر/كانون الأول الجاري لتفتح أبواب التاريخ، وتعيد إحياء سيرة “ملك العود” الموسيقار الكبير فريد الأطرش، ذلك الفنان الذي لم يكن مجرد عازف أو ملحن، بل حالة فنية متكاملة صنعت وجدان أجيال.
فريد الأطرش، القادم من جبل العرب، حمل عوده كما يحمل المنفي وطنه، وصاغ من الشجن مدرسة موسيقية خاصة، مزجت بين الطرب الأصيل والابتكار، فصار اسمه مرادفًا للعبقرية الموسيقية، وصار العود بين يديه آلة تنطق بالعاطفة والتمرد والحنين.
في هذا السياق، تحتفي دار الأوبرا المصرية، برئاسة الدكتور علاء عبدالسلام، وبالتعاون مع جمعية محبي الموسيقار فريد الأطرش برئاسة الفنان عادل السيد، بذكرى رحيله عبر ليلة ثقافية فنية على المسرح الصغير، تنظمها الإدارة العامة للنشاط الثقافي، وتجمع بين الموسيقى والسينما والنقد والشهادة الحية.
الليلة لا تستحضر فريد الأطرش كفنان فقط، بل كظاهرة ثقافية، من خلال حوار مفتوح تشارك فيه أسماء بارزة من رموز الفن والفكر، من بينهم نجم الغناء العربي أركان فؤاد، والناقد السينمائي طارق الشناوي، والناقد الفني الدكتور أشرف عبدالرحمن، والفنان عادل الأطرش، والشاعر ناصر عبدالحميد، في قراءة متعددة الزوايا لتجربة فنية ثرية، تتقاطع فيها الموسيقى بالسينما، والذات الفردية بالوجدان الجمعي، وتدير اللقاء الإعلامية ماجي محمود.
كما يشهد البرنامج عرض فيلم تسجيلي من إخراج عادل السيد، يوثق رحلة فريد الأطرش من البدايات الصعبة إلى قمة المجد، متوقفًا عند محطات مفصلية صنعت أسطورته الفنية، وأعماله التي ما زالت تُدرّس وتُغنى حتى اليوم.
وتكتمل الصورة حين تصعد الموسيقى إلى المسرح، حيث تقدم فرقة الفن الأصيل بقيادة المايسترو مروان عبود باقة من أشهر ألحان فريد الأطرش، يؤديها المطربون وليد رشدي، نبيل قطيط، أسمهان عادل، وزينب المصري، في محاولة لإعادة الروح إلى أغانٍ لم تغب يومًا عن الذاكرة. كما تتضمن الأمسية فقرة موسيقية خاصة على آلة الجيتار يقدمها الفنان أحمد السيد، في حوار موسيقي بين الآلة الحديثة وروح الطرب القديم.
إنها ليلة تُثبت أن فريد الأطرش لم يرحل، بل غيّر مكانه فقط، من خشبة المسرح إلى ذاكرة الفن العربي، حيث لا يزال يعزف… ولا يزال العود يبكي ويغني باسمه.
